تفاجأ «المتقاطعون» على اسم جهاد ازعور بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري شخصياً أنّه سيصوّت بالاسم لسليمان فرنجية وليس بورقة بيضاء، كما انّ غالبيتهم تراهن على أنّ «الثنائي الشيعي» سيقترع بورقة بيضاء او سيعطّل النصاب منعاً لوصول ازعور، بعدما تبيّن انّ «بوانتاجه» بحسب «الإحصاءات المحلية»، متقدّم على الرقم الذي سيحصّله فرنجية، في حال انحصر التصويت خلال جلسة 14 حزيران، فيما لو انعقدت، على اسمي الرجلين. فما الذي دفع بري إلى إعلان هذا الموقف الصريح؟
تقول مصادر متابعة، إنّ بري ربما يراهن على تطورات سياسية قبل 14 حزيران، وليس بالضرورة ان تكون تلك التطورات أمنية كما يحلّل البعض. وهذه التطورات السياسية المحتملة هي السبب الرئيس الذي دفعه إلى القول جهاراً: «سنصوّت لاسم فرنجية وليس بورقة بيضاء». الامر الذي دفع بالأفرقاء كافة إلى التفكير ملياً في ماهية هذه التطورات ومدى انعكاسها على نتيجة التصويت في الجلسة الانتخابية في حال انعقادها، والتصويت وفق اللعبة البرلمانية الديموقراطية على اسمي فرنجية وازعور وليس بورقة بيضاء!؟ فماذا يمكن أن تحمل تلك التطورات، وما هي العوامل التي دفعت رئيس مجلس النواب عدم التقاطع مع أعضاء كتلته التي جاهرت عبر الإعلام خلال اليومين بأنّها متّجهة إلى تعطيل النصاب او التصويت بورقة بيضاء، في حال شعرت انّ وضع مرشحها في خطر؟ مذّكرةً بأنّ تعطيل النصاب او الاقتراع بورقة بيضاء هو حق دستوري مثلما كان مشروعاً لغيرها، وسبق أن لجأ إلى اعتماده حين استشعر بالخطر.
وفي السياق، ترى المصادر المطلعة، انّ الموقف الجديد لبري لم يُتخذ على سبيل «العراضة السياسية» او «الاعلامية»، بل اتُخذ عن قصد ودراية وبعد دراسة ومستجدات، خصوصاً انّه تزامن مع زيارة الرئيس السابق ميشال عون لسوريا، ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد. إذ لا يمكن استبعاد هذه الزيارة الأساسية من حسابات بري. فيما تفيد المصادر نفسها، أنّ الرئيس السوري أبلغ إلى عون ضرورة التشاور مع الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله. وهذا الكلام نفسه قاله الفرنسيون للبطريرك الراعي أثناء لقائه الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي يدرك انّ التحوّل الاقليمي ما زال يصبّ لمصلحة فرنجية، ولذلك ما زال الفرنسيون متمسكين بترشيحه، وهذا ما دفع بالراعي بعد عودته إلى لبنان إلى إيفاد المطران بولس عبد الساتر لمقابلة نصرالله شخصياً، وفي هذه الخطوة تأكيد لهذه الواقعة.
وفي السياق نفسه، تضيف المصادر، أنّ البيان الثاني الذي أصدره المكتب الإعلامي لعون أمس، يتقاطع في مضمونه مع هذا الواقع بالقول: «أما قمّة التضليل فهي التشويش على العلاقة بين الرئيس عون والسيد نصرالله والإساءة للاثنين معاً عبر إشاعة فشل محاولة ترتيب موعد بينهما، الأمر الذي لا صحة له على الإطلاق».
وتلفت تلك المصادر إلى أهمية هذه الفقرة من البيان التي تُظهر رغبة عون الواضحة بلقاء السيد نصرالله، وذلك بعد لقائه الاخير مع الاسد.
تطورات مستجدة
المصادر المطلعة تقرأ هذه التطورات بإيجابية تجاه حظوظ فرنجية، وتعود إلى قراءة تصريح بري العالِم بخفايا الامور، فتؤكّد أنّه قد استشعر التطورات وبنى على أساسها تصريحه المباشر الذي اعلن من خلاله نيته التصويت لفرنجية علناً وليس بورقة بيضاء، لأنّه مطمئن.
هذا بالإضافة إلى عوامل اخرى قد يكون «ابو مصطفى» قرأها ولا تقلّ أهمية عن لقاء عون ـ الاسد وهي، بحسب المصادر المطلعة نفسها، توصّل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى اقتناع بأنّ حظوظ ازعور معدومة في ظلّ «فيتو» «الثنائي الشيعي»، وإدراكه أنّ «كسبه جولة» في السياسة لن تعوّض له خسارة معركة مع الحزب، لأنّ خسارة «الحرب» امام «حزب الله» ستكون غالية الثمن، ولذلك سيختار باسيل تجنّبها بل ربما تجنّب 7 أيار جديد...
اما بالنسبة إلى البحث عن المخرج، فتقول المصادر انّه ليس مستبعداً الاستعانة بباسيل شخصياً، الذي لم يعلن موقفاً حاسماً حتى اللحظة تجاه تسمية ازعور، بل انّ بيانه كان قاسياً وأوحى بضرورة وأهمية موافقة «حزب الله» على تسمية ازعور، وربما قصد في ذلك إبقاء نافذة او مخرج لتراجعه قبل جلسة الرابع عشر من حزيران، وكذلك لعلمه أنّه لا يمكنه الخروج كلياً من التحالف مع الحزب، خصوصاً انّ الأجواء الاقليمية والدولية لا تساعده في قرار الطلاق أقلّه في المرحلة الحالية...
ومن هنا، تفيد المعلومات أنّ بري قد يكون مطلعاً على مواقف مستجدة لبعض الأفرقاء الذين أعلنوا مسبقاً موافقتهم على اسم ازعور، وقد يكون أول من سيعيد النظر في موقفه من بين هؤلاء هو كالعادة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ، ولن يكون باسيل آخر المتراجعين. بل ربما عَلم بري أنّ آخرين سيتراجعون، في وقت لا تستبعد المصادر المطلعة نفسها ان تشهد جلسة 14 حزيران، أو التي يمكن ان تليها، مناخاً سياسياً جديداً. كما لا تستبعد حصول اي تطورات محلية سياسية أمنية او حتى إقليمية، قد تعيد خلط الاوراق قبل 14 حزيران او قد تعوق عقد الجلسة الانتخابية، فيؤجّلها بري حتى إشعار آخر. اما «المبصّرون» في السياسة، بحسب المصادر نفسها، فهم يعلمون انّ قوة «الثنائي الشيعي» تكمن في عاملين أساسيين:
- انّ مفتاح المجلس في جيب بري، أي لا أحد يمكنه الدعوة إلى انتخاب رئيس جمهورية.
- الميزان الميثاقي الشيعي.
في وقت الجميع يعلم، انّ بري أعلَم! فالرجل لا يملك فقط مفتاح المجلس بل مفاتيح المفاجآت.