من خميس إلى خميس .. لا رئيس؛ على هذا المنوال «سيكرج» مجلس النواب في رحلة طويلة من الجلسات الفاشلة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا أحد يعرف إن كان مداها الزمني يُقاس بالاسابيع او بالاشهر او ربما أبعد من ذلك.
وعلى مدى هذه الرحلة الطويلة، ستبقى السيمفونية ذاتها قابضة على خناق البلد، ومرهقة لآذان اللبنانيين بما ملّوا سماعه من كلام عبثي مستهلك، لم تعد له وظيفة سوى نشر الغسيل قبل وخلال وبعد كل جلسة انتخابية، ومؤذية لعيونهم ببهلوانيات تعبث بالاستحقاق الرئاسي، وباتت اشبه بمسلسل تافه يُعرض اسبوعياً على مسرح البرلمان. واما ابطال هذا المسلسل، فكائنات سياسية مفلسة، مأسورة بنفخة كاذبة، فيما هي في حقيقتها مشتتة، وأضعف من ان توجّه الدفة الرئاسية الى برّ الانتخاب.
لعلّ مجرد نظرة سريعة إلى هذا المشهد من شأنها أن تجعل كل لبناني يتفوّق على المنجّمين في استشراف الكارثة التي يرصف الطريق اليها تكرار جلسات الفشل، حيث بات من شبه اليقين انّ استيلاد رئيس بين ركام التناقضات السياسية اقرب إلى الرهان العبثي على سراب. والكارثة ليست مفردة وهمية، بل هي معبّر عن نُذُرِها في ما يتمّ الحديث عنه في مختلف الاوساط السياسية والدينية وغيرها، من مخاوف من سيناريوهات واحتمالات وانهيارات يُخشى ان تتدرج وتتمدّد من السياسة إلى الاقتصاد والأمن، وربما إلى ما هو اخطر من ذلك.
بري: الوضع بالويل
هذه الصورة القاتمة ماثلة أمام رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي أبلغ الى «الجمهورية» قوله: «قلت واكرّر، استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، لا يحتمل اسابيع قليلة جداً، فلا يتحدثنّ احد عن أشهر على غرار ما حصل في فترة الفراغ السابقة (سنتان ونصف بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان)، فوضع لبنان في هذه المرحلة ليس كما كان عليه آنذاك، بل هو بالويل».
ولفت الرئيس بري إلى «انّ «التوافق» هو المعبر الإلزامي إلى انتخاب رئيس الجمهورية، ودون هذا التوافق، ستستمر دوامة الفراغ، والبلد سيدفع الثمن».
وكما هو معلوم، فإنّ الرئيس بري، كان ماضياً بكل حماسة واندفاع لإطلاق مبادرته الحوارية بين الكتل النيابية، ولكنه بعد استمزاج الآراء، قابله تعثر وشروط تعجيزية، ووصل إلى قناعة مفادها «انا لا استطيع ان احاور نفسي». وتبعاً لذلك علّق مبادرته الحوارية بعدما رفضت «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» فكرة الحوار، كلٌ منهما لأسبابه واعتباراته المتناقضة والمتضاربة مع الآخر، رمى كرة المسؤولية في ملعب الجميع، وفي مقدّمهم من يفترض انّهم معنيّون طائفياً بالاستحقاق الرئاسي.
الّا انّ الرئيس بري، وكما يؤكّد لـ«الجمهورية»، يلفت الى انّ تعليقه مبادرته الحوارية، لا يعني انّه سيبقى مكتوف اليدين أمام مراوحة الاستحقاق الرئاسي على ما هو عليه في هذه الفترة، في حلقة التعقيد والتعطيل وأسره في دائرة فراغ كلفتها باهظة على لبنان، بل انّه أعطى ما يمكن وصفها بفسحة زمنية سقفها الأقصى آخر السنة، فإنْ أمكن بلوغ التوافق على رئيس للجمهورية خلالها، فذلك يكون خيراً ومصلحة للبنان، وإنْ بقي الوضع في دائرة الفراغ فسيعود بالتأكيد إلى التقاط زمام المبادرة من جديد ووضع الجميع امام مسؤولياتهم التي توجب الشراكة الصادقة في تحصين لبنان وإخراجه من هذا النفق.
