الطفل «المتّصِل» عاطفياً بأهله
الطفل «المتّصِل» عاطفياً بأهله
اخبار مباشرة
د. أنطوان الشرتوني
Wednesday, 15-Jun-2022 05:07

من منّا لم يرَ في حياته طفلاً يبكي ويصرخ بسبب ابتعاد والدته عنه، هي التي كانت تطبخ أو تنظف البيت؟ ومن منّا لم يلاحظ خوف طفل صغير بمجرد ابتعاد والده عنه وكأن هذا الصغير لا يشعر بالأمان إلا من خلال وجود والده بقربه؟ فكثير من الأطفال الذين لم يتخطوا الثلاث سنوات لديهم هذا النوع من الخوف ويطلبون «الإتصال» الدائم بالأم أو الأب. فما هو سبب هذا النوع من السلوكيات؟ وكيف يمكن مساعدة الطفل؟ وما هو دور الأهل في هذا المضمار؟

«إبقي بقربي»، «إلعب معي»، «لا تبتعدا عني»، «أين أنت يا أبي؟»... وغيرها من الجمل التي يستعملها الطفل «المتّصِل» بالأهل بشكل مستمر خلال يومياته. ويحتار الأهل ما بين تلبية المتطلبات العاطفية لطفلهما والرد على حاجياته و»قطع الترابط» القوي الذي سيحد من النمو النفسي عنده. للأهل دور أساسي أولاً في فهم سلوكيات الطفل وطبعاً تعديلها من خلال بعض التوجيهات البسيطة.

الوقاية من الإتصال المستمر
عندما تبتعد الأم عن طفلها، سينتابه قلق يمكن أن يصل إلى درجة الهلع أو الخوف الشديد مع استجابات جسدية كسرعة في دقات القلب والتعرّق والتأتأة والتقيؤ والغثيان ووجع المعدة... كما يمكن أن يشعر بالفراغ بسبب الغياب المؤقت لمصدر العاطفة لديه ويرافق ذلك البكاء والصراخ والركل والعصبية وسلوكيات أخرى عدوانية. ويجب معرفة أن هذا النوع من «الإنفصال» نجده بكثرة عند الأطفال ما بين عمر السنة والنصف والثلاث سنوات، حيث يُظهر الطفل سلوكاً تعلقياً، لا يمكنه الإبتعاد عن والديه خاصة عن أمه ويبقى ملتصقاً بها طول الوقت، خائفاً من الإبتعاد عنها ومُعايشة الإنفصال مرة أخرى.
هناك بعض السلوكيات التي يمكن تطبيقها لتفادي «التعلّق» أو «الأتصال» الدائم بالأهل:
- يجب على الأم تدريب طفلها منذ صغره فتبتعد عنه للقيام بمهامها. فلا يمكن أن تكون الأم متّصلة بطفلها وإلا ستعلمه هذا السلوك المؤذي للطرفين.
- يجب التفسير للطفل بأنّ هناك أعمالاً يجب القيام بها بعيداً عنه، فذلك سيساعده لفهم سبب غيابها. وخلال ذلك الغياب، يجب إعطاء الطفل نشاطاً يقوم به أو لعبة أو قصة...
- مُشاركة لعبة «الغميضة» مع العائلة. ويجب أن نترك الطفل يحاول الإختباء لوحده من دون أن يلحق به أحد من أفراد العائلة. كما يمكن تطبيق هذه اللعبة بين الطفل «المتصل» وشخص واحد من العائلة.
- يجب تطمين الطفل بأنك سترجع إليه. وهذا الأمر يجب تطبيقه. فبعد الغياب «المؤقت» للأم أو الأب، يمكن التحدث مع الطفل عن سبب الغياب وبهذه الحال سيكون أكثر استرخاءً في المرة المقبلة من الغياب.
- يجب تحضير الطفل لهذا الغياب من خلال تأمين نشاطات تملأ وقته ويمكن أن ندفعه للشعور بالثقة بالنفس من خلال الجملة التالية: «لقد أصبحت الآن طفلا كبيرا، وكل شيء سيكون على ما يرام خلال غيابي».

دور الأهل في تخفيف هذا السلوك
للأهل دور أساسي في التخفيف من الإتصال المستمر من الطفل تجاه أهله. وهناك نقاط يجب اتّباعها معه، منها:
1 - لا تشعروا بالقلق أو تلوموا أنفسكم إذا كان طفلكم يبكي. فهذا طبيعي. بعد الإنفصال سيشعر الطفل بالخوف ولكن سيتذكّر كلامكم المطمئن وسيخف هذا الخوف تدريجاً مع الوقت.
2 - مساعدة الطفل للاستقلالية اليومية من خلال الاستحمام لوحده، ويمكن للاهل أن يلقوا نظرة عليه وأن يساعدوه عندما يطلب ذلك.
3 - بعد الإنفصال عن الطفل، يمكن التحدث معه وتشجيعه. وذلك سيساعده على تقبّل الواقع.
4 - ممارسة الإنفصال، أي ترك الطفل لوحده لبعض الوقت. بهذه الطريقة يعتاد الطفل على أن لديه حياته الخاصة التي لا ترتبط فقط بأمه.
5 - يجب أن يعترف الأهل بأنّ هناك وقتاً يجب أن يقضيه الطفل لوحده. دور الأهل هو تهيئة الطفل قبل الانفصال.
6 - ممارسة النشاطات مع الطفل خاصة النشاطات التي تقوّي الإستقلالية عنده، مثلاً الرسم لوحده في غرفته أو تركيب المكعبات لوحده من دون مساعدة.
7 - الإبتعاد عن مظاهر معاقبته لأنها لن تجدي نفعاً في هذه الحالة، فالتحدث معه والتفسير له تكراراً وتكراراً هو الحل الوحيد.
8 - الإنفصال التدريجي عن الطفل وليس بشكل سريع وقاطع.
9 - الإسراع من طقوس «إلى اللقاء»، ويعني ذلك عدم البقاء أكثر من دقيقة واحدة عند الوصول إلى المدرسة وتوديع الطفل بشكل سريع.
أخيراً، يجب على الأهل أن يتقبّلوا فكرة «استقلالية» طفلهم. فعندما يكون الطفل بعيداً عنهم ويلعب، لا يجب أبداً الإقتراب منه والتأكّد من أنّ كل شيء على ما يرام. يجب أن يحترم الأهل استقلاليته.

theme::common.loader_icon