تُعتبر كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في العالم، إذ تتمتّع بالمشاهدات الجماهيرية الأعلى في غالبية الدول وفي ملاعبها وعلامات الأندية التجارية والشراكات مع المعلنين والروابط مع الجماهير، إلّا أنّها تعتمد أيضاً على قوانين اللعب النظيف والعدالة الرياضية في القارة الأوروبية، صاحبة نسبة المشاهدات الأعلى، لمحاولة الحفاظ على سلامة اللاعبين وتوفير بيئة تنافسية عادلة.
قوانين اللعب النظيف هي مجموعة من القواعد التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لتنظيم القواعد والحكم في اللعبة. تشمل قوانين اللعب النظيف جوانب مهمّة عدة، مثل الأخلاقيات الرياضية، وحقوق اللاعبين، وسلامتهم البدنية، ومنع التلاعب بالمباريات والفساد الرياضي، علاوةً على سقف الإنفاق لدى الأندية في الموسم وفي فترات زمنية تمتد إلى 5 مواسم متتالية.
دور وتأثير العدالة الرياضية
العدالة الرياضية هي مفهوم يهدف إلى ضمان تنافسية عادلة بين الفرق واللاعبين، عبر توفير مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في معاملة الجميع. تساعد العدالة الرياضية في خلق بيئة تنافسية مستدامة وتعزز الثقة بين الفرق والجماهير.
فعندما يشعر اللاعبون والفرق بأنّ القوانين تُطبّق بشكل متساوٍ وعادل، يرى الاتحاد الدولي أنّ ذلك ينمّي «لديهم الشعور بالثقة والإلهام للعب بأفضل ما لديهم». إذ تعطي العدالة الرياضية للفرق الصغيرة فرصة للتفوّق على الفرق الكبيرة وتعزّز التنافسية في اللعبة. بالإضافة إلى ذلك، تقلّل العدالة الرياضية من ظاهرة الفساد الرياضي وتعزّز سمعة الرياضة بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي تطبيق العدالة إلى تقليل الصدمات والاحتجاجات في اللعبة.
أهمية وتأثير قوانين اللعب المالي النظيف
تلعب قوانين اللعب النظيف دوراً محورياً في الحفاظ على نزاهة اللعبة وإنصاف الفرق. فمن خلال ضمان احترام الأخلاقيات الرياضية في الملاعب وخارجها، تُحوّل كرة القدم إلى ساحة للتضامن الشعبي وجمع التبرّعات، عبر جعلها لعبة موالية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والصدقية في الرياضة.
كما تُعزّز هذه القوانين الروح الرياضية بين اللاعبين، وتحثّهم على اللعب بنزاهة وإنصاف، فتوفّر الحماية للاعبين من العنف والإساءة، خصوصاً العنصرية والتمييزية، داخل وخارج الملعب. كما تَضمَن القوانين أن يتمّ احترام حقوق اللاعبين وتطوير مواهبهم ومهاراتهم بشكل عادل.
على الصعيد المالي، تلعب القوانين دوراً مهمّاً في ضمان استقرار واستدامة الأندية وحماية اللاعبين. إذ عند تطبيق هذه القوانين بشكل صارم، فإنّها تضمن عدم تراكم الديون والتزام الأندية بالميزانية المالية الصحيحة، ضامنةً تعامل الأندية مع الأموال بطرق قانونية وشفافة، ممّا يعزّز النزاهة المالية للنادي ويقلّل من خطر الفساد المالي والتلاعب المالي، فضلاً عن التوازن بين أندية الطليعة وأندية القاع والوسط، لتعزيز تنافسية البطولات وإعادة توزيع الثروات بشكل عادل. ويضمَن الامتثال لهذه القواعد توازناً مالياً أكثر عدالة بين الأندية المشاركة. فعندما تكون الأندية قادرة على الاستثمار بشكل مناسب في الفرق واللاعبين، ستكون المنافسة أكثر تكافؤاً وإثارة، وستزيد فرص الفرق الصغيرة في المنافسة بقوة مع الفرق الكبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تستفيد الأندية واللاعبون من قوانين اللعب المالي النظيف لتكون قادرة على الاستثمار في تحسين البنية التحتية، وتطوير الشباب، وتوفير مرافق أفضل للتدريب والبنية التحتية وتقديم مستوى عالٍ من الخدمات للاعبين. توفّر هذه الاستثمارات الأفضل بيئة أكثر احترافية وتطوّراً للاعبين، وتعزّز فرصهم في النجاح والتطوّر الرياضي.
النظريات الموالية
يعتقد بعض المؤيّدين أنّ قوانين اللعب المالي النظيف ستؤدّي إلى تحفيز الأندية للاستثمار بشكل أكثر فعالية في الناحية الرياضية بدلاً من الاستثمار بشكل كبير في الناحية المالية، ممّا يؤدّي إلى تحسين جودة اللعبة في المجمل.
