غداً عيد الميلاد، واللبنانيون في عتمة الأزمة. ومن قلب معاناتهم سيغلبون وجعهم ويستردون بهجة العيد من سارقيها، وسيفرحون لولادة المخلّص، وكلّهم أمل في أنّه معهم، ولن يتركهم فريسة بين أنياب لصوص الأزمة وتجار الشعارات والعابثين بالحاضر والمستقبل، والمضحّين بوطن وشعب على مذبح مصالحهم وحساباتهم وسياساتهم المدمِّرة. أسرة «الجمهورية» تتقدّم من المسيحيين خاصة، واللبنانيين بشكل عام، بمعايدة صادقة معطّرة بالرجاء بأنّ الخلاص آتٍ والفرحة ستعود، والنور لا بدّ أن ينبلج في نفق العتمة، ويتجاوز وطننا الجريح هذه المحنة، ويعود أكثر عزّة ورفعة وشموخاً وصلابة، وينعم كل اللبنانيين بالأمن والأمان والرخاء.
بري يعايد
وعشية الميلاد، توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى اللبنانيين عامة وأبناء الطوائف الروحية المسيحية خاصة بالتهنئة، وقال: «في ذكرى الميلاد الذي مثل ولا يزال نقطة تلاقٍ إنساني وإيماني لا ينفصل عراها بين المسيحيين والمسلمين من الإنجيل «وفي البدء كان الكلمة، وميلاده البشرى لفرح عظيم للشعب كله»، ومن القرآن الكريم «إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».
أضاف: «حري بنا كأبناء هذه الارض التي وطأتها أقدام السيد المسيح عليه السلام من الجنوب إلى جبله وأقصى شماله، واختارها مكاناً لإجتراح معجزاته الأولى في صور وقانا وصيدون، وانتظاراً مريمياً في سيدة المنطرة في مغدوشة، حري بنا كل من موقعه في هذه اللحظة المصيرية التي يمر فيها وطننا لبنان وهي الأخطر في تاريخه، أن نقارب كل ما هو متصل بحياة وطننا وإنساننا وقضايانا الخلافية، مقاربة بمفهوم ميلادي على قواعد الأمل والرجاء والتسامح والمحبة ونبذ البغض والكراهية وسلوك طريق التلاقي على كلمة سواء من أجل ميلاد جديد للبنان».
عبث وتعطيل
في السياسة، يبقى رجاء اللبنانيين، ومهما اشتدت العاصفة عليهم، بالتأكيد هو الأقوى، فيما يناطحه في المقلب الآخر مشهد مشوّه؛ السياسة فيه معطّلة، ولعبة العبث المستمرة تقطع سبل الانفراج، والدولاب الرئاسي يدور مطرحه، تتلاطمه امواج الحقد الأعمى والانقسام البغيض والإفلاس والغرور.
الأكيد كما يقول العارفون، انّ لهذا الدوران الفارغ نهاية حتمية، والآتي من الأيام كفيل بصياغتها على النحو الذي ينتشل لبنان من قعر الهاوية، ويعيد إحياء الأمل من جديد في نفوس اللبنانيين في أنّ وطنهم سيُبعث من جديد من تحت الأنقاض، فالصدام لا ينتج رئيساً، ولا المناكفات وفتح المعارك وافتعال الاشتباكات في هذا الاتجاه او ذاك، تغلّب منطق المخرّبين وتحقق مرامي المستثمرين على الشعبويات وأوجاع الناس، واستمرار التكاذب وانكار التخبّط والعجز والفشل في فرض رئيس للجمهورية حبله قصير، وبالتالي لن يطول الوقت حتى يجد المعطّلون انفسهم مكرهين على الزحف إلى بيت الطاعة والتوافق على رئيس.
بالتأكيد ايضاً، انّ منطق التعطيل يرفض هذه القراءة للمشهد المشوّه، الّا انّهم ومهما طال الزمن، لن يبقوا ثابتين على خياراتهم إلى أبد الآبدين، ذلك انّ مستقبل البلد وشعبه، أقوى من كل الخيارات والتشوّهات القائمة، وهذا أمر مسلّم به لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، وكذلك لدى الأشقاء والاصدقاء الذين حسموا موقفهم النهائي من الملف الرئاسي، ورسائلهم المتتالية شديدة الوضوح، خلاصتها انّ الخارج لن يتدخّل في انتخابات رئاسة الجمهورية، وتزكية شخصية معيّنة للتربّع على عرش الرئاسة الاولى، وانّ مسؤولية اختيار الرئيس تقع على عاتق اللبنانيين وحدهم.
