يقـول فيهـا Georges Burdeau:
C’est constater ensuite que le pouvoir constituent est supérieur à la constitution comme le créateur l’est à la créature.
التعديـلات الدستوريـة المقنعـة في لبنـان:
لكـن بكـل أسـف، نشيـر الى وجـود تعديـلات مقنّعـة (révisions déguisées) لأحكـام الدستـور تمارسهـا السلطـة تحـت تسميـات عديـدة مثـل: الميثاقيـة، وتشريـع الضـرورة، والتسويـة، والتوافـق... لتبريـر المخالفـات الدستوريـة. يقابلهـا استرخـاء لـدى المواطنيـن، أفـراداً أو جماعـات، بعـدم الإحتجـاج على المخالفـات الدستوريـة المستمـرة وتقبّلهـا كأمـر واقـع. وترجـع هـذه الحـال الى جهـل المواطـن لحقوقـه ولفحـوى الدستـور كمـا لتغليبـه الإعتبـارات الفئويـة (الطائفيـة والعشائريـة ...) ما يجعلـه قابـلاً بتجـاوز زعمائـه على دستـوره، وتاليـاً، على حقوقـه وانسانيتـه.
- ثمـة أصـوات تطالـب بتعديـل الدستـور، وأخـرى تصـرّ على قدسيـة نصوصـه وعـدم تعديلهـا. لكـن ما يجـدر سماعـه، بالأحـرى، الأصـوات المطالبـة بتطبيـق أحكـام الدستـور، خصوصـاً، عنـد المخالفـات التـي نوردهـا على سبيـل المثـال وليـس الحصـر:
1 - عـدم تقيـّد الدولـة - وهـي التـي تمثـل المجتمـع - ببنـود الدستـور. وقـد نجـم عنـه خلـل كبيـر.
2 - عـدم وجـود مرجـع أعلـى يعـود إليـه المواطـن لمقاضـاة الدولـة عندمـا تتجـاوز الدستـور والقانـون وتنقـض العقـد القائـم بينهـا وبيـن المواطـن والمجتمـع، لا سيمـا عـدم إلتزامهـا، في أحـوال كثيـرة، تنفيـذ أحكـام مجلـس شـورى الدولـة. هو السلطـة القضائيـة العليـا. أحكامـه مبرمـة ومتمتعـة بقـوة القضيـة المحكمـة. وفي هـذا مخالفـة للمادتيـن (7) و (20) من الدستـور التـي تنـص على تولّـي السلطـة القضائيـة المحاكـم على اختـلاف درجاتهـا واختصاصاتهـا، ضمـن نظـام ينـص عليـه القانـون ويحفـظ للقضـاة والمتقاضيـن الضمانـات اللازمـة. أمـا شـروط الضمانـة القضائيـة وحدودهـا فيعينهـا القانـون عمـلاً بأحكـام المـواد (303-556-564)، أصـول مدنيـة، والمـادة (93) من نظـام مجلـس شـورى الدولـة. وفي أحيـان كثيـرة تمتنـع الحكومـات عن تنفيـذ القـرارات القضائيـة المبرمـة، فتشطـب نفسهـا من خريطـة العالـم المتحضـر ودولـة القانـون وتخالـف الدستـور وتعطـل الأحكـام القضائيـة التي هي عنـوان الحقيقـة وأحكـام القوانيـن النافـذة، والتـي قـال فيهـا الدكتـور بسيونـي: «إن الدولـة التـي لا تحتـرم الأحكـام القضائيـة يجـب أن تشطـب من خريطـة العالـم المتحضّـر».
3 - في البيـان الـوزاري لـ»حكومـة المصلحـة الوطنيـة» (15/2/2014) وفي الجلسـة العامـة (19-20/3/2014)، تعلـن الحكومـة حرفيـاً:
«ستسعـى حكومتنـا إلى التأكيـد على مبـدأ الحـوار، والتمسـك بالسلـم الأهلـي، وعـدم اللجـوء إلى العنـف والسـلاح، والابتعـاد عن التحريـض الطائفـي والمذهبـي، والحـؤول دون الانـزلاق بالبـلاد إلى الفتنـة، بمـا يحقـق الوحـدة الوطنيـة، ويعـزز المنفعـة الداخليـة فـي مواجهـة الأخطـار. وذلـك احترامـاً ومتابعـة وتنفيـذاً لمقـرارات الحـوار الوطنـي الصـادرة عن طاولـة الحـوار في مجلـس النـواب وعـن هيئـة الحـوار الوطنـي في القصـر الجمهـوري في بعبـدا.
