تتواصَل تحضيرات الكتل النيابية والسياسية لجلسة الاربعاء المقبل الانتخابية الرئاسية، فيما كل الاجواء توحي حتى الآن انّ الجميع يعيش حالة انتظارية لتبلور المواقف الخارجية خصوصاً في ضوء الحراك الاميركي والفرنسي في اتجاه كل من المملكة العربية السعودية وقطر وايران، حيث انّ هذه الدول الثلاث تلتزم الصمت منذ مدة حيال التطورات اللبنانية، ربما في انتظار نتيجة الاتصالات الجارية بينها تمهيداً لتأمين الاخراج اللازم لمساعدة لبنان على إنجاح الاستحقاق الرئاسي.
كل الانشغالات والاهتمامات تؤدي الى الجلسة الانتخابية الرئاسية الاربعاء المقبل وسط حالة من الترقّب الشديد لمشهدية انعقادها مع تَصاعد كم كبير من التطورات التي تستبقها، على رغم من انّ الجميع يُسَلّم بعدم توصّلها الى اي نتيجة، بحسب ما قالت مصادر متابعة للاتصالات التحضيرية لها لـ»الجمهورية»، مؤكدة انّ «هذه الجلسة لن تعدو كونها جلسة مُحاكاة لتحديد الاحجام ومعرفة حقيقة الاصطفافات وميول الكتلة الوسطية او المترددة بحسابات الداخل».
واستبعدت المصادر ان يعطي الخارج كلمته لحلفائه في الداخل تجنّباً لحرق الاوراق في اختبار غير ذي نتيجة جدية، وحفاظاً على سياسة الحيادية المتبعة من بعضها، لا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية. وقالت انّ هذه الجلسة مطلوبة خارجياً قبل الداخل ليُبنى على الشيء مقتضاه، والكتل النيابية بدورها ستستفيد من نتائجها بعد التحولات التي حصلت خلال المدة الفاصلة عن آخر جلسة في مطلع السنة.
وكشفت المصادر انه «على رغم الحرب النفسية التي يخوضها كل فريق ضد الآخر بالبوانتاجات التهويلية فإنّ الجميع يعلم انه لا يمكن الاتيان بفريق تَحَد». ودعت الى ترقّب المواقف الخارجية، وخصوصا الفرنسية، مع الزيارة الاولى للموفد الفرنسي جان ايف لودريان للبنان الاسبوع المقبل.
واكدت المصادر ان كل الاحتمالات مفتوحة وكذلك كل الاسلحة متاحة، أبرزها سلاح تطيير النصاب لعدم إيصال أيّ من المرشحين فرنجية وازعور، لكن الجلسة بالتأكيد ستكون محطة لقراءة نتائجها بعد انتهائها وستدشّن مرحلة جديدة من التعاطي السياسي والرئاسي، ستَشتد فيها لغة الاتهام بالعزل الطائفي قبل السياسي ولهجة تعميق الانقسام العمودي والاصطفاف…
إرادة ضاغطة
لكنّ مصادر سياسية مطلعة على الاتصالات رجّحت ان تشهد الايام الفاصلة عن موعد الجلسة مزيداً من التطورات، وربما المفاجآت، خصوصاً في حال تبلورت إرادة خارجية ضاغطة لجعل هذه الجلسة ناجزة. لكنّ الى الآن فإنّ كل المؤشرات تدل إلى أن المواقف الداخلية ما تزال متباعدة وتنحو إلى مزيد من التشدد والتصعيد، خصوصا ان بعض الكتل النيابية والسياسية مُربكة نتيجة الغموض الذي يلف موقف بعض العواصم العربية والغربية، ما قد يجعل الجلسة جلسة مُحاكاة للمعركة الانتخابية من دون خوضها، بل ربما تكون جلسة استكشاف القوى الانتخابية.
ومن هنا، تقول المصادر انّ الجميع ينتظر الحركة الفرنسية في اتجاه الرياض والدوحة وطهران، والتي سبقها الحراك الاميركي في اتجاه السعودية، ما أوحى ان هذه العواصم ربما تكون قد قررت استعجال الخطى في اتجاه تمكين لبنان من انجاز الاستحقاق الرئاسي والانطلاق إلى بناء السلطة الجديدة، لِتَحسّسها انّ استمرار الفراغ الرئاسي لفترة اضافية قد يُفاقم الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي تعيده البلاد ويترك آثاره السلبية على كل قطاعات الدولة.
وقالت مصادر مواكبة للاتصالات الجارية لـ«الجمهورية» ان كل حراك التيار الوطني الحر والمعارضة المتقاطعين على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لا يعكس الجدية التي توحي ان هذا الترشيح جدي، بل تدلّ الى انه ترشيح لا يختلف عن ترشيح النائب ميشال معوض الذي اراد المعارضون منه إسقاط ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. كما انّ غايتهم من ترشيح ازعور هي إمرار مرحلة للعبور منها الى مرحلة جديدة من المناورة، في انتظار تَوافر الظروف التي تنكشف معها الخيارات النهائية، خصوصاً انّ المعارضين، ومعهم التيار، يدركون جيدا انه لا يمكنهم الاستيلاء على السلطة الجديدة بتركيبة تأخذ طابع اللون الواحد.
