تنتظر كل الأوساط المعنية بالاستحقاق الرئاسي ومختلف الأفرقاء السياسيين كما اللبنانيين، ما سيحمل معه الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، في المهمّة الآتي بها إزاء الاستحقاق الرئاسي، في ضوء نتائج الاتصالات الفرنسية ـ السعودية التي توّجها لقاء الاليزيه الجمعة الماضي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، والذي لا تزال نتائجه حول الملف اللبناني مكتومة، وإنّ ما يُشاع في هذا الصدد لا يعدو كونه تكهنات او توقعات من صنع محلي، ولا يمتّ بصلة إلى الجانبين السعودي والفرنسي.
طوى الاستحقاق الرئاسي جنون جلسة الاربعاء، ودخل غرف المراقبة، يتطلع إلى الحراك الإقليمي وينتظر مفاعيل عميد الديبلوماسية الفرنسية جان ايف لو دريان، الذي يصل بيروت الاربعاء، حيث يتوجّه من المطار إلى عين التينة مباشرة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم يبدأ في اليوم التالي لقاءاته الرسمية والخاصة مع مختلف الكتل السياسية.
وقالت مصادر متابعة للاتصالات لـ«الجمهورية»، انّ هذا الحراك سيعطي مما لا شك فيه دفعاً للملف الرئاسي، لكن الحلول لم تنضج بعد، طالما انّها متروكة للداخل ولا قرار ايرانياًـ سعودياً بالتدخّل المباشر فيها.
وكشفت المصادر نفسها، انّ البحث الأساسي في الملف اللبناني لم يكن في قمة الاليزيه بين ماكرون وبن سلمان، انما في طهران بين وزير الخارجية الايراني امير حسين عبداللهيان والسعودي الامير فيصل بن فرحان، الذي عرّج ليلاً إلى باريس والتقى الثنائي الفرنسي المعني بالملف اللبناني برنار ايمييه وباتريك دوريل، والمرجح ان يكون هذا الاجتماع مرتبطاً بما سيحمله لودريان إلى بيروت.
واستبعدت المصادر ايّاها ان يدعو رئيس المجلس النيابي قريباً إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، وسيفسح المجال حالياً إلى المهمّة الفرنسية لمعرفة ما ستؤول اليه الامور بعد الوصول إلى حائط مسدود. واكّدت المصادر، انّ بري لن يأخذ مبادرة لعقد طاولة حوار مرة اخرى بعد رفضها مرتين، انما اكّد عليه وترك المبادرة لغيره، فربما تكون بكركي او ربما فرنسا، لكن النتائج ليست مضمونة لأنّ التباينات لا تزال قائمة بقوة وخصوصاً داخل اللجنة الخماسية التي كان يُفترض ان تجتمع في الحادي عشر من الجاري ولم تجتمع، وانّ الموفد الفرنسي لا يحمل معه إلى لبنان ورقة او مبادرة انما اصبح معروفاً انّه في مهمّة استطلاعية يحاول خلالها تحديد نقاط الخلاف، وما إذا كانت حول هوية الرئيس او المواصفات او البرنامج.
ولفتت المصادر في هذا السياق، إلى انّ عدم دخول الاميركي على خط التسوية هو عامل لا يُستهان به في استبعاد الوصول اليها حالياً.
«تقاطع» فرنسي- سعودي
وفي هذه الأثناء، أبلغت اوساط مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ الدينامية الداخلية في الملف الرئاسي أصبحت مجمّدة او معطّلة حالياً بعد إخفاق جلسة 14 حزيران في انتخاب رئيس الجمهورية.
واشارت هذه الاوساط إلى انّ الاهتمام كله بات محصوراً في انتظار وصول الموفد الرئاسي الفرنسي إلى بيروت وترقّب نتائج مهمّته، لافتة إلى انّه سيعكس ما يمكن أن يكون قد «تقاطع» عليه الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي حول الملف اللبناني خلال لقائهما الاخير في باريس.
واعتبرت الاوساط نفسها، انّ لقاءات لودريان مع القيادات اللبنانية ستعطي مؤشراً إلى وجهة الاستحقاق الرئاسي في المرحلة المقبلة، وما اذا كانت باريس ستظلّ متمسكة بدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من ضمن مبادرة متكاملة، ام انّها ستبدي استعداداً لفتح الباب على البحث في خيار أخر خارج معادلة سليمان فرنجية - جهاد أزعور.
ورجحت الأوساط ان يحضّ لودريان القيادات السياسية على تحمّل مسؤولياتها وانتخاب الرئيس، على قاعدة انّ هذا واجب داخلي بالدرجة الأولى بمساعدة خارجية.
ومع انّ الموفد الفرنسي سيلتقي شخصيات عدة، الّا انّ الاوساط نفسها اعتبرت انّ المداولات بينه وبين «الثنائي الشيعي» ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ستكتسب أهمية إضافية لجهة رسم معالم المرحلة المقبلة وبلورة الاحتمالات الرئاسية الممكنة.
البخاري يكرّم لودريان
وعُلم انّ السفير السعودي في لبنان وليد البخاري سيقيم مأدبة عشاء في فندق «فينيسيا» على شرف لودريان، وقد دُعي الى هذا العشاء عدد كبير من السفراء العرب والاجانب وبينهم السفير الايراني مجتبي اماني والقائم بأعمال السفارة السورية.
باسيل
وفي جديد المواقف السياسية، قال رئيس «التيار الوطني الحر» النّائب جبران باسيل العائد من قطر، في حديث متلفز، أنّ «الفراغ هو بسبب الدستور وتركيبة لبنان، وفي غياب الرّاعي الخارجي نحتاج إلى توافق داخلي، الحلّ في رأينا هو بانتخاب مباشر من الشّعب». واعتبر أنّ «الأزمة أبعد من رئاسة الجمهورية، وهي أزمة كيان ووطن ودولة، أما الحل فهو بتحييد هذا الكيان عن الخارج باستثناء إسرائيل وسوريا».
