توقعت اوساط ديبلوماسية عربية عبر «الجمهورية»، ان يكون لبنان هو "الترجمة العملية الأولى للاتفاق السعودي ـ الإيراني، في اعتبار انّ الأزمة التي تعصف بربوعه هي الأسهل على المقاربة والمعالجة لجهة انتخاب رئيس جمهورية وتكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة". واكّدت «انّ لبنان سيكون هو الترجمة العملية لاختبار النيات المتبادلة بين الفريقين، وهو المساحة الاسهل، لأنّ الإشكالية المطروحة اليوم هي حلّ الأزمة الرئاسية، خصوصاً انّ لبنان شهد تسويات في مراحل سابقة، بدءاً من الدوحة وصولاً إلى تسوية العام 2016، ولم يكن هناك من توافق بهذا الحجم كما حاصل اليوم، وهو التوافق السعودي ـ الإيراني برعاية صينية، وبالتالي فإنّ الاندفاعة الإيرانية ـ السعودية ستؤدي إلى ولادة تسوية رئاسية ـ سياسية ترضي جميع الاطراف وبما يُطلق عجلة الدولة اللبنانية.
أجندة الستين
غير انّ مصادر سياسية واكبت الاتفاق في الكواليس خلال الايام التي تلت الاعلان عنه قالت لـ"الجمهورية": «صحيح انّ لبنان من أبرز ساحات الاشتباك التي ستشملها الهدنة، لكن تقاطع المعطيات التي تصلنا يؤكّد أن لا عصا سحرية، وانّ التعقيدات في المربّع نفسه، لأنّ أجندة الستين يوماً التي وضعت لتنفيذ الاتفاق وبلورة الصورة ستكون لليمن أولاً، ولم تلحظ حلاً للبنان الذي تُرك له ترميم نفسه بنفسه. فمسار التفاوض طويل وشائك، وفيه «طلعات ونزلات» والأولوية هي للملفات الكبرى، اما الاوراق الثانية ولبنان من بينها، فسيتمّ ترتيبها في ما بعد، وستكون مرتبطة بنتائج الاتفاق ونجاح المفاوضات».
وفي أي حال، فإنّ التفاعل مع الاتفاق السعودي ـ الإيراني متواصل داخلياً وفي كل الاتجاهات، بانتظار لما سيكون له من انعكاسات عملية على الاستحقاق الرئاسي وبقية الاستحقاقات كما على الأزمة عموماً. وعلمت «الجمهورية»، انّ اتصالات ومشاروات ناشطة بعيداً من الاضواء، استعداداً لملاقاة تلك الانعكاسات. في وقت قال مرجع كبير لـ»الجمهورية»، انّ انتخاب رئيس الجمهورية بدأ يقترب، وانّه سيتمّ في مهلة اقصاها بعد انتهاء الصومين المسيحي والاسلامي.
وفود برلمانية اوروبية
على انّ اتفاق الرياض وطهران اطلق حراكاً عربياً ودولياً في اتجاه لبنان، فوصل إلى بيروت أمس الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط والتقى عدداً من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ونُقل عنه توقّعه انتخاب رئيس جمهورية قريباً.
في هذه الأثناء نقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصدر رسمي لبناني، أنّ «مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف، تتوجّه إلى لبنان في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، في إطار جولة لها في المنطقة». وذكر المصدر أنّ «ليف من المقرر أن تلتقي برئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب، فضلاً عن عدد من القيادات السياسية اللبنانية، في إطار متابعة نتائج اجتماع باريس الخماسي الذي عُقد في شهر شباط الماضي في العاصمة الفرنسية، والذي شاركت فيه كل من الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية وقطر؛ وناقش الملف اللبناني بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والمالية والإنسانية».
إلى ذلك تواصل بعض الوفود الاوروبية الموجودة في بيروت جولاتها بالتزامن مع وفد اميركي من «تاسك فورس ليبانون»، بحيث سيلتقي وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب وفدين برلمانيين اسباني وايطالي، وقبلهما سيكون هناك لقاء مع رئيس بعثة هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة اللواء باتريك غوشا، الذي جال امس على القيادات الأمنية ومنها المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد الياس البيسري وبحث معه في «أوضاع الحدود وسُبل التنسيق بين الأمن العام ومؤسّسات الأمم المتحدة».