ورداً على سؤال، لا يقلّل الرئيس بري من حجم الأزمة والتعقيدات القائمة، ورغم الصورة القاتمة فهو لا يعبّر عن تشاؤم كلّي على ما ذهب اليه آخرون، بل يُبقي على شيء من التفاؤل الحذر، ذلك انّه رغم كل هذا الانسداد لا يزال يرى ضوءًا في آخر النفق، جوهره انّ الجميع محكومون في نهاية المطاف بسلوك الطريق نحو الانفراج.
مرونة .. وإلّا خراب؟
على انّ اللافت في هذا السياق، ما تكشفه شخصية وسطيّة بارزة لـ«الجمهورية»، عن معطيات متوفرة لديها تؤكّد انّ أمد الشغور في سدّة الرئاسة الاولى لن يكون طويلاً. مشيرة إلى حركة اتصالات ما زالت خجولة حاليًا، لبلورة افكار ترمي إلى أنضاج تسوية سياسية.
وردًا على سؤال قالت: «أي عاقل يرفض استمرار حفلة الجنون القائمة، وأي رهان على إنهاء هذه الأزمة بمعزل عن حوار ونقاش جاد ومسؤول هو ضرب من الغباء، والرئيس بري من البداية حدّد المسار الطبيعي والموضوعي لإنهاء الأزمة الرئاسية، فكل الامور تُحلّ بالحوار المسؤول، ولكن المستغرب هو ان يأتي من يعطّل هذا المسار، من دون ان يملك بديلاً منه، سوى انّه يقارب هذه الأزمة بمنطق عبثي يطوّق انتخاب الرئيس بسجال عقيم».
وحول الجلسات النيابية الفاشلة في انتخاب رئيس، قال: «إنّ انعقاد المجلس النيابي في جلسات انتخابية بمعزل عن نتائجها، هو إجراء قانوني ودستوري ويندرج في صميم اللعبة الديموقراطية، واما فشلها في انتخاب رئيس فهو فشل طبيعي ومتوقع، طالما انّ التوافق معدوم. ثم انّ الدعوات التي تقول بأن يعقد المجلس جلسات متتالية ومفتوحة حتى انتخاب رئيس، فلا معنى لها في غياب الحدّ الأدنى من التوافق، ولذلك نحن نحث ونتبنّى كل دعوة إلى حوار يؤدي الى توافق، وما زلنا نراهن على حنكة وحكمة الرئيس نبيه بري في هذا المجال».
وقيل للشخصية الوسطية المذكورة إنكم تدعون إلى التوافق، فيما نوابكم في المجلس صوّتوا للنائب ميشال معوض المصنّف من قِبل مرشِّحيه بأنّه مرشح سيادي، فيما يصنّفه آخرون بمرشح تحدٍ، فقالت: «لقد صوّتنا لميشال معوض كتسجيل موقف لا أكثر، مع علمنا اليقيني بصعوبة فوزه. ونحن ماضون في هذا الموقف في الوقت الراهن، الّا انّ موقفنا النهائي سيتحدّد بالتأكيد تبعًا للظروف القادمة سواء أكانت تتجّه نحو تسوية توافقية او في اتجاه آخر».
وخلصت الشخصية إلى القول: «أبلغني بعض الخبراء بأنّ الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان بات مخيفًا جدًا، والسقوط بات يسابق الوقت، وبالتالي فإنّ اللعب بالوقت بمثابة لعب بالنار. وتبعًا لذلك، اؤكّد انّ لبنان حاليًا يقف على مفترق خطير جدًا بين طريقين لا ثالث لهما، فإما أن تعتمد المرونة السياسية التي تسمح بإعادة انتظام البلد والنهوض به ولو بالحدّ الأدنى من المقومات، وإما الخراب».
أزمتكم صارت الأسوأ!
