فيما تقف البلاد أمام مخاطر خَضّة نقدية قد لا تحمد عقباها نهاية الشهر الجاري، يستمر مضمون البيان الختامي للقاء الدوحة الخماسي الاثنين الفائت محور بحث وتحليل لدى مختلف الاوساط السياسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي لمعرفة أبعاده والخلفيات، وظلت المواقف متناقضة حياله في الوقت الذي يُسرّب هذا الفريق او ذاك مُعطيات وسيناريوهات تخدم موقفه، لكنها تبقى مجرد معطيات لا يمكن الركون اليها او تصديقها في انتظار زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الثانية المقررة للبنان، خصوصاً انه هو مَن لديه الخبر اليقين كَونه شارك في اجتماع الدوحة وكانت له لقاءات في الرياض والدوحة قبله وبعده، قبل ان يتوجّه الى باريس للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون.
في ضوء ما انتهى اليه اللقاء الخماسي العربي الدولي بنسخته القطرية، عاد الغموض لِيلفّ حراك لودريان، وترددت معلومات أنه سيوسّع من جولاته الخارجية على دول اللقاء، وان القاهرة ستكون وجهته الاخيرة قبل عودته الى بلاده.
وقالت مصادر تراقب حراكه عن قرب لـ«الجمهورية» انّ الاجتماعات التي عَقدها في قطر خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قُبَيل اللقاء الخماسي وبعده في جدة، أعطَته زخما قويا كان يحتاجه لتطوير مبادرته. فهو يعتقد ان نجاحه رهن وحدة موقف الدول الخمسة التي تتعرض للتشكيك في الداخل اللبناني والخارج. وبالتأكيد، سيكون في حاجة الى تغطية المجموعة ودعمها الكاملين قبل ان يقرر الخطوات النهائية التي يزمع طرحها على اللبنانيين بعد لقاءاته الباريسية، والتي تترجم التفاهم الخماسي على عناوين المرحلة المقبلة بعد الجولة الاولى من زيارته اللبنانية على مختلف الأطراف المعنية بالاستحقاق الرئاسي.
وكان لودريان قد التقى في جدّة وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان للبحث في نتائج لقاء الدوحة والوقوف على المقترحات السعودية التي انخرطت بقوة في العمل الجماعي ضمن اللجنة، بعد مرحلة وصف فيها موقفها بأنه يتحاشى الغَوص في التفاصيل. وهو تطور بدأ الجميع بتلمّسه، ليس من خلال البيان الختامي للقاء الدوحة الخماسي وتبنّيه في اليوم التالي من وزارة الخارجية السعودية التي تحدثت عن نشاط الوفد السعودي ومستواه مُتبنية المقاطع الجديدة من بيان الدوحة.
ولفتت مصادر مطلعة الى ان الموقف السعودي بات أكثر وضوحاً، وهو أمر لم يكن يتلمّسه المعنيون قبل القمة السعودية ـ الفرنسية التي عقدت في باريس في حزيران الماضي، وتجلّى برفع مستوى التمثيل السعودي في اجتماع الدوحة ما أوحى بخطوات سعودية اكثر جدية في دعم لودريان والانتقال الى مرحلة متقدمة لحلّ الأزمة اللّبنانية، وهو ما دفعه الى التصريح بعد اللقاء بأنه «كان ناجحاً جدًا».
خَضّة نقدية
وعلى الصعيدين النقدي والمصرفي، ظلت قضية حاكمية مصرف لبنان تحتل صدارة الاهتمامات مع اقتراب موعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة في 31 تموز الجاري. وفي هذا السياق قال مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» ان «كل الدروب تؤدي الى خضة نقدية منتظرة لا مفر منها نهاية هذا الشهر، سواء استقال نواب الحاكم الاربعة او لم يستقيلوا». واضاف «ان اجتماع نواب الحاكم اليوم في لجنة الادارة لا يبشّر بالخير ابداً، اذ يُصرّ نواب الحاكم، وعلى رأسهم النائب الاول وسيم منصوري، على غطاء قانوني وتشريعي من المجلس النيابي لتغطية الصرف من الاحتياط ولأخذ بصمة المجلس على خطة تعجيزية بنودها موجودة منذ اكثر من ثلاث سنوات يُنادون بها علناً ويعرقلونها ضمناً».
