إذا كانت صورة الداخل، تبدو مقفلة بالكامل على المستوى الرئاسي، وهذا ما تؤكّد عليه المواقف المفترقة التي تصدر من هذا الجانب او ذاك، وتنعى إمكانية التوافق والتلاقي على قاسم مشترك من شأنه أن يُفرج عن رئاسة الجمهورية العالقة في أسر التعقيدات والمناكفات، الّا أنّ هذه الصورة، وعلى ما تؤكّد مصادر سياسية واسعة الإطلاع لـ"الجمهورية"، قد لا تبقى ثابتة في مربّع السلبيّة، حيث انّ مجموعة عوامل تتحرّك على أكثر من خط داخلي وخارجي يمكن ان تحرّكها في الاتجاه الايجابي.
وتوقفت المصادر عينها عند ما وصفته بالحدث الكبير، الذي تجلّى في اعلان السعودية وايران اتفاقهما برعاية صينية، على استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، بعد فترة طويلة من الانقطاع والصدام على اكثر من ساحة، وإعادة فتح السفارات والممثليات في غضون شهرين. واكّدت أنّ هذا الاتفاق السعودي- الايراني لا يمكن قراءته كحدث محصور في نطاق انفراج العلاقات بين البلدين، بل هو، تبعاً لموقع ودور البلدين في المنطقة، أشبه بدائرة مائية ستتوسع انفراجاتها حتماً، لتشمل أكثر من ساحة مشتركة بينهما، ولبنان بالتأكيد مشمول حتماً ضمن هذه الدائرة.
ولفتت المصادر، إلى انّ الاتفاق السعودي- الايراني شكّل انقلاباً في الصورة التي انضبط إيقاعها لسنوات طويلة على توترات ومواجهات في اكثر من ساحة. واما الأهم فيه، وما يمكن ان يشكّل نقطة أمل للبنان، هو تأكيد الجانبين على نقطة أساسية حرفيتها التأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، وهذا لا يعني فقط عدم تدخّل السعودية وايران في شؤونهما الداخلية، بل سائر الدول التي كانت فيها مجالات التدخّل واسعة في السنوات الأخيرة، ولا سيما في اليمن وغيرها من الدول، ولبنان من ضمنها.
وأعربت المصادر عن قناعتها بأنّ تأكيد ايران والسعودية على احترام سيادة الدول، يبدأ من اليمن على وجه الخصوص، إضافة إلى الملف السوري، الذي يشهد بدوره تطوراً نوعياً وبدأ ينحى نحو انفراجات، وخصوصاً على مستوى اعادة العلاقات العربية مع سوريا بعد انقطاع استمر منذ بداية الأزمة السورية، وكذلك لن يكون الملف اللبناني بمنأى عن هذا الأمر.
ورداً على سؤال قالت المصادر: «انّ الاتفاق السعودي- الايراني يشكّل عاملاً مساعداً جداً على ترسيخ الاستقرار في لبنان، وتأكيد الجانبين على احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، يدفع إلى الافتراض الأقرب إلى الواقع بأنّهما لن يتدخّلا في الشأن اللبناني، وخصوصاً في الملف الرئاسي، وهذا بالتأكيد ينفي ما يجري الترويج له منذ ايام ويهمس به بعض اللبنانيين، حول مقاربة سعودية سلبية للملف الرئاسي في لبنان، مقرونة بفيتوات على بعض المرشحين، على ما تردّد في الساعات الاخيرة عن «فيتو» سعودي على ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية».
يُشار في سياق الحديث عن هذا الفيتو، إلى أنّ «الجمهورية» سألت مسؤولاً كبيراً عن صحة هذا الأمر، فقال: «هل سمعت هذا الامر على لسان أي مسؤول سعودي؟ انا من جهتي لم أسمع بذلك، ولا أركن بالتالي لأي ترويجات، او همسات تعكس ما يتمناه البعض في لبنان».
وفيما توالى الترحيب الدولي والاقليمي، لوحظ انّ الولايات المتحدة الاميركية كانت اول المرحّبين بالاتفاق السعودي- الايراني، حيث أكّد البيت الابيض ترحيبه بأي جهد يساعد في إنهاء حرب اليمن وخفض التوتر في الشرق الأوسط. وأبلغت مصادر ديبلوماسية غربية إلى «الجمهورية» قولها: «انّ هذا الاتفاق يعزز فرص الاستقرار في المنطقة، ونعتقد انّه يؤسس لانفراجات، ليس على مستوى السعودية وايران، بل على اكثر من ساحة اقليمية، من اليمن وصولاً إلى لبنان».