باسيل يهاجم «الثنائي»
تلاحقت أمس المواقف الداخلية من مجمل التطورات، على اكثر من مستوى. وفي موقف لافت، هاجم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «الثنائي الشيعي»، قاصداً قطبيه في تغريدة واحدة، متهماً حركة «امل» بالسيطرة على المالية و»حزب الله» بالانتقاص من سيادة الدولة. وقال باسيل مستفيداً من ذكرى 14 آذار ليقول فيها، إنّها كانت «بداية استعادة الحرية والسيادة والاستقلال». واضاف: «في العام 2005 استعدناهم بعد نضال صعب»، ولكن تبين لاحقاً انّ «الحفاظ عليهم أصعب! لأنّ الحرية منقوصة لما بتقبل حداً يفرض عليك شي، والإستقلال مش ناجز لما ماليتك مرهونة، والسيادة مش كاملة لما القرار الحر مفقود». ووعد باسيل بمزيد من الكلام في المؤتمر العام للتيار الذي سيُعقد في ٢٦،٢٥،٢٤ من الجاري لـ «نحكي أكثر».
وتوقف تكتل «لبنان القوي» خلال اجتماعه الدوري برئاسة باسيل أمس، عند الإتفاق السعودي - الإيراني برعاية الصين، واعتبره «حدثاً مهمّاً قد تكون له تأثيرات إيجابية على لبنان. وهو يدعو اللبنانيين إلى آداءٍ يجعل أي إتفاق في المنطقة لمصلحة لبنان لا أن يكون من ضحاياه». وأكّد موقفه «اعتبار رئاسة الجمهورية إستحقاقاً سيادياً، لا يجوز مطلقاً ربطه بأي تطور خارجي». وكرّر الدعوة إلى «حوار بين القوى السياسية حول هذا الاستحقاق على قاعدة الاتفاق على برنامجٍ انقاذي ينتهجه الرئيس المنتخب وتنفذّه الحكومة بالتعاون مع مجلس النواب، على ان يتمّ إنتخاب الرئيس الأنسب لهذا البرنامج الإصلاحي والإنقاذي. وفي هذا الاطار يتحمّل المسيحيون المسؤولية الأولى في الاتفاق بين الراغبين من بينهم على ذلك، لاختيار الشخص الأنسب».
صدمة قاتلة
وإلى ذلك، وصف نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في كلمة خلال احتفال «تجمّع العلماء المسلمين» بالذكرى الـ 42 لتأسيسه «في الاتفاق السعودي ـ الإيراني» بأنّه «بارقة أمل لتعاون دول المنطقة وأمنها وتطوير اقتصادها وتعزيز استقلالها وخياراتها الحرة».
وقال: «نحن كحزب الله والرئيس بري أعلنا الموافقة والدعم لترشيح سليمان فرنجية، وإذ بنا نرى أنّ بعض الذين كانوا ينادون بضرورة تحديد المرشح قد أُصيبوا بصدمة قاتلة، لماذا أنتم تستفزون بطرح الرئيس وبطرح المرشح؟ قولوا لنا ماذا تريدون؟ تريدون مرشحاً أو لا تريدون؟ نحن طرحنا من نؤمن أنّه صالح للقيادة، تفضلوا أنتم واطرحوا ما لديكم، ثم بعد ذلك إن أردتم أن نناقش معاً في أسماء المرشحين علناً لتقريب وجهات النظر فنحن حاضرون، وإن لم تقبلوا ذلك فيكون الأوان قد آن لجلسة مجلس نيابي ويختار المجلس النيابي من يريد». وأضاف: «أما هذه النقاشات وشكوى البعض أننا طرحنا سليمان فرنجية من أجل أن نحرقه فهذا مستحيل، لأننا لسنا من الجماعة الذين يلعبون على العواطف والمشاعر أو يستغلون بعض الأشخاص من أجل أن يكونوا معبراً لأشخاص آخرين. كلمتنا كلمة وموقفنا موقف وتأييدنا للوزير فرنجية لأنّه جدير بالرئاسة ونقطة على السطر».
جنبلاط في الكويت
وفي زيارة لافتة غير مسبوقة، وصل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى الكويت في زيارة رسمية يلتقي خلالها أمير الدولة ومجموعة من المسؤولين الكبار. وعلمت «الجمهورية» انّ جنبلاط قد يتوجّه من الكويت إلى دولة قطر في زيارة خاصة.
ووصف جنبلاط في حديث اذاعي «الاتفاق السعودي ـ الإيراني» بـ»الحدث الكبير»، آملاً في «أن يُترجم هذا التقارب بتسوية في لبنان تفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، قبل حزيران»، وقال: «لا يمكن لفريق أن يملي مرشح تحدٍ على الآخر»، مفضّلاً «الرئيس التوافقي الذي يملك بعداً اقتصادياً». ولفت الى أنّ «التوافق الإقليمي السعودي- الإيراني حدث كبير يفوق طرحي وطرح الرئيس برّي والسيد حسن»، معتبراً أنّ «للإتفاق أبعاداً هائلة على الإقليم». وقال: «لا أملك أي جواب عن موعد انتخاب رئيس للجمهورية، فليكن الاتفاق حافزاً للكف عن التحليلات الكبرى ومحاولة تقريب وجهات النظر».