كل الاحتمالات
الى ذلك أكدت اوساط قريبة من الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» انه يدرس كل الاحتمالات الممكنة في جلسة 14 حزيران، تمهيداً لاعتماد الخيار المناسب، مُشددة على انه سيتخذ قراره بناء على مقتضيات المصلحة الوطنية ومقتضيات معركته الرئاسية الداعمة لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، من دون أن يُعير أي اهتمام للحملات الإعلامية وللبوانتاجات التهويلية.
وضمن سياق متصل، قالت مصادر مواكبة للملف الرئاسي لـ«الجمهورية» انّ كلّاً من المعسكرين المؤيدين لفرنجية وأزعور سيضع ثقله من الآن وحتى 14 حزيران المقبل في اتجاه السعي الى أفضل إدارة ممكنة لجلسة الانتخاب وللتفاصيل المحيطة بها، من أجل تفادي أي مفاجآت مُباغتة.
ولفتت المصادر إلى أن كل الاحتمالات تبدو واردة، مشيرة الى ان الاستعدادات لجلسة الانتخاب تتم على وقع حرب نفسية وتلميح الى أوراق ظاهرة واخرى مخفية قد يتم استعمالها تبعاً لحسابات هذا الطرف او ذاك. واستبعدت المصادر ان يولد رئيس الجمهورية في تلك الجلسة «الّا اذا حصل ما ليس في الحسبان».
موفدان للراعي
في غضون ذلك تتجه الانظار اليوم الى عين التينة على مسافة خمسة أيام من الجلسة الانتخابية الرئاسية، حيث سيلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري موفدَي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المطرانين بولس عبد الساتر ومارون العمار، في إطار مهمةٍ تُشكّل استكمالاً لبرنامج اللقاءات التي بدأها البطريرك مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله.
وقالت مصادر تواكب حراك البطريرك لـ«الجمهورية» ان بري عَدّلَ من موقفه بتحديد موعد للوفد بعدما أجريت الاتصالات اللازمة لتوضيح بعض المواقف التي لم تكن تستأهِل أي إشارة سلبية تؤدي الى القطيعة مع بكركي، في ظل المبادرة التي أطلقها الراعي في اتجاه «الثنائي الشيعي» للخروج من مأزق الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً بعد زيارته الاخيرة للفاتيكان وباريس.
ولفتت المصادر عبر «الجمهورية» الى انّ المطرانين عبد الساتر والعمار سيخرجان استثنائياً من الصرح البطريركي الذي كان قد أقفل أبوابه منذ الثلاثاء الفائت وحتى السابع عشر من الجاري، للمشاركة في خلوة روحية للمطارنة الموارنة «لأن المهمة وطنية وتستأهِل مثل هذا الاستثناء».
الحراك الفرنسي
واتجهت الانظار الى الرياض التي استقبلت وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا التي التقاها هناك نظيرها اللبناني عبدالله بوحبيب، على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة «داعش» المنعقد في العاصمة السعودية.
وقالت وزارة الخارجية اللبنانية، في بيان: «بعدما تفاهمَ بوحبيب وكولونا حول قضية السفير اللبناني في فرنسا رامي عدوان، تناولا ملف النزوح السوري في لبنان والانتخابات الرئاسية، حيث شددت الوزيرة كولونا على ان ليس لفرنسا مرشح رئاسي، بل ما يهمها هو ان يصبح للبنان رئيس للجمهورية خصوصاً في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة». واشارت الى «تعيين الرئيس ايمانويل ماكرون وزير خارجيته السابق جان ايف لودريان موفداً الى لبنان، حيث سينشط لتسريع مسار انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية».
بن فرحان وبوحبيب
واجتمع بوحبيب مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وبحثا في العلاقات الثنائية حيث أشاد الوزير السعودي بالجهود اللبنانية السريعة والفعّالة التي أدت الى تحرير المواطن السعودي، الذي اختطف في لبنان، وعودته الى أهله سالماً. وقد دعا بوحبيب الامير بن فرحان لزيارة لبنان، «مما يعطي زخماً لعودة الاخوة السعوديين لزيارة وطنهم الثاني لبنان».
وأوضحت الخارجيّة السعودية أنّه «جرى خلال اللّقاء استعراض العلاقات الثّنائيّة، وسبل تعزيزها وتطويرها في العديد من المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدّات على السّاحتَين الإقليميّة والدّوليّة».