حكومـة تلتـزم تنفيـذ المقـررات الصـادرة عن طاولـة الحـوار في مجلـس النـواب وبعبـدا ؟! ولا تلتـزم تنفيـذ أحكـام الدستـور والقانـون ومقرراتهـا ولا سيمـا منهـا الأحكـام القضائيـة المبرمـة والعادلـة.
هيئـة الحـوار ليسـت سلطـة دستوريـة. ومعيـب ان تقـول الحكومـة أنهـا تحترمهـا، وستتابـع تنفيـذ مقرراتهـا. هـذا القـول هو بمثابـة مصـادرة لصلاحيـات الحكومـة ودورهـا، واغتصـاب صلاحيـة المجلـس النيابـي، المكـان الطبيعـي والقانونـي للحـوار.
4 - تضمنـت «تسويـة الدوحـة» عـدم استقالـة الـوزراء. وفي هـذا مخالفـة جسيمـة لأحكـام الدستـور، وتعطيـل لأحكامـه وأحكـام المراقبـة النيابيـة وطـرح الثقـة، ومخالفـة لحقـوق الإنسـان وحريتـه.
5 - لا نـص في الدستـور على مـا سمّـي «الثلـث المعطـل»، وهـو المخالـف كليـاً لأصـول التصويـت في مجلـس الـوزراء وأحكـام المـادة (65) من الدستـور.
6 - إعتمـاد طريقـة التوقيـع بالإجمـاع على قـرارات مجلـس الـوزراء في الحكومـة، إثـر شغـور مركـز رئاسـة الجمهوريـة، عمـلاً بأحكـام المـادة (62) من الدستـور. وذلـك، رغمـاً عن مخالفتهـا النصـوص الدستوريـة الواضحـة، في هـذا الصـدد، لا سيمـا وأنهـا تجعـل الأقليـة تتحكـم بالأكثريـة وتعطّـل المرفـق العـام.
7 - الاخـذ بنظريـة لا وجـود لهـا، ألا وهـي نظريـة «تشريـع الضـرورة»، علمـاً أن لا علاقـة لتشريـع كهـذا بالدستـور لمخالفتـه أحكـام المـادة (16) منـه، مخالفتـه المبـدأ الدستـوري الـذي تكرسـه قـرارات المجلـس الدستـوري في لبنـان وفرنسـا والـذي يعتبـر التشريـع حقـاً سياديـاً في كـل ظـرف وكـل حيـن.
هـذا وقـد صـدر عن المجلـس الدستـوري الموقـر القـرار رقـم 6 / 2023 بثـلاث مراجعـات: المراجعـة رقـم 1 تاريـخ 27/4/2023 والمراجعـة رقـم 2 تاريـخ 28/4/2023 والمراجعـة رقـم 3 تاريـخ 4/5/2023 المنشـور في الجريـدة الرسميـة عـدد 34 تاريـخ 8/6/2023 وحبرهـا لـم يجـف بعـد، والتـي أكّـدت حـق التشريـع للمجلـس النيابـي ساعـة يشـاء باستثنـاء الجلسـات المخصصـة لإنتخـاب رئيـس الجمهوريـة وهـذا مـا قالتـه بالحـرف الواحـد:
«وحيـث إنـه إذا كانـت شـؤون المواطنيـن توجـب التشريـع في ظـل الشغـور الرئاسـي مع وجـود حكومـة كاملـة الصلاحيـات، فإنـه من بـاب أولـى القيـام بذلـك الواجـب في ظـل حكومـة تصريـف أعمـال وإلا انتفـت الغايـة من الفقـرة 3 من المـادة 69 من الدستـور التالـي نصّهـا:
«عنـد استقالـة الحكومـة أو اعتبارهـا مستقيلـة، يصبـح مجلـس النـواب حكمـاً في دورة انعقـاد استثنائيـة حتـى تأليـف حكومـة جديـدة ونيلهـا الثقـة».
رغـم صـدور هـذه القـرارات المبرمـة والملزمـة يستمـر بعـض النـواب في تعطيـل جلسـات التشريـع نـورد هـذا بـدون تعليـق.
- المبـادئ والنصـوص واضحـة. وعمـلاً بالقاعـدة الكليـة: «عنـد وضـوح النـص، يمتنـع التفسيـر»، و»عندمـا يقـول المشتـرع شيئـاً في نـص معيّـن، يعنـي أنـه ينكـر العكـس». وعندمـا يميّـز بيـن مندرجـات نـص وأحكـام نـص آخـر، يعنـي انـه قصـد هـذا التمييـز وأراده فعـلاً، ما يوجـب التقيّـد بهـذا التمييـز.
