بين بري وباسيل.. ماذا سَيُغَنّي"الحزب"؟
بين بري وباسيل.. ماذا سَيُغَنّي"الحزب"؟
عبد الغني طليس
Monday, 23-May-2022 06:32

مسألة انتخاب النائب نبيه برّي رئيساً للمجلس النيابي الجديد، رغم الطفح الجِلْدي المعترض، باتت محسومة، والجدل قائم حالياً على كمية الأصوات التي سينالها، كبيرة أم متواضعة.. وقد يكون وراء جوابه للإعلام أنه هو أيضاً "متواضع"، كما اعتدنا في مواقفه المُعَبّر عنها بأمثال شعبية دقيقة، أرنبٌ سحري يطلّ من حيث لا يتوقّع أحد.. إلّا هو!

لكن، في الوقت الذي يشعر الناس، جمهور الانتخابات بالتحديد، أنه من العبث تضييع الوقت في ملاحقة الشعارات الإنتخابية التي بلغَت الزُّبى، وبانت القوى السياسية المختلفة فيها، تتصرّف على طريقة "أنا أعمى ما بشوف، أنا ضرّاب السيوف".. هناك بلدٌ انهار على رؤوس أهله، وبدلاً من الشروع الجدي في الإنقاذ بخطوات تتجاوز الشعارات "المارقة" وتبني بعض الجسور، تُكمل القوى السياسية فتح النار يميناً وشمالاً وتكاد تعتقد أنها قادرة على مقاومة "جاذبية" الأرض السياسية اللبنانية.. بجاذبية المنابر؟!

 

والغريب أن الجهة السياسية المصطدمة بالوقت المتبقّي لرئيس الجمهورية في السُّدّة، والساعية الى مَلء الأشهُر المعدودة بخلية عمل ("التيار الوطني الحر" تحديداً) هي نفسها تضع العراقيل أمام أقرب استحقاق دستوري/ انتخاب رئيس المجلس النيابي، ثم يطلب رئيسها النائب جبران باسيل، في الوقت عينه تسهيل مهمات حكومة جديدة تحضن الملفات "اليومية" الضاغطة للمواطنين. فكيف لمن يريد "اللعب" مع الشخصيات-الثوابت في لبنان، وفي معركة محسومة النتائج، فقط للزَكزكة المرتبطة بسوابق مُماحكات، أن يتوقّع منهم أن يلاقوه في ما يعتبره سباقاً مع الوقت؟

 

فإذا كان "التيار الحر" برئيسه باسيل يرى أولوية في تشكيل حكومة جديدة لينتهي عهد الرئيس عون ببعض الإنجازات، فإن أولويات الآخرين قد تكون شيئاً آخر تماماً، وكما لا يفرض باسيل على نفسه وتياره وكتلته مراعاة الآخرين، فإن الآخرين قد لا يُعطون دقيقة من وقتهم لأولوياته ولا لمراعاته في شيء.

 

لكنّ بعض الكلام الذي سمعناه من النائب آلان عون أوحَى الى "الجديد" أن الموقف من انتخاب بري لم يناقش بعد في تكتل "التيار" لا بل يؤشّر (في المعنى) الى احتمال أن يُترك الأمر لنوّاب التكتل في تقدير انتخاب بري من عدمه. وعليه، فإن معركة باسيل مع بري، كما سمعناها في ردود النائب علي حسن خليل، تَشي بأنّ باسيل في مجلس النواب، وفي تشكيل الحكومة سينتظر طويلاً قبل أن يُجاب له.. عن سؤال.

 

يتحدثون هنا عن دور "حزب الله" في تقريب المسافات، لكن "حزب الله" يعرف أنّ بري يتصرف في السياسة على قاعدة "تشوفني بعين أشوفك بالتنين" أما من يتجاهله، فالردّ عليه يكون على ما ردّد مرةً "ألا لا يجهلَنْ أحدٌ علينا/ فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا"..

 

معضلة النائب جبران باسيل هي أنه يريد أشياء كثيرة، غير أنه يخطىء الطريق إليها (دائماً عبر المعارك المُوجبة وغير المُوجبة) ونادراً ما يفوز بها، فيقول "ما خلّونا" (أسهل الأساليب للتهرّب!) و"القواعد" التي يعتمدها ويظن انها صالحة لكل زمان ومكان وقضية وشخص، قد لا تصحّ مطلقاً مع زمان معيّن ومكان معيّن وقضية معيّنة وشخص معيّن… والرئيس نبيه بري من هؤلاء الذين لا يُنسى "إتفاق" كل القوى السياسية حوله كقطب الرحى في السنوات الكأداء السابقة، وكنقطة التقاء الأطراف المتضاربة في الاهواء السياسية، وكان يجد لها ما يبَرّد رؤوسها الحامية.

 

كأنّ باسيل لم يسمع بقول شكسبير "تستطيع بابتسامة أن تأخذ ما لا تأخذه بالسيف" في العلاقات الوطنية لا مع العدو.. إلّا إذا كان باسيل قد حدّد من الآن الشماعة التي سوف يُعلّق عليها خيباته المقبلة.. وإذا كانت حملته الانتخابية، وخطابه الأخير، قد "أعلنا" أنه لن يبتسم لبري، فعليه أن يَتقبّل العين الحمراء على كل حركة سيأتي بها داخل المجلس، وفي الحكومة، ولو أنّ بري، حتى الآن، ومنذ ثلاثين عاما في الرئاسة الثانية، وخصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري، ما زال يتصرف بِوَحي ميزان إنقاذ وطني مطلوب من الجميع، لا بِوحي البحث عن أعذار لكمَال الإنهيار الوطني الذي يتحمل مسؤوليته الجميع، بما فيهم "التيار الحر" الذي يصدّق الصورة التي يعطيها عن نفسه أكثر مما يصدّقها شارعه!

 

فإذا لم يُجرِ باسيل مقاربات جدية وقاسية بينه وبين نفسه، في ضوء نتائج الانتخابات، وتحت مجهر النجاح والفشل الحقيقيّين لا المُرَكّبَين، فعبثاً يبني.. أو أننا سنكون، كل فترة، أمام "إفطارٍ" في حارة حريك يجعل خصمَ باسيل، عنده، في منزلة "الأصيل" بعد أن يكون قد أغرقه بالعبَث، وهناك يُغَنّى لهما "يا دارة دوري فينا/ ضلّي دوري فينا/ تا ينسوا أساميهن/ ونحفظ أسامينا /".

 

أسوأ ما في غالبية القوى السياسية، بعد الانتخابات، أنها تتحرّك على أساس انّ الانتخابات حصلت عندها ومعها، هي فقط، والانتخابات عند الآخرين كانت في بلد آخر!

theme::common.loader_icon