السفير المصري في بنشعي
وفي هذه الأجواء، سُجّل تطور ديبلوماسي تمثل بزيارة السفير المصري الى بنشعي، حيث التقى رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، وتخلّل اللقاء «بحثٌ معمّق في المستجدات السياسية في لبنان والمنطقة».
وقال النائب طوني فرنجية في حديث متلفز امس: «في ظلّ المعارك السياسية الكثيرة التي عرفها لبنان استطاع رئيس (تيار المردة) سليمان فرنجية ان يحافظ على علاقته مع مختلف الأفرقاء، وحتى في أوج الانقسامات، مدّ فرنجية يده الى الجميع وسامحهم لأنّه يهدف دائماً إلى لمّ الشمل». واضاف: «من يعاير اليوم فرنجية بأنّه وفي حال تمّ انتخابه سيكون امتداداً لعهد الرئيس ميشال عون هو نفسه من انتخب عون وأوصله إلى سدّة الرئاسة الاولى». واشار إلى انّه «بغض النظر إن كان تيار «المردة» طرفاً او لم يكن، فالمهم هو انّ فرنجية لديه كل القدرة اليوم على التواصل مع مختلف الاطياف السياسية، تماماً كما كان يفعل في ظلّ الانقسامات الكثيرة التي شهدتها البلاد. كما انّ ما يميز فرنجية هو قدرته على التواصل مع الفرنسي والاميركي و»حزب الله» وسوريا في الوقت نفسه».
وعن علاقة رئيس «المردة» مع الدول العربية اكّد النائب فرنجية «انّها مبنية على الاحترام، والمحبة، ولم تعرف في اي يوم من الايام اي شكل من اشكال العداوة او الخصومة. وبالنسبة إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية يمكن القول انّ التواصل ليس يومياً، لكن تعزيزه سيؤدي إلى تذليل كثير من الهواجس، وهذا ما لمسناه من خلال تلبية رئيس «المردة» الدعوة الى احتفالية «الطائف 33» (في قصر الاونيسكو)».
ولفت المراقبين كلام متلفز لعضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قبلان قبلان اكّد فيه أن «لا مشكلة في تأمين الـ 65 صوتاً لانتخاب رئيس للجمهورية، ونعتقد انّه آن الأوان كي يُنتخب رئيس للجمهورية كي نخرج من النفق الكبير». واشار قبلان إلى انّ «الموقف السعودي من مسألة الرئاسة يتلخّص بأن لا مرشح تقف خلفه السعودية، بل تقف وراء اللبنانيين ولا فيتو على اسم اي مرشح».
بو نجم ينفي
وفي محاولة لجبه الروايات التي تحدثت وجود لائحة مرشحين لرئاسة الجمهورية تضمّ 12 شخصية لدى بكركي، أصدر موفد البطريرك الماروني الى القيادات المسيحية الحزبية والسياسية راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة المطران أنطوان بو نجم البيان الآتي: «إنّ المعلومات عن الأسماء التي يجري تداولها مؤخّراً في الإعلام، على أنّها الأسماء المقترحة من قِبل غبطة البطريرك الراعي، هي معلومات غير دقيقة، لأنّ غبطته لا يدخل في لعبة الأسماء، ولا يمكن اعتبار هذه اللائحة رسميّة من قِبل بكركي، إذ إنّ هناك أسماء خارج الأسماء المتداولة. فاقتضى التوضيح».
عقوبات فرنسية
من جهة ثانية، وفي خطوة لافتة في توقيتها وشكلها ومضمونها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنّها تبحث مع الحلفاء في فرض عقوبات على من يعرقلون الجهود الرامية للخروج من المأزق الدستوري في لبنان.
وقال ديبلوماسيان على علم بالمحادثات، إنّ باريس أثارت مسألة فرض عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي، تستهدف زعماء لبنانيين. لكنهما نبّها إلى أنّ الفكرة لم تكن على قمة أولويات جدول الأعمال فيما يبدو.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير ليجيندر للصحفيين في إفادة يومية «ندعو السلطات اللبنانية والقادة اللبنانيين وجميع القادة السياسيين للخروج من هذا المأزق الدستوري... لقد أكّدنا أنّ أولئك الذين يعرقلون... قد يتعرضون لعواقب».
وحين سُئلت ليجيندر عن مدى استعداد باريس لاستخدام هذه الآلية الآن أو وجود شيء ملموس بالفعل، قالت «إنّ هناك مشاورات مع الشركاء». وأضافت: «نعكف حالياً على فحص الوضع لنرى ما يمكننا عمله بشأن هذه العواقب».