صدقونا.. لا مبادرات
هذه المسؤولية، اكّد عليها مصدر ديبلوماسي عربي بقوله لـ«الجمهورية»: «كل العالم ينتظر ان يبادر اللبنانيون إلى التوافق على انتخاب رئيسهم، وعليهم ان يخرجوا من الوهم، ويصدّقوا انّه لا توجد أي مبادرة خارجية حول الملف الرئاسي في لبنان. وهذا الموقف تكرّر على مستويات عربية ودولية مختلفة، من كل أصدقاء لبنان وأشقائه، بأنّ إنقاذ لبنان وإطلاق مسار الانفراج السياسي والاقتصادي والمالي بيد اللبنانيين، وهم وحدهم يختارون رئيسهم، ونحن معهم في سعيهم إلى التوافق في ما بينهم عليه».
لا اتصالات إلى ذلك، وبحسب معلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة، فإنّه في موازاة تعطّل لغة الكلام الرئاسي داخلياً، فإنّ الصورة الخارجية لا تبدو مختلفة، حيث انّ حركة المشاورات الخارجية تجاه الملف اللبناني باتت خجولة، ولا تشي بأي تطوّر جديد. ذلك انّ كل الخارج ينتظر تجاوباً سريعاً من الأطراف اللبنانيين مع الدعوات المتتالية للتوافق الداخلي على رئيس للجمهورية.
وبحسب المصادر، فإنّ الإشارات التي ترد عبر القنوات الديبلوماسية، تذكّر من جهة بواجب اللبنانيين انتخاب رئيسهم، وتنطوي من جهة ثانية على استغراب انكفاء القادة اللبنانيين عن تحمّل مسؤولياتهم، وخصوصاً بعد التحذيرات الجدّية من مخاطر كبرى تلوح في أفق لبنان، وانّ ابقاءه في حال انعدام التوازن وعدم الانتظام في مؤسساته الدستورية، وغياب حكومة قادرة على اتخاذ القرارات وتوفير العلاجات الملحّة لأزمته الصعبة، يسرّع في انهيار خطير جداً في لبنان.
باريس وواشنطن: لا مرشح
على انّ أهم ما ورد في تلك الإشارات، كما تقول المصادر، هو انّ واشنطن وباريس لا تتبنيان مرشحاً معيناً لرئاسة الجمهورية، خلافاً لما يجري ترويجه في الداخل اللبناني، والامر ينسحب ايضاً على موقف المملكة العربية السعودية، إذ انّ هذه الاطراف، ووفق الإشارات الواردة تتقاطع عند مسألة وحيدة، وهي ان يبادر اللبنانيون إلى انتخاب رئيسهم بمعزل عن اسم الشخصية التي سيتمّ انتخابها.
خريطة المواقف
في هذا السياق، كشفت مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات الخارجية، خريطة مواقف الدول المصنّفة انّها معنية بالملف اللبناني، حيث قالت لـ»الجمهورية»: «لا يوجد أي توجّه نحو الملف الرئاسي اللبناني، لا من الدول المؤثرة، او الدول الصديقة او الشقيقة للبنان. على رغم إلحاح بعض الاطراف اللبنانية على هذا الأمر، دعماً لمرشحين معينين من خارج الطقم السياسي. وثمة رسائل من هذا القبيل أُبلغت بصورة مباشرة إلى بعض السفراء في لبنان».
واما خريطة المواقف الخارجية فتوردها المصادر على النحو الآتي:
اولاً، بالنسبة إلى الموقف الفرنسي، فباريس وكما هو معلوم تبدو الأكثر تحرّكاً حول الملف اللبناني، ويتوقع ان يكون حضورها اكثر زخماً بعد الأعياد، الّا انّ تحرّكها لا يرقى إلى مبادرة رئاسية، بل ضمن حدود الدعوة والتحفيز على إنجاز الملف الرئاسي بالتفاهم بين اللبنانيين دون ان تتبنّى اي مرشح، وهو ما اكّد عليه الرئيس ايمانويل ماكرون، وكذلك حدود التحذير من انّ أزمة لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية الخطيرة تتطلب تفعيل عمل المؤسسات الدستورية، وهو الامر الذي يوجب على القادة اللبنانيين النظر الى مصلحة لبنان واللبنانيين، والتوافق من دون ابطاء على رئيس جديد للبلاد.
ثانياً، الموقف الاميركي بات شديد الوضوح، لناحية انّ واشنطن، وعلى الرغم مما يقال بأنّها تدعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، قد صرّحت علناً بأنّها لا تدعم أي مرشح، حاصرة المسؤولية في هذا المجال باللبنانيين لكي يتحمّلوا مسؤولياتهم وينتخبوا رئيسهم ويشكّلوا حكومة جديدة، تجنّب لبنان سقوطاً هائلاً وخصوصاً انّ أزمة لبنان، كما تراها واشنطن، باتت اشدّ خطورة من أزماته السابقة، وأشدّ تعقيداً من الأزمات الاقليمية في المنطقة.
