رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية ومحاضر في الاقتصاد في الجامعة الاميركية


من المؤسف انّ هذه الحكومة تأخذ الاقتصاد إلى المزيد من التدهور في جميع المرافق، ولم تستطع تحقيق تقدّم على كافة المحاور. وهذا دليل قاطع على عدم قدرتها على حلّ أي من التحدّيات التي تواجه الاقتصاد اللبناني. هذا هو واقع الأمر، بغض النظر عمّا تدّعي الحكومة. وأصبح المواطن على يقين يوماً بعد يوم بأنّها عاجزة حتى عن إحراز اي تقدّم في الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وتستعمله كعذر للتأخّر في الإصلاح. فيما الدول المانحة تصرّ على التوصل إلى اتفاق مع الصندوق بأي ثمن، فقط لأنّها لا تثق بحكومتنا. ونأمل ان تواجه الحكومة الواقع برحابة الصدر عندما يوجّه لها النقد البنّاء المبني على الواقع والأرقام، وضرورة إعلام المواطن ما يُخطط له، وليس لمآرب شخصية كما يتهمّ البعض في الحكومة. اما إنجازات الحكومة فهي عديدة!
- الاستمرار في تدهور سعر الصرف حتى أنّه تخطّى عتبة الـ 60 ألف ليرة مقابل الدولار.
- إعتماد 13 سعر صرف للدولار مقابل الليرة، مما يدمّر الثقة بالسياسة النقدية ويقّوض الاسواق المالية، ويوفّر أرباحاً خيالية للمقترضين، من خلال اعتماد السعر الرسمي 1500 ليرة للدولار لسداد الديون للمصارف، بينما حصل معظم المقترضين (المَدينين) على عائداتهم بالدولار الجديد بسعر السوق. وهذا واضح، خصوصاً في القطاع العقاري الممول من المصارف. فقد ربح هذا القطاع المليارات على حساب المودع.
- الاستمرار في التضخم، فقد بلغ منذ نهاية 2019 لغاية نهاية 2022 1677%، أي 17 ضعفاً. و233% منذ ايلول 2021 إلى نهاية 2022.
- ضخ سيولة عملة نقدية تفوق الـ 15 ضعفاً.
- إضمحلال الدخل الحقيقي إلى أدنى المستويات، وخصوصاً في القطاع العام.
- العجز عن إعداد موازنة 2023 بعد ان شرّعت موازنة 2022 في نهاية العام.
- شلل الخدمات الاجتماعية في جميع المرافق.
- الاستمرار في انقطاع التيار الكهربائي مع انّ شروط المساعدة الخارجية واضحة، وتتطلب إنجاز التدقيق الكامل وإنشاء الهيئة الناظمة لشركة كهرباء لبنان.
- عدم احترام الدستور والاستمرار في حجز أموال المواطن، والسماح للمصارف بالإقفال الاستنسابي.
- تجاهل الاعتراف بخسائر المودعين بسبب «الأزمة»، وخصوصاً خسائر الودائع بالليرة، وبلغت 98%، وخسائر الودائع بالدولار من جراء السحب على السعر الرسمي واسعار اخرى منخفضة جداً عن سعر السوق.
- التوصل إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد يعتمد على شطب 70% من اصول والتزامات المصارف، وتكون الودائع المصرفية الجزء الأكبر منها ( أي شطب 84 مليار دولار من أصل 99 ملياراً من الودائع بالدولار)، كما تشير استراتيجية الخطة إلى «فك الترابط بين حسابات المصارف، وحسابات مصرف لبنان، والموازنة». فهل هذا يُعتبر انجازاً؟
- تنحّي الدولة الفعلي من مسؤوليتها في استمرار الانهيار المالي، أي تبرئة المذنب واتهام البريء.
- التمييز في خطة الحكومة بين ما يسمّى الودائع غير المؤهلة والودائع المؤهلة (مخالفة دستورية لقانون النقد والتسليف).
- إبتداع الفوائد الفائضة (مخالفة دستورية) وهي هرطقة مالية. إذ انّ معدل الفائدة الفعلية خلال العقد الماضي كان أقل من متوسط الفائدة في الدول الناشئة.
- الاجتهاد الاستنسابي في تصنيف الالتزامات (الودائع) كخسارات، خلافاً للقواعد المحاسبية، وايضاً الضياع بين تعريف الملاءة والافلاس.
- إدخال التمييز بين الودائع الصغيرة والودائع الكبيرة. والتعهّد بالحفاظ لغاية اول 100 الف دولار من الودائع، بهدف الحفاظ على صغار المودعين، فيصبح جميع المودعين من صغار المودعين.
- إصدار قوانين تكبّل ودائع المودعين والتحويلات الخاصة، وهي أهم ركائز الاقتصاد اللبناني، أي احترام الملكية الخاصة المصانة بالدستور.
- محاولة منع الاستناد للقضاء للدفاع عن حقوق المودعين في الداخل والخارج، فضربت بعرض الحائط بأهم شعاراتنا «العدل أساس الملك».
- ابتداع صندوق لاسترداد الودائع، وهو فقط صندوق وهمي لا يستطيع استرداد الودائع أو استرداد الخسائر الّا بعد قرن من الزمن، حسب حساب المسؤولين في الحكومة، وحتى من دون حساب قيمتها الفعلية، فلا لزوم له.
- القبول بطلبات صندوق النقد الدولي ورغبات الدول المانحة من دون تحليل أثرها على الاقتصاد اللبناني والاستثمارات الخاصة. والترويج بأنّ اللجوء لصندوق النقد هو المخرج الوحيد، هو محاولة لتفادي المسؤولية والتهرّب منها.
لقد مضى على الحكومة في سدّة الحكم ما يربو على سنة ونصف، وما أنجزته هو مغاير لتحقيق التعافي الاقتصادي. بل انّ الانهيار استمر في جميع المرافق، ولا تزال متمسكة بسياسات تلقي الضرر تلو الضرر على الاقتصاد، ونتج منها تدمير الثقة بالدولة والمصارف. واعتمدت على شطب ديون الدولة والمقترضين مقابل إهلاك المدخّرين ومحاولة تغريمهم والقضاء على أهم ركائز الاقتصاد الا وهو المدخر الذي مَوّل النمو الاقتصادي وبناء البنية التحتية والدولة لعقود.
وتدّعي الحكومة انّ الحل يكمن في التعويل على الاقتراض الرسمي من الخارج، الذي من دون شك يغذي الفساد في الداخل الذي يعترف به الجميع حتى الدولة ذاتها. فهذا الاسلوب لا يعيد تأهيل الاقتصاد الذي يجب ان يستند الى اتباع سياسات تجذب الاستثمارات الخاصة من المقيم والمغترب والاجنبي. هناك العديد من الإصلاحات التي تستطيع إنجازها حكومة تصريف الاعمال، والتي لا تتطلب أي قوانين، وخصوصاً التحرير الكامل لسعر الصرف، وإلغاء الفرق بين الدولار المصرفي القديم والجديد.
على الحكومة ان تعود إلى رسم سياسات بنّاءة بعيدة من استهداف المودع، والتركيز على إدارة الخسائر، بل يجب التركيز على السياسات التي تستهدف بناء الاقتصاد وليس هدم ما تبقّى منه.








