رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
لا شك في أنّ القطاع المصرفي اللبناني يحتاج إلى إعادة هيكلة، وإعادة رسملة من جديد، وإعادة بناء الثقة المفقودة. لكن فوجئنا أخيراً، أنّ القطاع المصرفي والنقدي والمالي الدولي يخضع أيضاً لضغوط كثيفة، ويخضع لإعادة بناء استراتيجياته، ورؤيته على المدى القصير، المتوسط والبعيد. فهل العالم أمام بناء قطاع مالي ومصرفي جديد يتزامن مع إعادة بناء وتمويل اقتصادات العالم؟
إنّ الولايات المتحدة المعروفة بأكبر وأمتن اقتصاد في العالم، تواجه اليوم ضغوطاً عدة من جبهات متعددة، التي تؤثر مباشرة على قطاعها المصرفي الذي حكم العالم لعقود طويلة. وقد بدأت هذه الهزة المصرفية بانهيار مصرف «كريدي سويس» خلال بضع ساعات. ومن دون التدخّل المباشر، من دول عدة وتمويل هائل، لم يكن باستطاعة مصرف UBS أن يتملّكه ويُعوّمه، حيث كانت انهارت من بعده كالدومينو مؤسسات مالية ونقدية عدة. فهل هناك رسالة مبطّنة لإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي الأميركي والدولي أيضاً؟
علينا أن ننظر بدقّة في حجم القطاع المصرفي الأميركي وعدد المصارف في خلال آخر مئة عام، لنفهم أكثر هذا التحول العميق الحاصل وراء الستارة: في العام 1920 كان ثمة 31 ألف مصرف في الولايات المتحدة. وفي العام 1930 انخفض هذا العدد إلى 26 ألفاً، وفي العام 1940 وصل هذا العدد إلى 13 الفاً، وفي 1990 وصل هذا العدد إلى نحو 12 ألفاً، أما في العام 2000، أصبح هذا العدد يقارب الـ 8 آلاف مصرف، وفي العام 2010 تابع هذا الانخفاض ووصل العدد إلى 6500. وأخيراً، في العام 2022 أصبح عدد المصارف في الولايات المتحدة لا يتجاوز 4200 مصرف.
هذا يعني أنّ عدد المصارف في الولايات المتحدة انخفض تدريجاً في آخر 100 عام أكثر من 87%، وقد بدأت إعادة هيكلته تدريجاً منذ ذلك الحين. وهذا يعني أنّ القطاع المالي يتجّه تدريجاً نحو الانخفاض، وربما أكثر وأكثر يتجّه إلى الاندماج والانخراط. أصبح واضحاً أنّ العالم سيواجه إفلاسات عدة، أو إقفال أبواب في هذا القطاع الحيوي لكل اقتصادات العالم. فأصبح واضحاً ومتوقعاً أنّ كل المصارف الدولية ستغير نهجها ورؤيتها وأولوياتها وتمويلها وخططها وإستراتيجياتها، لبناء منصة دولية جديدة.
تزامناً مع إعادة الهيكلة المصيرية هذه، تواكب هذه التغيّرات الدولية، إعادة نظر في كل العملات التي تتبارى، وقد تصل إلى تدمير ذاتي لصالح العملات الإلكترونية والمشفّرة المعروفة بالـ cryptocurrency التي ستغيّر بدورها وجه التبادل التجاري، وأيضاً قاع الإقتصادات الدولية.
إننا نرى في الأفق إطلالة قطاع مصرفي دولي جديد، ومؤسسات مالية ونقدية ضخمة، و«أحواضاً» ستأكل كل أنواع السمك الصغيرة والمتوسطة، لتقود وتسيطر على العالم الاقتصادي والمالي الجديد.
في المحصّلة، يمكن أن نكون متجّهين نحو «مونوبول مالي ومصرفي» سيتحكّم باقتصادات العالم، وحتى بالمصارف المركزية المهتزة. فالصراع الراهن كبير، والسباق جار والمنافسة شرسة والمستقبل المالي والنقدي مجهول.