ولا ينحصر الحديث عن المخاوف مما هو آتٍ، في الأوساط الداخلية السياسية وغير السياسية، بل توازيها مخاوف جدّية، يعبّر عنها الديبلوماسيون الأجانب، وآخرها ما نُقل في الساعات الاخيرة عن سفير دولة اوروبية معنية بالشأن اللبناني، حيث تؤكّد معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، بأنّ السفير المذكور خلع قفازاته الديبلوماسية امام مجموعة من كبار الاقتصاديين، وجاء بكلام انطوى على «توبيخ» للطبقة السياسية، لتعمّدها، على حدّ تعبيره، تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولّى مهمة الإنقاذ والإصلاحات الشاملة.
وقدّم السفير المذكور مقاربة سوداوية للواقع اللبناني، وقال ما حرفيته: «وضع لبنان مؤسف جدًا، وأنا والكثير من زملائي في بلدكم، حزينون على الشعب اللبناني، ونلمس الكآبة التي اصابته، وما نراه من «لا مسؤولية» يجعلنا نجزم بأنّ لا حلّ في المدى المنظور للأزمة في لبنان، بل نراه مدفوعًا الى واقع مظلم. وآسف ان أقول لكم انّ عوامل الاطمئنان تتراجع في بلدكم».
وأخطر ما قاله السفير المذكور: «انّ المجتمع الدولي وجّه، ولا يزال، دعوات متتالية إلى ان ينظم اللبنانيون واقعهم الداخلي، عبر المسارعة وبلا إبطاء الى اختيار رئيسهم وتشكيل حكومة. وكما نشاهد وتشاهدون جلسات البرلمان اللبناني لم نرَ فيها جدّية في انتخاب رئيس للجمهورية. بصراحة اقول لكم إنكم في وضع شاذ ومشوّه، فلا يمكن ان تنتظم الدورة الدموية في جسم بلا رأس. وبالتالي عبثًا القول انّ قيامة للبنان ممكنة مع تغليب الحسابات والمصالح، وعدم الاكتراث لمصلحة لبنان وللأزمة الصعبة ومعاناة الشعب اللبناني».
ولفت السفير الانتباه إلى «اننا مثلكم نسمع أحاديث عن سيناريوهات واحتمالات ومخاطر يمكن ان تواجه لبنان في ظلّ التعطيل الحاصل لانتخاب رئيس للجمهورية، ليس على استقراره فحسب، بل على مصيره. نحن لا نتبنّاها، لكننا لا نستبعدها طالما بقي هذا التعطيل قائمًا».
وخلص إلى القول: «كما قلت، لا نتبنّى أيًا من تلك الاحتمالات والسيناريوهات، ولكن في مقابل ذلك، علينا ان نؤكّد على ما سبق ان حذّرنا منه القادة في لبنان، وننبهكم الى أنّ اقتصادكم اصبح في خطر شديد جدًا، بل ويثير الذعر. في وقت سابق أدرج البنك الدولي بلدكم بين ثلاث أسوأ أزمات في العالم. وأخشى أن اصارحكم بأنّ أزمتكم ربما أصبحت الأسوأ، نريد ان نراكم تراعون مصلحة بلدكم وشعبكم، والمجتمع الدولي ما زال على استعداد لأن يساعدكم، ولكن إن بقيتم، كما نراكم، ماضين في مسار السقوط، فأقول لكم آسفًا، إنّكم ستتدحرجون إلى وضع قد لا تجدون فيه من يمد اليكم يد المساعدة».
البطاركة الكاثوليك
إلى ذلك، إعتبر مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، أنّه «من دون رئيس جمهورية لا حماية للدستور ولا إشراف على انتظام عمل مؤسسات الدولة ولا فصل للسلطات ولا خروج من الشلل السياسي الإقتصادي والمالي، فالدولة من دون رئيس تقع في الشلل الكامل».
ولفت المجلس في بيان امس، إلى اننا «نعمل على وضع خطة عمل تقضي بتعيين لجنة حقيقة ومصالحة تضمّ حكماء وتعمل على التواصل مع جميع الأفرقاء اللبنانيين دينيين وسياسيين ومدنيين، لتهيئة الأجواء تمهيداً للدعوة إلى الحوار». واكّد المجلس على «حوارٍ حقيقيّ»، مشيرًا إلى أنّ المصالحة باتت ضرورة وملحّة لأنّ لبنان يمرّ في أخطر مرحلة من تاريخه السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي».
