يتجّه الدولار في السوق السوداء في مسار تصاعدي، اقترب فيه من عتبة الـ43 الفاً، وبالتوازي، ارتفع دولار صيرفة من 30100 ليرة الى 30300 ليرة، وراهناً إلى 30600 في اقل من اسبوع، في حين كان من المتوقع ان يستقر الدولار قليلاً قرب الـ40 الفاً، نتيجة التوقعات بأن يُدخل معه موسم الاعياد عملات أجنبية سيضخها السياح والمغتربون في هذه الفترة.
يعيد الاقتصادي باسم البواب لـ"الجمهورية" ارتفاع الدولار في السوق السوداء الى اسباب عدة أبرزها:
- عدم إقدام المعنيين في الدولة على إجراء أي خطوة اصلاحية انقاذية للاقتصاد، الذي لا يزال يتهاوى منذ 3 سنوات.
- إرتفاع الطلب على الدولار الناتج من ثلاثة اسباب:
اولاً: ازدياد حجم الاستيراد إلى لبنان، والذي تراجع من 22 مليار دولار في العام 2019 إلى 10 مليار دولار في العامين الماضيين، بسبب جائحة كورونا أي إلى النصف، انما اليوم مع عودة الناس إلى حياتها العادية، زاد استهلاكها ومصروفها، ما يبرر ارتفاع حجم الاستيراد، حيث من المتوقع ان يقفل هذا العام على حجم استيراد بنحو 15 مليار دولار، ما يمثل 75% مما كنا نستورده قبل الأزمة.
ثانياً: استمرار احتجاز اموال المودعين في المصارف في مقابل ارتفاع كلفة المعيشة. وبالتالي انّ سقف السحب المسموح به شهرياً ما عاد يكفي الأسر نظراً لارتفاع التكاليف المعيشية، ما دفع بالمودعين إلى تصريف شيكات في السوق السوداء ولو بخسارة، لأنّ الشيك يُصرف بـ 16 إلى 17% من قيمته الحقيقية، ما ادّى إلى ازدياد الطلب على الدولار النقدي. لافتاً إلى انّه حتى اليوم لا تزال تقدّر أموال المودعين في المصارف بنحو 95 إلى 100 مليار دولار. ولنفترض انّ هناك حاجة لتسييل كل هذه الاموال اليوم دفعة واحدة، فنحن بحاجة إلى 20 مليار دولار نقدي. اما اذا اعتبرنا انّ حاجة المودعين السنوية هي 15 مليار دولار، فهذا يعني اننا بحاجة سنوياً الى ما بين مليارين و3 مليارات دولار نقداً.
ثالثاً: تأثير السوق السوري. كما بات معلوماً، انّ السوق السوري ما عاد يملك احتياطاً بالعملات الاجنبية، ما انعكس ارتفاعاً كبيراً في سعر الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء، لتسجّل أخيراً 6500 ليرة سورية مقابل الدولار، أي بزيادة نسبتها 20% فقط في اسبوع واحد. وبما انّ سوريا تفتقد اليوم إلى المازوت والبنزين وغيرها من السلع التي يستدعي شراؤها عملات أجنبية، تتجّه إلى لبنان لاستيرادها ولشراء الدولار، ما يرفع الطلب على الاستيراد الذي يتطلب كميات أكبر من الدولارات.
وخلص البواب، إلى انّ الدولار في السوق السوداء إلى ارتفاع متواصل، ولا سقف له قبل البدء بالاصلاحات المطلوبة، وقبل ان يدخل إلى الدولة اللبنانية بحدود 20 الى 25 مليار دولار، حتى نتمكن من تثبيت سعر الصرف وتأمينه بسهولة لمن يطلبه.
هل تتوقف المصارف عن إعطاء الدولار؟
من جهة أخرى، ومع الارتفاع المتوقع لسعر الدولار في المصارف إلى 15 الفاً اعتباراً من شهر شباط المقبل، توقّع البواب ان تصدر اعتباراً من مطلع العام جملة تعاميم تستبق البدء بتنفيذ هذا القرار، وقد يكون وقعها قاسياً جداً على المودعين وقال: "لا يمكن ان يستمر العمل بالتعاميم السابقة لمصرف لبنان، منها مثلاً التعميم 158"، متوقعاً ان يُخفض سقف الـ400 دولار الى 200 دولار او تحويله كله الى ليرة. وأكّد اننا نتجّه في العام المقبل نحو الليلرة لأنّ الدولار النقدي يتقلّص من المصارف، ولا نية لديها بالاستمرار بتحويل اموالها الفريش إلى الداخل لاستعمالها في السوق اللبناني قبل التوافق على مشروع اقتصادي واضح او خطة تعافٍ ترسم المستقبل.
أضاف: "نحن اليوم في سقوط حرّ من دون أي مظلة، ولا شيء سيلجم هذا السقوط سوى الحلول التي تأتي ضمن خطة متكاملة للتعافي، وليس من خلال القرارات الترقيعية". ولفت الى انّ التدابير والاجراءات التي اتُخذت منذ بدء الأزمة حتى اليوم كلّفتنا نحو 30 مليار دولار، حيث كان الاحتياطي الالزامي نحو 36 مليار دولار وتقلّص اليوم الى نحو 6 مليار دولار، صُرفت من دون جدوى على الدعم وتثبيت الليرة وصيرفة.
وعمّا إذا كان الأجدى بالمودعين الاستمرار بسحب اموالهم من المصارف وفق سعر صرف 8000 ليرة راهناً، او الانتظار حتى شباط عندما سيتمّ رفع دولار المصارف الى 15 الفاً، قال: "عندما سيصبح دولار المصارف 15 الفاً سيكون دولار السوق السوداء بنحو 50 او 60 الفاً، وبالتالي لا جدوى من الانتظار لا بل ربما السحب وفق سعر صرف 8000 ليرة يبقى افضل، لأنّ الخسارة ستبقى اقل"، مؤكّداً انّ العملات الاجنبية في لبنان الى تقلّص، وبالتالي كلما أسرع المودع بسحب حصته الشهرية من المصارف كلما كان مكسبه اكبر، لأنّ سقف السحوبات بالدولار سيتقلّص، ومن يعلم قد تتوقف المصارف عن اعطاء الدولار قريباً.