ولاحظ باسيل، أنّ «لا أحد من الأفرقاء الثلاثة، إن كان الممانعة أو المواجهة أو فريقنا، قادر على أن يأتي برئيس للجمهورية بمفرده، لذا يجب أن نلجأ إلى التوافق، ولا نستطيع أن ننتظر الظروف الخارجية لأنّ الانتظار مميت». وأوضح أنّ «أولويتنا اليوم في البلد في ظلّ التفاهمات التي تحصل في المنطقة هو قيامة الدولة وتحصين الاقتصاد، فالمقاومة حمت لبنان وهناك ترجمة فعلية للاستقرار في الجنوب، لكن اليوم أراهن على عقلانية «حزب الله» بأن يضع مصلحة لبنان قبل كل شيء».
وأشار إلى أنّ «التّشكيك بجلسة الانتخاب الأخيرة، يطاول خمسة أفرقاء سياسيّين اليوم، ولكن ما يعنينا في «التيار» هو نظامنا الديموقراطي، وهذه الديموقراطية اختارت الوزير السابق جهاد أزعور، وأي عدم التزام يعطيني مسؤولية اتخاذ القرار المناسب»، مركّزًا على أنّ «الإجماع المسيحي الحالي هو بداية، وأنا أردت الاتفاق على المقاربة الانتخابية ككل أو الاتفاق على البرنامج الانتخابي وهذا لم يحصل، لكن ما حصل هو بداية، وفي المستقبل سنعمل على أكثر من ذلك».
استنزاف الوقت
واعتبر المكتب السياسي لحركة «أمل»، انّ «جلسة مجلس النواب الأخيرة اكّدت، انّ خلاص لبنان وإعادة إنتظام المؤسسات وعلى رأسها إنهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية لن يحصل بالمكابرة واستنزاف الوقت والرهان على متغيّرات اقليمية، بل ينتج من حوار وتوافق وطنيين يؤمّن قاعدة لمعالجة التحدّيات الأساسية التي يواجهها لبنان».
وقال: «نؤكّد دعوتنا المستمرة إلى ضرورة الشروع في حوار بنّاء يأخذ في الاعتبار واقع لبنان ومصالحه وقراءة الوقائع الإقليمية والدولية، وفي هذا السياق تأتي الجلسة التشريعية اليوم (أمس) لإقرار حقوق موظّفي الدولة ومتقاعديها، مما يؤكّد على أهمية استمرار عمل المؤسسات في مواجهة نهج شللها وتعطيلها».
«إذا اردنا أن نردّ على هؤلاء فلا نعمل»
وكان مجلس النواب اقرّ في جلسته التشريعية امس التي دامت نصف ساعة فقط، اقتراحي قانونين، الاول يرمي الى فتح اعتمادات في موازنة العام 2023 قبل تصديقها بقيمة 37,409,938,79800 ل.ل وتُخصّص لإعطاء تعويض موقت لجميع العاملين في القطاع العام وللمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، إضافة الى زيادة تعويض للنقل المؤمّن لجميع الموظفين في القطاع العام. والاقتراح الثاني يتعلق بفتح اعتماد بقيمة 265 مليار ليرة لتغطية نفقات إعطاء حوافز مالية بدل نقل لاساتذة الجامعة اللبنانية لتمكينها من استكمال العام الجامعي 2022 -2023.
وقد حضر الجلسة ما يزيد عن الـ 70 نائباً من: كتلة «التنمية والتحرير»، كتلة «الوفاء للمقاومة»، كتلة «اللقاء الديموقراطي»، «اللقاء التشاوري المستقل» والذي يضمّ ايضاً كتلة «الاعتدال الوطني»، تكتل «التوافق الوطني»، كتلة «لبنان القوي» و»التكتل الوطني.» وغابت عنها كتلة «الجمهورية القوية».
واكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال الجلسة انّ هناك من يرى في الدستور»ألاّ تجتمع الحكومة والمجلس النيابي، والّا يعمل المجلس ولا يشرّع. وعليه إذا اردنا ان نردّ على هؤلاء فلا نعمل».
من جهته، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، انّ «الاعتمادات لهذين الاقتراحين مؤمّنة، وهناك إيرادات مؤمّنة في الموازنة، فمجلس الوزراء يقوم بدوره ليسير عمل الدولة ولا يمرّر شيئاً غير ضروري». واضاف: «بالنسبة الى موازنة 2023، سأدعو مجلس الوزراء لمناقشتها في جلسات متتابعة، وسنرسلها الى المجلس النيابي لمناقشتها. هناك واردات ستغطي الزيادات والاعتمادات الواردة في اقتراحي القانون. واؤكّد اننا نقوم بدورنا لتسيير امور الدولة، وليس لدينا اي أمر شخصي. نعم جدول اعمال مجلس الوزراء يكون كاملاً من اجل تسيير عمل الدولة، ونتمنى ان يُقرّ الاعتماد لوزارة الصحة».
ومن جهته علّق رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، في بيان على الجلسة النيابية، فقال: «إنّ جلسة اليوم (أمس)هي من صُنع معرقلي إنتخاب رئيس جديد للبلاد». واعتبر انّ «الحلّ الفعلي لمشكلاتنا، يكمن في البدء بملء سدّة الرئاسة وليس بالإفتئات على الدستور والقوانين لتمرير قرارات بشكل غير مدروس، الأمر الذي يؤدّي إلى مزيد من تأزيم الوضع في لبنان».