على حبل الانتظار يقف لبنان «لا معلّق ولا مطلّق» غير مدرك متى سيأتي الموفد الفرنسي جان ايف لو دريان ولا الموفد القطري عبد العزيز الخليفي، وما سيحمل كل منهما من مقترحات حول الاستحقاق الرئاسي الذي تستمر فجوة الخلاف الداخلي حوله اتساعاً وتعقيداً، بسبب عدم الاستجابة لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية - الانتخابية، ما ترك الاستحقاق رهين الإرادات الخارجية عربية كانت أم اجنبية، مشفوعاً بمخاوف من ان يدوم الفراغ الرئاسي الى أمد طويل.
ولكن، همّ الاستحقاق الرئاسي الذي يقضّ مضاجع اللبنانيين سياسياً وشعبياً، يفاقمه همّ ملف النزوح السوري، الذي يزداد يومياً تفاقماً، مع استمرار تدفق أفواج النازحين، على رغم ما يُضبط منها بالإمكانات المتاحة لدى الاجهزة الامنية والعسكرية، في الوقت الذي لم تُتخذ اي خطوات عملية وفعّالة لمواجهته، اقلّه بما يخفّف عن كاهل لبنان أعباء النزوح وتكاليفه الكبيرة، في ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وما يحصل من حوادث تُنذر بانفجارات أمنية إن حصلت لن تُحمد عقباها.
قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، إنّ من أسباب التأخّر او تأجيل مجيء الموفدين الفرنسي والقطري، اولاً، انّ أحدهما ينتظر الآخر ان يأتي قبله ليأتي بعده، وثانياً أنّهما ليسا متشجعين لاستعجال مجيئهما في ظل استمرار الانقسام العمودي والحاد بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين حول الاستحقاق الرئاسي، والذي دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى صرف النظر عن مبادرته الحوارية الاخيرة، والتي كان يُعوَّل عليها ان تفضي إلى عقد جلسات انتخابية متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية. والسبب الثالث لتأخير لودريان والخليفة زيارتيهما، هو الانقسام السائد بين أركان المجموعة الخماسية العربية والدولية، أو انّهم يتريثون في اتخاذ القرار الحاسم في شأن لبنان، في انتظار تبلور بعض المعطيات لديهم، او لدى بعضهم، حول بعض الملفات الكبرى التي يتصدّون لها في المنطقة.
وفي غضون ذلك، كان اللافت امس استقبال السفير السعودي في لبنان وليد بخاري رئيس تيار «الكرامة» النائب فيصل كرامي في مكتبه، وعرض معه «للعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وآخر تطورات الأوضاع في لبنان، ولا سيما منها مستجدات الملف الرئاسي وضرورة انجازه. كذلك تمّ البحث في عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك».
وكان بخاري كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «سعدت صباحًا بلقاء الدكتور نبيل خليفة صاحب الومضات الفكرية والأطروحات الفلسفية التي تُثير الأسئلة وتفتح أبواب النقاش وتحضّ على إعادة التفكير».
لا مفرّ من التفاهم
وفي المواقف، أسفت كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد «لتفويت البعض فرصة الحوار الذي دعا إليه رئيس المجلس النيابي». وقالت انّها «تتابع وتقدّر الجهود التي تُبذل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر المعبر الدستوري الذي لا مفرّ فيه من التفاهم مهما كابر المكابرون».
ورأت «أنّ أمام اللبنانيين استحقاقات مقبلة وداهمة، لن تكون البلاد في منأى عن المخاطر إذا لم يتمّ التوصل الى معالجات سريعة لها واتخاذ إجراءات احترازية تحول دون مزيد من التصدّعات والانهيارات في أكثر من مرفق ومؤسسة وقطاع». واعتبرت «انّ التفاهم لإنجاز الاستحقاق الرئاسي هو المدخل الوطني الضروري لترميم او اعادة تفعيل مؤسسات السلطة والأجهزة والمؤسسات في القطاعات الأمنية والعسكرية والقضائية والصحية والاستشفائية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فضلاً عن قطاع الطاقة والمياه والاتصالات والاشغال والبلديات وغيرها».
بن زايد وميقاتي
في هذه الاجواء استقبل رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في قصر الشاطئ في أبو ظبي. وشارك في اللقاء عن الجانب اللبناني سفير لبنان في الامارات فؤاد شهاب دندن، كذلك حضر عن الجانب الاماراتي الأمين العام للمجلس الاعلى للامن الوطني علي بن حماد الشامسي، ووزير الدولة خليفة شاهين المرر.