تؤدي الحاجة إلى الامتثال لقوانين اللعب المالي النظيف إلى تحفيز الأندية لتطوير بنية تحتية تجعلها قادرة على الامتثال لهذه القوانين. بالتالي، يمكن أن يحفّز ذلك إنشاء مرافق رياضية متطورة وأفضل بشكل عام للاعبين.
وتتمثل الرؤية الأولى في تنمية الاستثمار الرياضي من خلال تعزيز المنافسة المالية النظيفة في مجال كرة القدم، إذ يتعيّن على الأندية الجدّية على المنافسة بشكل أكثر فعالية، عبر اختيار المكافآت المالية من خلال مستويات الأداء. من ناحية أخرى، قد تؤدّي الرؤية الثانية إلى التحفيز على إنشاء مرافق رياضية أكثر تطوّراً وأماناً.
النظريات المعارضة
على الجانب الآخر، نظرية المعارضين لقوانين التنظيم المالي للعبة تعتبر أنّها لا تتماشى مع المبدأ الأساسي الخاص بحرّية الاستثمار والمنافسة الحرّة، وهي ترى أنّ هذه القواعد المحدودة تؤدّي إلى تقليص عدد الأندية التي يمكن أن تتنافس على المستوى الدولي بشكل موثوق به.
يحذّر هؤلاء المعارضون من أنّ تقليل الاستثمارات الرأسمالية في الأندية قد يؤدي إلى اضطراب شديد في هيكل صناعة كرة القدم، ولعلّ أبرز مثال هو الفرق التي فشلت فعلياً في التأهل إلى دوري أبطال أوروبا بعد تطبيق قواعد التنظيم المالي.
أخيراً، تُعدّ المعارضة لنظرية العدالة أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على المنافسة الرياضية. إذ يعتقد المعارضون أنّ النظام الحالي لعقوبة الفريق الخاسر أثناء مباراة، وعقاب اللاعبين بإفساد أسمائهم وسجلّاتهم بسبب أفعالهم، يؤثّر في المنتجات الرياضية والأسماء، وصورة العلامة التجارية لكيانات كرة القدم في المستقبل.
كما تؤدّي قوانين اللعب المالي النظيف إلى تقليل الاستثمارات الرأسمالية في الأندية وتشجيع انتقال اللاعبين إلى الأندية الأكثر ثراءً، ممّا يدعو إلى اختزال الجماهير لعدد قليل من الأندية المشاركة في بطولات كرة القدم الرئيسية، بالتالي حصر المداخيل الجماهيرية العالمية والعلامات التجارية الرئيسة بأندية الطليعة. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر بعض المعارضين انتقادات الحكام غير منصفة في كرة القدم، ويراها بعضهم نوعاً من الشعور بالجماهير، وهو ما أرسى ضغطاً على «فيفا» والاتحادات القارية والمحلية لوضع تقنية خط المرمى (عين الصقر) أولاً ثم الاعتماد على تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR).
التوازن وأنسنة اللعبة
لا شكّ في أنّ اللعبة بحاجة إلى نوع من التوازن بالإضافة إلى ضمانةٍ دائمة باستدامة الميزانية المالية للأندية، لكنّ السؤال الأبرز يبقى، كيف يمكن للحظة غضّ النظر عن تطبيق هذه القوانين بصرامة على الاستثمارات الخليجية في أندية مانشستر سيتي ونيوكاسل الإنكليزيَّين وباريس سان جيرمان الفرنسي، بالإضافة إلى الاستثمار الأميركي أخيراً في تشلسي الإنكليزي أو حتى أخيراً في أندية الدوري السعودي؟
لذلك، يقع على عاتق الاتحادات المحلية والقارية و«فيفا» مسؤولية تأمين توازن مالي لعدم جرّ اللعبة إلى مزيد من التضخّم بأسعار صفقات اللاعبين وأجورهم، خصوصاً أنّ التضخّم بتنامٍ مستمرّ ومتسارع منذ مطلع العقد الثاني من الألفية، وأبرز دليل على ذلك صعود مانشستر سيتي إلى قمة أندية إنكلترا واحتكاره للألقاب في المواسم الأخيرة، نتيجة الكميات المهولة من الضخ المالي على الصفقات، بفوارق شاسعة عن أندية تاريخية مثل أرسنال ومانشستر يونايتد وليفربول، عدا نسيان ما فعله باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي، إذ يُغرّد وحيداً وتكاد لا توجد أي منافسة على لقب «ليغ1».
من جهةٍ أخرى، نقلت التقنيات التكنولوجية اللعبة من الأنسنة إلى المكننة نتيجة الضغط والهجوم الهائلَين على الحُكّام في المباريات، ممّا جعل اللعبة أشبه بألعاب الفيديو، وأبعدت الحُكّام من دورهم كقضاة في الملعب، فلا يجرؤون على احتساب هدف أو ركلة جزاء أو رفع بطاقة حمراء بوجه لاعب من دون اللجوء إلى الـVAR، ممّا أضعف من موقفهم بوجه اللاعبين خلال إدارتهم المباريات خصوصاً الحاسمة منها أو حتى الـDerbies.