إلتقط أخيراً اكثر من مسؤول رسمي، على تماس مع ملف النازحين السوريين، إشارات توحي ببدايات تفهّم خارجي لموقف الدولة اللبنانية المصرّ على أن يعتمد المجتمع الدولي مقاربة جديدة لهذا الملف، تعطي الأولوية لمبدأ العودة الآمنة، وتلحظ ان لبنان ليس قادراً على الاستمرار في تحمّل أعباء النزوح الضخمة. الّا انّ تحول هذه الذبذبات المتفرقة دينامية عملية وفعّالة، لا يزال يحتاج إلى وقت إضافي.
غالب الظن، انّ أي مرونة خارجية في التعاطي مع صرخة لبنان ليست وليدة «كرم الأخلاق»، بل تعود إلى الخوف من ان تخرج قواعد اللعبة عن السيطرة، وان يتفلّت واقع النزوح السوري من الضوابط المرسومة له، عاجلاً ام آجلاً، مع ما يمكن أن يولّده هذا الاحتمال من تداعيات على الدول الاوروبية، خصوصاً تلك الواقعة على شواطئ المتوسط، وتحديداً لجهة إمكان تدفق مراكب الهجرة غير الشرعية التي لا تملك الأجهزة الرسمية القدرات الكافية لضبطها، إذا ارتفعت وتيرتها.
ويتوقع وزير من المعنيين مباشرة بقضية النزوح، ان يجري خلال العام الجاري تفعيل العودة، خصوصاً انّ التحولات الإقليمية تشجع على ذلك، مشيراً إلى انّ التقارب التركي - السوري على سبيل المثال، هو عامل تحفيزي في هذا المنحى.
ولكن مؤشرات التجاوب مع الهواجس اللبنانية لا تعكس كل اتجاهات الغرب بطبيعة الحال، كما يوضح المطلعون الذين يلفتون إلى انّ بعض مراكز الثقل الأوروبي، تمويلياً وسياسياً، لا تزال متشدّدة في معاييرها وخياراتها.
واللافت انّ الخشية من مفاعيل النزوح باتت عابرة للطوائف اللبنانية، ولا تقتصر على مكوّن دون الآخر، بعدما أصبحت الخسائر الناجمة عن هذا الوجود تتجاوز أرباح الاستثمار فيه، خلافاً للحسابات التي رافقت المراحل الأولى من الأزمة السورية.
وضمن سياق متصل، حصل أن التقت قبل فترة، شخصية اوروبية رفيعة المستوى، وزيراً لبنانياً في عاصمة أوروبية، فما كان منها بعدما استمعت اليه وهو يشكو من أعباء النازحين، الّا ان خاطبته بالقول: «انت تعكس هواجس المسيحيين!». فأجابها: «المسيحيون لديهم من يمثلهم في الأحزاب والكنيسة، انا أمثل موقف الحكومة اللبنانية حصراً، وما اطرحه منسق مع المسؤولين في بيروت، وهو يترجم هواجس جميع اللبنانيين».
ولكن تلك الشخصية غير المتحمسة لعودة النازحين في الظروف الحالية، اعتبرت انّه يجب على الرئيس بشار الأسد ان ينفّذ بعض الأمور الضرورية «قبل أن نبادر الى التشجيع على العودة والمساعدة في تحقيقها». هنا، ردّ الوزير اللبناني متسائلاً: «لماذا علينا أن ندفع ثمن خلافكم مع الأسد؟ علماً انّه يوجد ديكتاتوريون في كل العالم العربي، وانتم تتعاونون معهم». وأضاف متوجّهاً إلى مضيفه الأوروبي: «الأسد وضعه جيد بفعل تحالفه مع روسيا وايران، والأرجح انّه لن يقبل بشروطكم. وفي ما خصّ الإصلاحات الداخلية، اتركوا للدول ان تطبّقها وفق توقيتها وتبعاً لما يناسب ظروفها، وها هو ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بدأ في تنفيذ اصلاحات هائلة في السعودية عندما وجد انّه يستطيع إنجازها».
وتابع الوزير مستعيداً دروس التاريخ: «لقد سبق لكم ان أرسلتم الصليبيين من أصحاب العيون الزرقاء إلى الشرق الأوسط، ولكنه لم يتغيّر».
وفي معرض التحذير من صعوبة ضبط تداعيات النزوح السوري، لفت الوزير اللبناني انتباه الشخصية الاوروبية الى «انّ الشرق الأوسط وأوروبا متداخلان، إلى درجة انّه إذا عطس أحدهما يصاب الآخر بالزكام أيضاً». واعتبر أنّ على الغرب ان يبادر طوعاً إلى وقف التدخّل السلبي في شؤون دول المنطقة، قائلاً لمضيفه: «نصيحتي خذوا هذا الـ credit».