وقد صدر بيان مشترك حول الزيارة هنا نصه:
«استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» اليوم... نجيب ميقاتي رئيس الحكومة في جمهورية لبنان الشقيقة الذي وصل إلى البلاد في وقت سابق اليوم.
ورحّب صاحب السمو رئيس الدولة ــ خلال اللقاء الذي جرى في قصر الشاطئ في أبوظبي ــ برئيس الحكومة اللبنانية... معرباً سموه عن تمنياته للبنان أن ينعم بالاستقرار والأمن والازدهار وتحقيق التنمية التي تلبّي تطلعات شعبه الشقيق.
وبحث الجانبان خلال اللقاء العلاقات الأخوية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات بخاصة التنموية والاقتصادية وغيرها من الجوانب التي تخدم مصالح البلدين.
واتفق الجانبان على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة افتتاح سفارة دولة الإمارات في بيروت، وتشكيل لجنة مشتركة لوضع آلية لتسهيل إصدار تأشيرات دخول اللبنانيين إلى دولة الإمارات.
وأطلع ميقاتي صاحب السمو رئيس الدولة على التطورات على الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة لإيجاد حلول للتحدّيات التي يواجهها على مختلف المستويات. وتبادل سموه ورئيس الحكومة اللبنانية وجهات النظر بشأن عدد من القضايا العربية والدولية الراهنة. وأكّد صاحب السمو رئيس الدولة خلال اللقاء، متانة العلاقات الأخوية التي تجمع دولة الإمارات ولبنان. مشيرا إلى أنّ الإمارات كانت ولا تزال إلى جانب الشعب اللبناني منذ عهد المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. وشدّد على موقف دولة الإمارات الثابت تجاه وحدة لبنان وسيادته وسلامة أراضيه ووقوفها الدائم مع شعبه الشقيق، مؤكّداً أنّ موقف الإمارات تجاه لبنان الشقيق يقوم على دعم كل ما يحفظ أمنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه، وما يحقّق مصلحة شعبه في التنمية والازدهار. وأعرب سموه عن تمنياته للبنان الشقيق وشعبه الازدهار والاستقرار والوفاق، وقال: «إننا نريد أن نرى لبنان قوياً متماسكاً وطرفاً فاعلاً في محيطه العربي والإقليمي والدولي».
ومن جانبه عبّر ميقاتي عن شكره وتقديره لصاحب السمو رئيس الدولة للدعم المستمر الذي يحظى به لبنان من قبل الإمارات، وكان له الأثر الطيب في نفوس الشعب اللبناني، مشيراً إلى أنّ مواقف دولة الإمارات الأخوية الأصيلة والدعم الذي قدّمته للبنان خلال المراحل السابقة ساهم في تعزيز قدرته على مواجهة كثير من التحدّيات».
إلى النزوح
إلى ذلك، بدا انّ الجميع صرف النظر عن اي خرق في الملف الرئاسي هذه السنة، وسلّم الامر للكبار في المنطقة، مع استعصاء الحل وخروجه نهائياً من يد القوى السياسية الداخلية ونزوحه اكثر واكثر نحو التدويل. ومع انكفاء الانشغال بهذا الملف الذي دخل الى الثلاجة، تقدّم ملف النزوح المتفجّر بنحوغير مسبوق الى واجهة الاهتمامات، حيث اكّد مصدر حكومي لـ«الجمهورية»، انّ «امام لبنان حل من اثنين: اما فتح البحر أو اجبار المنظمات الدولية على دعم لبنان مالياً، والدفع له لتحمّل هذا العبء أسوة بتركيا والاردن». وقال المصدر: «هذا الخطر موجود منذ 12 عاماً، لكن وتيرة النزوح التي تصاعدت في الاشهر الاخيرة زادت من خطورته، وترافق ذلك مع حملة اعلامية أمنية لوضعه تحت الضوء واستخدامه كسلاح في وجه المجتمع الدولي مقابل التهديد بسيف العقوبات».