وأشار إلى انّ «تنقية الضمائر والذاكرة هي الشّرط الذي من دونه لا مكان لإجراء حوار صريح وبنّاء بين المسيحيين والمسلمين من جهة وبين الأحزاب والكتل النيابية من جهة أخرى، وذلك لكي تسلم المؤسسات الدستورية وحقيقة العيش المشترك المنظّم بنصوص الدستور والذي يشكّل الميثاق الوطني الذي توافق عليه اللبنانيون وجدّدوه في اتفاق الطائف، بحيث يعطي الشرعية لكل سلطة سياسية لا تخالف مبدأ العيش المشترك».
غادة عون
في جديد الردود على التغريدة المسمومة التي أطلقتها القاضية غادة عون، انّه بعد الدعوى الجزائية التي تقدّم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته السيدة رندة بري ضدّ القاضية، وبعد ردّ رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف، التي اعتبرت فيها «اننا كنا نسمع روايات عن القضاء، لكن اليوم قدّمت لنا القاضية عون الدليل القاطع عن قضاء يشتغلون «باش كاتب» لدى زعمائهم السياسيين. واليوم أعطتنا عون مستندًا رسميًا عن تبعيتها وسقطت بورقة مزورة. فبيت سكاف ورقة بيضاء، بتاريخ سياسي اسود حضرتك دخلتيه اليوم، ونتواجه في المحاكم»، كان أمس ردّ من الرئيس فؤاد السنيورة، وصف تغريدة القاضية عون بـ«التغريدة الملفقة والمفتعلة».
وقال: «إنّ مضمون تغريدة القاضية غادة عون النائبة العمومية لجبل لبنان، لا يستحق مني التفاتة، لأنّها تدعوني إلى السخرية لسخافتها ومجافاتها للعقل. غير أنّ تلك الفعلة ليست معزولة عن سياق سياسي متمادٍ قوامه «وَسْلَنَةُ» القضاء، أي جعله وسيلة وأداة للكيد السياسي والشخصي الذي بَلَوْتُهُ قبل ذلك مراراً، وخرجت منه أكثر صلابة وأعزَّ شأناً».
أضاف: «إنّ خروج القاضية المذكورة عن موجب التحفظ أصبح قاعدة، كما أنّ سكوت الهيئات القضائية ورؤسائها عنها صار قاعدة أيضاً بل فضيحة أدهى. وانني أقول لهؤلاء المسؤولين، لقد رحل العهد، ولم ترحل معه تدخلاته المخجلة. فمتى يتحركون لوضع حدّ نهائي لهذا الانتهاك الذي يُسَمَّى في عرف القانون «فعلاً فاضحاً علنياً»، وخدشاً لحياء العدالة ووقارها، خصوصًا انّ ما روّجته وما استندت اليه هو في الأساس محض اختلاق وتلفيق من طرف سياسي معروف. أنا لا أدافع عن نفسي بتهمة ملفقة تافهة، ولكني ادافع عن القضاء من خاتمة حزينة».
وختم: «أنا فؤاد السنيورة شديد الفخر بأنّي أعدت الانتظام إلى المالية العامة، بينما- ويا للأسف- هناك من انشغل في الافتراء عليّ وانتهى في ان لا تكون للدولة اللبنانية موازنة عامة لمدة أحد عشر عاماً متوالية، مما تسبب بحالة التفلّت المالي التي لا يزال يعاني منها لبنان إلى الآن. وأنا الذي أدرج المادة 73 في قانون موازنة العام 2001 لإخضاع مؤسسات الدولة لنظام التدقيق الداخلي والخارجي، من قِبل مكاتب التدقيق المختصّة والراقية. كما جرى بعدها إقرار مشروع القانون رقم 17053 من قِبل حكومتي الأولى بتاريخ 25/05/2006، والذي لا يزال حبيس الأدراج».