«Interpretatio cessat in claris (l’interprétation cesse, lorsque le texte est «clair); Qui dicit de uno, negat de altero (quand le texte dit quelque chose, «il est censé en nier le contraire)
التوقيـت في طـرح إعـادة النظـر بالنظـام في هـذا المنـاخ العاصـف وفي هـذا الجـو مرفـوض ومشبـوه وقاتـل
نحـن نتمسّـك بالطائـف وبنـوده واحكامـه ونرفـض التجزئـة والفيدراليـة والكونفدراليـة، واللامركزيـة الماليـة الموسعـة بالمطلـق ولا سيمـا في هـذا التوقيـت بالـذات.
وبالمناسبـة من أهـم الـدروس في علـم السياسـة التوقيـت Timing.
والتوقيـت في هـذا الظـرف هـو خبيـث ومشبـوه للأسبـاب التاليـة:
إن معظـم دساتيـر الـدول المتحضّـرة ولا سيمـا الدساتيـر الفرنسيـة تضمنـت نصوصـاً دستوريـة قاطعـة تمنـع أي تعديـل دستـوري خـلال فتـرة الإحتـلال. ويعتبـر باطـلاً بطلانـاً مطلقـاً. وكذلـك في الظـروف الإستثنائيـة الخطيـرة.
من يطالـب باللامركزيـة الإداريـة والماليـة الموسعـة هـو دون أن يـدرك، يتعـرّض لحقـوق المودعيـن. وعليـه لا يسمـع هكـذا طلـب طالمـا لـم تتعهـد الحكومـة أمـام المجلـس النيابـي بإعـادة الودائـع كاملـة غيـر منقوصـة بالتضامـن السلبـي مع مصـرف لبنـان والمصـارف عمـلاً بالمـادة 137 موجبـات وعقـود التـي تنـص على مـا حرفيتـه:
«إذا نشـأ الضـرر عن عـدّة أشخـاص فالتضامـن السلبـي يكـون موجـوداً بينهـم:
«إذا كـان هنـاك اشتـراك في العمـل.
«إذا كـان من المستحيـل تعييـن نسبـة كـل شخـص من ذلـك الضـرر.
«تمييـز غرفـة 2، قـرار 10 تاريـخ 12/2/1997 - عـدل 1998 جـزء 1 صفحـة 4 مجلـة حاتـم ج 265 ص 34، بـاز 1997 ص 161.
1 - وجـود ثلاثـة ملاييـن نـازح سـوري في لبنـان.
2 - قـرار البرلمـان الأوروبـي ببقـاء النازحيـن السورييـن في لبنـان مخالـف لميثـاق الامـم المتحـدة وتدخـل في شـؤون لبنـان ومصيـره وسيادتـه.
3 - قـرار البرلمـان الأوروبـي مؤامـرة على لبنـان وديموغرافيتـه. يقـول جـواد بولـس: «السياسـة هـي بنـت التاريـخ، والتاريـخ ابـن الجغرافيـا، والجغرافيـا لا تتغيّـر». فلاسفـة التاريـخ المخضرميـن يقولـون بلـى نغيـر الجغرافيـا بالديموغرافيـة. فـلا نتـلاعـب بالدستـور الـذي كـرّس رفـض التجزئـة والتقسيـم والتوطيـن.
4 - نقـول مع محبتنـا للشعـب السـوري هـو يرفـض التوطيـن لأنـه مؤامـرة على سوريـا ولبنـان ونحـن نرفضـه عن قناعـة وانطلاقـاً من أحكـام الدستـور.
5 - حكومـة مستقيلـة قدّمـت اقتـراح قانـون يتضمـن إطفـاء - وإلغـاء وشطـب الودائـع لتلتـف على حقـوق المواطنيـن بينمـا أحكـام التضامـن السلبـي واضحـة بـأن الودائـع هـي في ذمّـة المصـارف - ومصـرف لبنـان - والدولـة اللبنانيـة.
6 - في هـذا الجـو العاصـف المثقـل بالمطبّـات الجيوسياسيـة التآمريـة الـواردة من الخـارج، والأزمـة الإقتصاديـة والمعيشيـة الخانقـة، والـدواء، والمـدارس، والتمويـن والكهربـاء، كـل ذلـك لـم يـره بعـض النـواب، همهـم الأكبـر شطـب العقوبـة عن الأفعـال المنافيـة للطبيعـة والأخـلاق والترويـج لفيلـم «باربـي Barbie» ومـا تضمـن من أمـور يرفضهـا الشعـب اللبنانـي إنطلاقـاً من التعاليـم السماويـة وانسجامـاً مع الطبيعـة البشريـة السليمـة.