ثالثاً، الموقف السعودي ليس ملتبساً، بل هو واضح لناحية انكفاء المملكة عن لعب أي دور مباشر في الملف الرئاسي لترشيح كفة مرشحين معينين، بل انّ ما تؤكّد عليه، هو انّ انتخاب الرئيس شأن يقرّره اللبنانيون، وانّها تأمل في أن يقوم المجلس النيابي اللبناني بدوره في هذا المجال وانتخاب رئيس جديد، ومن ثم تشكيل حكومة تقوم بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة لإنعاش الوضع اللبناني.
ولفتت في سياق الموقف السعودي زيارة سفير المملكة في لبنان وليد البخاري إلى بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، وبحثا المستجدات على الساحة اللبنانية وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي وضرورة اتفاق الأفرقاء على انتخاب رئيس يجمع اللبنانيين ويكون رافعة لتعافي لبنان وعودته لمكانته وحضنه العربي.
تخوّف أممي
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر أممية لـ«الجمهورية»، انّ «الوضع في لبنان كان محور نقاش في اتصال هاتفي جرى قبل فترة قصيرة، بين مسؤول اممي رفيع، وأحد كبار المسؤولين في لبنان، عكس فيه المسؤول تخوّف الأسرة الدولية من تداعيات الوضع في لبنان، مشدّداً على انّ على اللبنانيين مسؤولية ان يتداركوا هذه التداعيات بالركون الى مصلحة لبنان واللبنانيين وانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير. وقال المسؤول الاممي: «انّ شعب لبنان يعاني، وواجبكم كلبنانيين ان تنتخبوا رئيساً يوقف المعاناة ويوحّد الشعب اللبناني، وانتم كلبنانيين تعلمون انّ المخاطر محدقة بلبنان على كل الصعد، وهذا يوجب على السياسيين تنحية مصالحهم والتوصل إلى اتفاق لملء فراغ السلطة في لبنان، ونحن مدركون انّه يحتاج اكثر من أي وقت مضى إلى أن تعمل مؤسسات الدولة بكامل فعاليتها لتتمكن من تجنّب تلك المخاطر، وتنفيذ الإصلاحات الشاملة برؤية استراتيجية تستحث تغييراً جوهرياً يحقق المصلحة العامة».
دعم ايطالي
على صعيد سياسي آخر، تلقّى لبنان امس، دعماً ايطالياً وحرصاً على الوقوف الى جانب لبنان وإخراجه من أزمته.
عبّر عن ذلك وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي نائب رئيسة الحكومة الإيطالية أنطونيو تاياني، خلال زيارته للمسؤولين اللبنانيين وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.
وبحث الوزير الايطالي في السرايا الحكومية العلاقات بين لبنان وايطاليا على الصعد كافة، والوضع في لبنان والتعثر الحاصل في انتخاب رئيس جديد. ونوّه الرئيس ميقاتي بالعلاقات الوطيدة التي تربط لبنان وايطاليا، والحضور الايطالي الفاعل لدعم لبنان على الصعد كافة، والمبادرات التي تقوم بها ايطاليا لمساعدة الجيش، إضافة الى المساعدات الانسانية التي تقدّمها سنوياً الى لبنان. وشدّد الرئيس ميقاتي «على الدور الفاعل لايطاليا في اطار القوات الدولية العاملة في الجنوب».
وفي سياق متصل بـ«اليونيفيل»، وعلى مسافة ايام قليلة من حادثة العاقبية التي سقط فيها قتيل من الوحدة الايرلندية، سُجّل امس، تحرّك لدورية تابعة لقوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان مؤلفة من آليتين رباعيتي الدفع، على خط بلدات الشرقية، الدوير، انصار، ذهاباً واياباً باتجاه خط زفتا - الزهراني، وقد واكبتها آلية تابعة لمخابرات الجيش.
تكريم اللواءين
من جهة ثانية، ترأس قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة امس، احتفال تكريم رئيس الاركان اللواء الركن أمين العرم والمفتش العام اللواء الركن ميلاد اسحق، لمناسبة إحالتهما على التقاعد، وذلك في حضور أعضاء المجلس العسكري وعدد من كبار ضباط القيادة.
ونوّه العماد عون بـ«مسيرة اللواءَين المكرَّمين وبصماتهما المشرقة في مختلف المراكز التي تسلّماها، مُشيداً بتضحياتهما خلال سنوات خدمتهما، وتفانيهما في أداء الواجب».
وشَكَرَ اللواء الركن العرم واللواء الركن اسحق لقائد الجيش والضباط والعسكريين محبّتَهم ووفاءهم، وأكّدا ثقتهما في أنّ المؤسسة العسكرية ستستمر على عهدها ووعدها في ظلّ قيادتها الحكيمة ورجالها الأبطال، سنداً يحمي لبنان وأهله.