وبغض النظر عن الخلفيات، اعتبر المصدر، انّ «من مصلحة لبنان ان يقلب الطاولة في ملف النزوح حتى وإن اتى متأخّراً». ورأى «انّ سلوك الحكومات والوزارات المتعاقبة ونحن منها، قصّرت كثيراً في موضوع الإجراءات التي كانت أسيرة تخبّط وحسابات خاطئة وغياب وحدة القرار». ودعا المصدر الى «الاستفادة من هذه الظروف، وفرض واقع على الدول الكبرى وتوحيد القرار في وجههم من الحكومة ومجلس النواب»، متسائلاً: «لماذا العبور بهذا الشكل الكثيف من الشمال؟». كاشفاً «انّ الاجهزة الأمنية لديها معلومات انّ معظمهم يأتي من تركيا عابراً حدوداً بحدود وصولاً الى لبنان. وهناك سؤال لا جواب عن رسمياً حتى الآن وهو: «لماذا فتحت تركيا حدودها للنازحين في اتجاه سوريا ولبنان، وغالبيتهم في عمرالشباب وبأعداد كبيرة؟ فالقرار السياسي الجامع والكبير وحده هو الحل».
المر ومولوي
في غضون ذلك، كان ملف النزوح السوري مدار بحث امس بين وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي والنائب ميشال المر، الذي أثنى على جهوده في هذا الملف، الذي شكّل محور اللقاء بينهما.
وقد وجّه مولوي أمس كتاباً الى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، طلب فيه «إطلاق حملة لقمع وتوقيف الدراجات النارية التي يقودها أشخاص سوريون لا يحملون الإقامة اللبنانية، وذلك بعدما تبيّن ازدياد حركة الدراجات النارية وقيادتها من أشخاص سوريين، واستغلال البعض منهم هذا الأمر للقيام بأعمال سرقة أو إطلاق نار أو ترويج مخدرات». كذلك طلب مولوي من محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود «إعطاء التعليمات الى عناصر الحرس البلدي، لتكثيف الدوريات الأمنية بالتنسيق مع قيادة شرطة بيروت في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، للعمل على إزالة ظاهرة التسوّل، لاسيما عند إشارات المرور من قِبل أطفال غير لبنانيين في مختلف شوارع العاصمة».
كذلك وجّه مولوي كتابين الى المحافظين يطلب فيهما: «الاول، الإيعاز الى القائمقامين التعميم على البلديات والمخاتير، منع قبول اي نوع من الهبات (مشروطة أو غير مشروطة) منعاً باتاً من أية جهة كانت، في كل ما يتعلق بالنازحين السوريين، وما قد يؤثر على بقائهم في لبنان وعدم عودتهم الآمنة الى بلدهم. والثاني، الإيعاز الى القائمقامين التعميم على البلديات والمخاتير، الإفادة دورياً كل 15 يوماً عن التدابير المذكورة في التعميم 74 حول تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بشأن أزمة النزوح السوري».
اندفاع واقتناع
إلى ذلك، أكّد قائد الجيش العماد جوزف عون خلال افتتاح قاعدة جونيه البحرية مبنى مدرسة القوات البحرية، بعد تشييده بتمويل من السلطات الألمانية، أنّ «الجيش اللّبناني يواجه تحدّيات كثيرة ومتزايدة على مختلف الصعد، سواء في الداخل أم على طول الحدود. ورغم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، إلاّ أنّ عناصر الجيش يقومون بواجباتهم بكل اندفاع واقتناع، وعلى أكمل وجه، في كل المهمّات الموكلة إليهم برًّا وبحرًا وجوًّا».
وقال: «لعلّ أزمة النزوح السوري هي أشدّ التحدّيات التي تواجه الجيش حاليًّا، سواء التسلّل عبر الحدود البرية أو الهجرة غير الشرعية عبر البحر. لقد ازدادت موجات النزوح في الأشهُر الماضية بشكل لافت، وحذّرنا منها مرارًا، وطالبنا الجميع بتحمّل مسؤولياتهم، كلٌّ من موقعه. يتصدّى الجيش وحده حاليًّا لهذا التحدّي رغم كل التعقيدات الجغرافية واللوجستية والعددية، ويتعرّض يوميًّا لحملات مشبوهة ضدّه».
البيسري
ومن جهته، شدّد المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري في حديث متلفز، خُصّص للبحث في ملف النازحين السوريين وتداعياته على مختلف المستويات، على انّ الهاجس الأول والتحدّي الأكبر يكمن في أننا مضطرون لإعادة تقويم كل التدابير التي اتخذناها ووضع إدارة جديدة لملف النزوح لمنع أي خطر على لبنان».