7 - الغـرب الـذي خدّرنـا طـوال قـرون بشعـارات الديموقراطيـة، والعـدالـة، وسيـادة القانـون، يتجـاهـل عمـداً أن لبنـان أنفـق على النازحيـن السورييـن سنويـاً خمـس مليـارات دولار أي مـا مجموعـه ستيـن مليـار دولار، ولا يـرف جفـن للغـرب، بـل جـاء يُملـي علينـا تجـرّع سـم الشوكـران فنرجـوه ألا يحبنـا De grace ne m’aimait pas.
وهديتـه ببقـاء ثلاثـة ملاييـن سـوري هـي تلاعـب بالديموغرافيـة وأخطـر مؤامـرة على كيـان لبنـان ورسالتـه وشعبـه وحضارتـه.
دساتيـر الـدول تعتـرف بالدولـة البسيطـة Etat Simple كلبنـان، والدولـة المركبـة Etat Composé أي الدولـة الفيدراليـة كأميركـا وسويسـرا وغيرهـا. فالدولـة المركبـة هـي أجـزاء، وتحويـل لبنـان الى دولـة مركّبـة أي مجزّئـة مخالـف للفقـرة «ط» من الدستـور.
فتحويـل الدولـة البسيطـة الى دولـة مركّبـة هـو مقدّمـة لزعزعـة الكيـان وتجزئتـه، والتجزئـة تنفـي عن لبنـان الصفـة التـي أعطـاه إيّاهـا البابـا القديـس يوحنـا بولـس الثانـي في إرشـاده الرسولـي «لبنـان الرسالـة». والرسالـة لا تتجـزأ، والتجزئـة تخالـف المـادة الأولـى من الدستـور التـي تنـص على مـا حرفيتـه:
«لبنـان دولـة مستقلّـة ذات وحـدة لا تتجـزّأ وسيـادة تامـة».
يبقـى أن مبـدأ الديمقراطيـة المعتمـد في النظـام البرلمانـي يقضـي بإشتـراك المواطنيـن في تسييـر شـؤون الدولـة بإنتخـاب ممثليهـم في المجلـس النيابـي. ثـم ينبثـق من المجلـس مـا يعـرف بالحكومـة البرلمانيـة التـي تقـوم بمهامهـا بإشـراف المجلـس وتحـت رقابتـه. وقـد شـاء الدستـور أن يجعـل من الديمقراطيـة سبيـلاً الى الحـوار الوطنـي، ومن المجلـس النيابـي نـدوة لهـذا الحـوار المثمـر والبنـاء. فنصـت المـادة (27) منـه على أن النائـب يمثـل الأمـة جمعـاء، ولا يجـوز أن تربـط وكالتـه بقيـود موكليـه وشروطهـم. وفي هـذا النـص، تكمـن فلسفـة العمـل النيابـي وتوجهاتـه ومقتضياتـه.
يدفعنـا كـل هـذا الى التعلـق بهـذا الوطـن النهائـي وبالدستـور وأحكامـه لأننـا نؤمـن أن لا بديـل عن الدولـة في تأميـن المصالـح المتشابكـة، ولا بديـل عن العيـش المشتـرك كأسـاس لوحـدة الوطـن. وقـد بينـت الأحـداث المؤلمـة بجـلاء أنـه ليـس بوسـع النظاميـن الإقليمـي والدولـي إطاحـة لبنـان من دون زعزعـة ذينـك التعلـق والإيمـان أو إعـادة النظـر فيهمـا. واللبنانيـون أخـذوا الـدروس والعبـر من محنهـم القاسيـة. تعلمـوا أن الدولـة الواحـدة، السيـدة، وشرعيتهـا القانونيـة، ليستـا فقـط المصلحـة بـل الضـرورة بعينهـا ولا بديـل عنهـا. قناعتنـا نهائيـة أن لا بديـل عن سيـادة الدستـور والقانـون لتتجلـى بمؤسسـات دستوريـة عصريـة كفيلـة بتعزيـز إمكانـات الوطـن والمواطنيـن وقدراتهـم على تغييـر الأطـر المجتمعيـة الراهنـة. فالتجربـة اللبنانيـة لا تخـص اللبنانييـن وحدهـم، بـل تخـص العـرب والشـرق والعالـم بأسـره. وبالقانـون يستمـر لبنـان، بأبنائـه المتعلقيـن بالدستـور والقانـون. فالقانـون هـو السيـد، السيـد الـذي لا عبيـد لـه. ولا يستمـر الوطـن إلا بمواجهـة الواقـع واستعمـال لغـة الواقـع لأنهـا اللغـة العلميـة الثابتـة التـي تستطيـع إنقـاذ كيـان لبنـان وإنسـان لبنـان الـذي أصبـح مفككـاً، متناثـر الطوائـف والمذاهـب والأحـزاب في إطـار دولـة إسميـة بدون حيـاة وفعـل ومسمّى.