ورأى المصدر «انّ أهون الشَرّين ان يحاكم نواب الحاكم ادارياً لعدم القيام بواجباتهم، من ان يحاكموا على تدهور دراماتيكي في سعر العملة الوطنية وقفزات خيالية للدولار ستبدأ مباشرة اول الشهر المقبل بدعسات خمسينية».
وقال: «ليس لدينا اي فكرة عما ستقوم به الحكومة ورئيسها الغائب منذ عشرة ايام، والذي يعود اوائل هذا الأسبوع لتفادي السيناريو الاسود»، مستبعداً ان يتخذ ميقاتي أي قرار اجرائي لتعويم حاكم مصرف لبنان وابقائه في منصبه لتصريف الاعمال لأنّ هذا الامر مرفوض من الجميع».
واكد المصدر «ان القوى المسيحية تصرّ على موقفها بعدم حضور جلسات تشريعية، وهو الشرط الوحيد لنائب الحاكم لتسلّم سدة الحاكمية. وبالتالي، الارجح انه ذاهب الى الاستقالة ومعه نواب الحاكم الثلاثة الآخرين. وعندها، ستطلب منهم الحكومة تصريف الاعمال، وفي كل الحالات منصة صيرفة ستتوقف وسعر الدولار الاميركي سيحلّق».
نواب الحاكم
وقالت مصادر نواب الحاكم لـ«الجمهورية»: «لقد قدّمنا خطة عمل اصلاحية مع برنامج عمل واضح، وما يهمنا هو تحرير سعر الصرف بداية شهر آب، ولن نكمل بطريق منصة صيرفة على الاطلاق لأنها تستنزِف الاحتياط وقائمة عل لعبة «الكوميسيونات» مثل «كازينو لبنان»، واساساً لا آلية لدينا لاستمرار العمل بها وتحرير سعر الصرف مؤكد انه سيحرّك الدولار».
واضافت المصادر «ان الانطباع الذي خرجنا به اليوم (امس) ان لا نية لدى المجلس النيابي للتشريع في الوقت الحاضر ونحن ننتظر نتيجة الاتصالات التي سيقومون بها في اليومين المقبلين فهل سيشرّعون ونؤمّن في الفترة الاولى خطة اصلاح حقيقي؟ وهل سيكون الصرف من الاحتياط مسؤولية مشتركة من الآن وصاعداً وليس قرارا بشخص الحاكم؟ فليكن القانون واضحاً، الصرف من الاحتياط يجب ان يعود الى الاحتياط بتعهّد المجلس النيابي وقانون يضمن الدفع للموظف العام لفترة ستة اشهر تؤمّن له الاستقرار وعمل الادارة، والّا منذ الاول من آب لِيَعلم الجميع انه لن يسمح لأحد المساس بسنت واحد من الاحتياط الّا بقانون يصدره مجلس النواب. حتى اذا استقال النائب الاول للحاكم او لم يستقل لا مساس بالاحتياط ولا مخالفة للقانون، ولن نسير في عقد استقراض الحكومة».
الاحاطة نصف السنوية
من جهة ثانية، وقبل اسابيع قليلة على القرار الاممي الجديد بالتمديد لقوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) لسنة جديدة ابتداء من نهاية آب المقبل، قدّمت أمس المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا إحاطة الى مجلس الأمن حول التقرير نصف السنوي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تنفيذ القرار 1701 (2006) خلال الفترة الممتدة من 21 شباط الى 20 حزيران 2023.
