لا شك في انّ مهمة وفد صندوق النقد في لبنان، والذي قدِمَ لإجراء مسح مالي واقتصادي للوضع تحت البند الرابع، لن تكون سهلة. صحيح انّ اعضاء الوفد مدرّبون على تحليل كل المعلومات التي يحصلون عليها من كل القطاعات الرسمية والخاصة في البلد المُستهدف بالمشاورات، للخروج بتقرير دقيق قدر الامكان، إلا أنّ الحالة الاستثنائية القائمة في لبنان تسمح بالاعتقاد انّ عمل هؤلاء سيكون شاقاً. وستكون الارقام التي ستُقدّم إليهم غير متناسقة، ويصعب تبويبها ومقارنتها للوصول الى أرقام مُقنعة.
ورغم انه ليس معروفاً بعد، ما هي الشروحات التي سيقدمها الوفد يوم الخميس في 23 آذار الجاري قبَيل مغادرته بيروت الى واشنطن لرفع تقريره النهائي الى مجلس المديرين التنفيذيين لدراسته ومناقشته، ومن ثم إصدار التقرير النهائي في شأنه، إلا أنّ المعلومات تشير الى أن الوفد وَسّع دائرة اتصالاته، واستمع الى مواقف وقراءات من مجموعة واسعة من الفرقاء في لبنان.
تكمن أهمية الارقام والوقائع التي سيتبناها مجلس المديرين التنفيذيين في صندوق النقد لاحقاً، انها ستتحول الى أرقام رسمية في سجلات الصندوق، بما يعني انها ستُعتمد من قبل كل الحكومات والمؤسسات والجمعيات والقطاعات الخاصة حول العالم، الراغبة في معرفة الوضعية الحالية للاقتصاد اللبناني. لكن الاشكالية هنا، انّ هذه الارقام التي ستتحول الى قاعدة بيانات تعكس الوضع المالي والاقتصادي، ستعكس بوضوح أيضاً عمق الأزمة، على المستويات التالية:
اولاً - نمو الاقتصاد السابق واللاحق. وهنا سيتمّ اعتماد الرقم الذي سيقتنع به اعضاء الوفد، على اعتبار انهم سيتلقون ارقاماً غير متطابقة، بين وزارة المال ومصرف لبنان ومؤسسات متخصصة غير رسمية.
ثانياً - على صعيد التضخم، سيكون من الاسهل إصدار ارقام تقديرية، ولو انّ ارقام ادارة الاحصاء المركزي قد لا تكون المصدر الوحيد الذي سيستقي منع الوفد هذه الأرقام.
ثالثاً - انهيار سعر صرف العملة الوطنية سيكون مناسبة لتسليط الضوء على خطورة مستويات الانهيار، وعلى اعادة المطالبة بتوحيد اسعار الصرف.
رابعاً - بالنسبة الى المالية العامة، ستُظهر ارقام التقرير النهائي استمرار العجز المزمن في ظل العودة الى الانفاق من دون موازنة. هذا العجز يشكّل نقطة الضعف الاساسية التي تحتاج الى معالجة فورية.
خامساً - في ما خصّ تقديرات النمو والاتجاهات التي سيسلكها الاقتصاد في السنوات المقبلة، قد تكون التقديرات متفائلة اكثر من الواقع، لأنها لا تأخذ في الاعتبار عامل العجز الدائم على مستوى السلطة السياسية. وهي تبني حساباتها بطريقة علمية واقتصادية، بانتظار إثبات العكس لاحقاً.
كل هذه النقاط التي سيتمّ توضيحها في التقرير النهائي الذي ستصدره لاحقاً مديرة صندوق النقد كريستينا جورجييفا، ستخضع لنقاشات مسبقة من قبل اعضاء المجلس التنفيذي الذين يمثلون الدول الاعضاء في الصندوق.
في موازاة هذا التقرير، لا بد من الاشارة الى انّ الوفد، ورغم ان مهمته لا تتعلق مباشرة بمناقشة الاتفاق الاولي الذي عقده الصندوق مع الحكومة اللبنانية، إلا أنّ معظم مَن التقاهُم اجتهدوا لإبداء الرأي في الاتفاق، وفي خطة التعافي المطروحة للبحث. ولا شك في أن وفد الصندوق سمع من معظم مَن التقاهم في لبنان، شبه إجماع على ضرورة تعديل الخطة، لكي تأخذ في الاعتبار النقاط التالية:
اولاً - ضرورة ان يتم حذف اي بند في الخطة يشير أو قد يوحي بشطب الودائع، لأن هذا الامر مرفوض من قبل معظم اللبنانيين، ولأنه لا يخدم الاقتصاد في المرحلة المقبلة.
ثانياً - دمج القطاع الخاص في ادارة المؤسسات العامة وأصول الدولة، لتحسين اداء هذا القطاع، وتحويله الى قطاع منتج ومربح وترتفع قيمته المالية انطلاقاً من هذه الوضعية.
ثالثاً - الضغط بكل الوسائل المتاحة لإلزام السلطة السياسية على تنفيذ اصلاحات بنيوية حيوية للتعافي السريع في المستقبل.
هذه النقاط التي تجمعت لدى الوفد، قد لا يتم تقديمها ضمن التقرير الذي سيتم عرضه على المجلس التنفيذي للصندوق، لكنه قد يُصار الى نقل هذه الاجواء الى مديرة الصندوق، والى الفريق المكلّف ادارة الملف اللبناني في الصندوق، لتقييم ما سمعه الوفد في بيروت.
الخميس المقبل، سيلخّص وفد صندوق النقد ما أنجزه خلال تواجده في بيروت لمدة شهر تقريباً، ويغادر بعدها لتقديم تقريره الى ادارة الصندوق. وقد تشكّل الأرقام التي جمعها منطلقاً لإعادة تقييم ذاتية في الصندوق، لمعرفة مدى صلاحية استمرار الرهان على خطة التعافي القائمة، والى أي مدى باتت هذه الخطة تحتاج الى إعادة نظر.