وبحسب بين للخارجية اللبنانية، تناول الوزيران «اهمية الموقف العربي الاخير من الازمة السورية والحاجة لحلٍ عربي لها بما يعود بالفائدة على جميع الدول العربية في المنطقة، لا سيما لبنان، عبر إيجاد حل لملف النزوح السوري وتداعياته. وفي هذا الاطار، أشار الامير الى انه يقوم بالجهود اللازمة مع الاوروبيين بما يراعي الهواجس اللبنانية.
«الوفاء للمقاومة»
وفي المواقف اكدت كتلة «الوفاء للمقاومة»، في بيان لها بعد اجتماعها برئاسة النائب محمد رعد أمس، «حرصها في لبنان على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقتٍ ممكن، وهي تُشارك في الجهود المبذولة لتوفير فرص انتخاب الرئيس المناسب لبلدنا. وفي هذه المرحلة الدقيقة تجدّد موقفها الداعم للمرشح الرئاسي سليمان فرنجيّة باعتباره مرشحاً طبيعياً مُطَمْئِناً لشريحةٍ كبيرة من اللبنانيين، ومتصالحاً مع جميع فئاتهم ولديه كلّ الاستعداد للتحاور والتعاون معهم من أجل مصلحة البلاد ودعمه لا يشكّل تحدّياً لأحد، ومُنفتحاً على الحلول الاقتصادية التي تكبح جماح الأزمة الراهنة، ويمتلك الأهليّة لمقاربة المعالجات المطلوبة لكثيرٍ من المسائل الشائكة والضاغطة في البلاد، ومنها مسألة النازحين السوريين وتصويب العلاقة مع سوريا وترميم العلاقات مع عددٍ من دول المنطقة والعالم».
ورأت «أنّ مصلحة الجميع تكمن في إبقاء سبل الحوار مفتوحة ومن دون شروط مسبقة... وتأمل أن ينخرط الجميع إيجاباً في مهمة إعادة الحيويّة إلى المؤسسات الدستوريّة في البلاد والنهوض بالمعالجات المأمولة في كل المرافق والمجالات، وتعلن بوضوح أنّ أعضاءها سيشاركون في الجلسة النيابية المقررة لانتخاب الرئيس يوم الأربعاء القادم في 14 حزيران الجاري، وسيصوّتون لمصلحة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية مُتمنّين له الفوز وللبنان الاستقرار والنهوض».
«اللقاء الديموقراطي»
من جهتها، أعلنت كتلة «اللقاء الديمقراطي»، بعد اجتماعها أمس في حضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس «اللقاء» النائب تيمور جنبلاط، تأييدها ترشيح ازعور «حيث كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أول من طرح تسميته ضمن سلة من الأسماء التي عرضها مع مختلف القوى السياسية على قاعدة التوافق والخروج من منطق التحدي»، واشارت إلى «أن تأييد أزعور لا يعني في أي حال من الأحوال تموضعنا في أي اصطفاف، بل كنا أول المبادرين الى طرحه قبل تَبنّيه من أي طرف آخر». وأكدت «التزامها بالحوار وصولاً إلى التوافق المنشود»، مستغربة «اعتبار أزعور مرشح تحدّ»، وداعِية «كل القوى إلى التمسك بمنطق الحوار الحقيقي وصولاً إلى إتمام استحقاق الرئاسة بأسرع وقت».
الى ذلك اعلنت مديرة الإعلام في صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، بحسب ما نقلت عنها قناة «الجديد»، أن «مدير منطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور عَلّقَ عمله مؤقتاً في صندوق النقد الدولي»، لافتةً إلى أنه «في إجازة حالياً».
سويسرا وملف سلامة
من جهة ثانية حسمت النيابة العامة السويسرية المالية، أمس، الجدل القائم حول دخول سويسرا على خط ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قضائياً في مجموعة من الإتهامات المالية، وقد تبلّغت المراجع القضائية اللبنانية أن وفداً قضائياً يعتزم زيارة بيروت في إطار التحقيقات المتعلقة بحاكم مصرف لبنان. وقالت المصادر انّ «وفداً قضائياً سويسرياً سيزور لبنان قريباً للاجتماع بقاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا»، الذي يقود التحقيق المحلي وينسّق مع القضاة الأوروبيين، بهدف «الاطلاع على معلومات تخدم التحقيق السويسري». ورجّح المصدر أن «يلحق القضاء السويسري بركب الدول الأوروبية التي أجرت جلسات استماع في بيروت بالملفات المالية العائدة لسلامة ومقربين منه».
ولفتت مراجع قضائية، عبر الجمهورية»، الى انّ الخطوة السويسرية غير مستغربة ولن تكون جديدة. وان الاصح القول ان سويسرا قررت «استئناف التحقيقات» السابقة التي بدأت بها منذ ان وَجّه المدعي العام السويسري مجموعة من الإتهامات بحق سلامة منذ تشرين الاول العام 2020، قبل ان يتحرك القضاء الأوروبي في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وليختنشتاين واللوكسمبورغ، وسبقَ لهم أن اطّلعوا على كثير من الوثائق التي طلبها من القضاء المختص.