واشار غوتيريش، في مقدمة تقريره، الى ان «الطرفين اللبناني والاسرائيلي لم ينفّذا بعد كامل التزاماتهما بموجب القرار 1701، ولم يُحرَز أي تقدم نحو التوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين لبنان واسرائيل».
وقال بيان وزّعه مكتب فرونِتسكا انّ النقاش في مجلس الأمن تناول التوترات الأخيرة على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، وضرورة قيام الطرفين بمنع وتجنب أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سريع. وشددت فرونِتسكا على نداءات الأمين العام التي وردت في تقريره «الى جميع الأطراف لتنفيذ القرار 1701 بكامله، ووقف الانتهاكات واحترام وقف الأعمال العدائية». وقالت: «علينا التقدم نحو القرار 1701 وليس الابتعاد عنه. إن التنفيذ الكامل للقرار 1701 يظل مُسَوّغ وجودنا الأساسي».
وشددت فرونتسكا على ضرورة إسراع القادة السياسيين اللبنانيين في انتخاب رئيس للجمهورية كنقطة انطلاق نحو إعادة تفعيل مؤسسات الدولة وبدء عملية التعافي. وقالت إن الفراغ المستمر منذ نحو تسعة أشهر «يقوّض قدرة لبنان على معالجة أزمة البلاد المتعددة الوجوه من خلال زيادة تآكل مؤسسات الدولة وتأخير عودة لبنان إلى التعافي». وقالت «إن المطلوب إحراز تقدّم في تنفيذ الإصلاحات الشاملة والمنصفة التي تتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي».
وقبل أسبوعين من الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت، كررت فرونتسكا دعوات الأمم المتحدة الى السلطات اللبنانية الى «إتمام تحقيق مُحايد وشامل وشفاف». وشددت على «أهمية وجود سلطة قضائية مستقلة وفعّالة باعتبارها العمود الفقري لسيادة القانون والعدالة والمُساءلة»، وأكدت التزام الأمم المتحدة بمواصلة دعم لبنان والشعب اللبناني.
توتّر جنوباً
وسجّلت امس حالة من التوتر الشديد بين الجيش اللبناني وجيش العدو الاسرائيلي في محور بلدة كفرشوبا قضاء حاصبيا، وذلك بعدما أطلقَ جيش العدو عدداً من القنابل الدخانية في اتجاه عدد من اهالي البلدة بعد محاولتهم الاقتراب من الخط الحدودي.
وكانت بلدية كفرشوبا قد استخدمت جرّافة عَملت على شق طريق مُوازٍ لأعمال الجرف الاسرائيلية في هذا المحور، وتعمل قوات الطوارئ الدولية من خلال اتصالات بين الجانبين على تهدئة الوضع.
بلد العرب
في غضون ذلك، أكّد رئيس مجلس النّواب نبيه بري أنّ «لبنان إمّا أن يكون بلد العرب أو لا يكون»، مشيرًا إلى أنّه «لا يمكن أن يكون هناك جرح في أيّ بلد عربي إلّا ونشعر بهذا الجرح في لبنان»، معتبرًا أنّ «أكبر جرح في الجسد العربي هو الجرح الفلسطيني النّازف في الضفة والقدس وقطاع غزة».
وشدّد بري، خلال استقباله وفدًا من وزراء الشّباب والرّياضة العرب المشاركين في افتتاح فعاليّات «بيروت عاصمة للشباب العربي عام 2023»، على أنّ «لقاءكم اليوم في العاصمة بيروت، هو واحة الأمل في هذا الصّيف الحارّ في حياة اللّبنانيّين، الذين يتطلّعون على الدوام لدعم ومؤازرة أشقّائه العرب كلّ العرب على مختلف المستويات، وخاصّةً في هذه المرحلة الرّاهنة التي تستدعي منّا جميعًا تعزيز ثقافة الحوار والاستثمار على الإرادات الصّادقة بيننا كأشقّاء عرب وبيننا كأبناء وطن واحد، بما يُمكّننا من تجاوز التحدّيات التي تهدّد لبنان والمنطقة».