وأضاف: «انّ كلفة النزوح السوري الكبيرة التي يتكبّدها الشعب اللبناني لا تقف عند الإجراءات الاخيرة فالأضرار التي لحقت بنا ممتدة من العام 2011 وحتى اليوم وهي متعددة الوجوه والمظاهر، وتكفي الإشارة إلى الكلفة التي ترتبت على تقاسم النازحين نسبة كبيرة من الدعم الذي أُنفق على المحروقات والخبز والادوية والكهرباء والمياه والبنى التحتية، والتي دفعناها خلال السنوات الـ 12 سنة الأخيرة». وأوضح «أنّ المسؤول عن ادارة ملف النازحين هي الحكومة اللبنانية، وما عليها سوى توحيد موقفها من كل ما هو مطروح، فالأجهزة العسكرية والأمنية تعمل وفق المعايير الاستراتيجية وتحت هذه المظلة».
وبعدما نفى البيسري ان يكون قد زار سوريا، لافتاً الى «انّ اي زيارة او مهمّة تكون علنية فلا نخجل بهذا الأمر. ولكن علينا ان نعرف انّ إدارة ملف النزوح ليست أمنية بحتة، ونحن ننسق مع الدولة السورية لحل الإشكالات الحدودية شبه اليومية، كما بالنسبة الى النزوح غير الشرعي، ولا ننسى أنّ لدينا لبنانيين مقيمين في سوريا ولهم اراضٍ في لبنان، ونحن ننسق هذا الأمر مع القوات السورية».
وعن مصير «الداتا» التي على مفوضية شؤون اللاجئين تسليمها الى لبنان قال البيسري، انّها «لم تصل بعد، وانّ هناك مفاوضات ما زالت قائمة ونسعى الى احياء الاتفاقية المعقودة بين الامن العام والمنظمة الاممية منذ العام 2003، وهي تحدّد طريقة آلية ملف النازحين وعلى مسؤوليتنا تصنيف النازح واللاجئ ومن يحق له العمل في لبنان ومن لا يحق له البقاء في لبنان. وكشف انّ أي استراتيجية يجب أن تكون مبنية على أرقام صحيحة ودقيقة، وهو ما نسعى اليه».
وأضاف: «اتفقنا مع المفوضية على تسليم كامل الداتا خلال 3 أشهر، وقد مرّ من هذه المهلة شهران، ولم نستلمها بعد». كاشفاً انّ عدد النازحين في لبنان بلغ نحو مليوني نازح من بينهم نحو 500 الف يملكون اجازتي عمل وإقامة، وهي نسبة بلغت 44 في المئة من عدد المقيمين على الأراضي اللبنانية سكان لبنان، وهناك مَن دخلوا خلسة الى البلد وغير مسجّل لدى مفوضية اللاجئين ولا نعرف أعدادهم».
وعن الولادات قال البيسري: «اقتنع السوريون أخيراً بأهمية تسجيل الولادات المقدّرة بنحو 500 ألف، وقد سُجّل نحو 200 الف منهم». وحذّر من أنّ «انفجار ملف النزوح لن يرحم أحداً ومن ضمنهم أوروبا، ويجب أن يُعالج سريعاً، ذلك انّ هذا الملف له أبعاد اقليمية ودولية ومحلية وبالمعالجة الصحيحة والجدّية والصادقة بإمكاننا أن نُحدث الفارق».
إشكال في الدورة
وليل امس، وقع اشكال كبير في محلة الدورة قرب كنيسة مار مارون، بين شبان لبنانيين وآخرين من التابعية السورية. وبحسب المعلومات، فإنّ الاشكال بدأ منذ ساعات بعد الظهر بين مواطن لبناني وأحد العاملين السوريين في المنطقة الصناعية في الدورة قرب كنيسة مار مارون، وقام السوري باستدعاء اصدقائه الذين يعملون في شركات قربية ومعامل في الشارع عينه، وبدأ التصادم مع اللبنانيين الموجودين في الشارع. وعاد وتطوّر الاشكال مساء بين الطرفين.
وفور وصول القوى الأمنية لتوقيف المعتدين لجأوا إلى الابنية التي يسكنها العمال وينامون فيها، واختبأوا بداخلها. وضربت القوى الامنية طوقاً حولها، وسادت حالة من التوتر والهرج والمرج في المنطقة.