كمال جنبلاط .. وبرلمان المجانين
كمال جنبلاط .. وبرلمان المجانين
جوزف الهاشم
Friday, 13-May-2022 06:24

تنتهي للمجلس النيابي وِلايـةٌ، وتبدأ ولايـة وكأنّها تبدأ ولا تنتهي.

قبل أنْ تظهر نتائج الإنتخابات النيابية الصّاخبة، نرجو أنْ تكذّبنا التوقّعات، فلا يبقى النوابُ نواباً والحكّامُ حكّاماً يستحمّون بالماءِ نفسهِ مـرّةً بعد مـرّة، فلا تغييـر ولا إصلاح... ولا لبـنان.

كيف يستطيع الشعب أنْ يمارس حقَّـهُ في «التحقيق الجنائي» النيابي، إذا ما استمرَّت القاعدة السائدة: «مَـنْ خلَّـف ما مـات» واستمرَّ اكتسابُ النفوذ بواسطة البنات في الرئاسات والقصور...؟

وكيف يمكن إنقاذ لبنان في ظـلِّ قانونٍ يكبِّـل حـريّةَ الإختيار، ويغلِّـف أصوات الإقتراع بطابـعٍ مذهبي حصري لتكريس ملوك الطوائف والأَفـراخِ الوارثـة...؟

في فرنسا، أوائل القـرنِ التاسع عشر لم يستطع الفيلسوف «جـان بـول سارتر» ومعـهُ عـددٌ من الكتّاب والأدباء، أنْ يجـد قاعدة للتجمّع الديمقراطي في ظـلِّ نظامٍ إنتخابي تهيمنُ فيه النزعة الدينية على العمل الحزبي، فكانت الماسونية تسيطر على الحزب الراديكالي الفرنسي، والبروتستانتّية على حزب المتزمّتين، والكاثوليكية على الأحزاب اليمينية، فأدَّت النزعات الحزبية الدينيّة إلى صراعات دمـوّية قاتلة.

على مـدى السنين الخوالي، ونحن نعيش وسط هذه الدوّامة المحمومة التي تفجّـرت عندنا حروبـاً ودماراً وانشقاقات، وصولاً إلى هذا الإنهيار الساحق، ولا ندري كيف ننـتَشلُ أنفسنا الغارقة في وُحـولِ المرارات والمعارك الساخنة.

ليس عندنا رئيسٌ يتجـرّأ على وصـفِ هذا الإنحطاط الوطني، كمثل ما وصَـف الرئيس الفرنسي «فنسان أوريول» الحالة المشابهة في فرنسا فقال: «لا حكومة، لا دولة في فرنسا، ومجلس الجمعية الوطنية (مجلس النواب) هو بيتٌ للمجانين».

كيف يمكن إذاً، محاسبة المجانين الذين جعلوا المصير الوطني يتصارع مع المخاطر والأزمات في سباق شيطاني نحو الجحيم...؟

إنْ لـم يكـنْ هناك حسابٌ في قانون الإنتخاب...

ولا حسابٌ في قانون القضاء...

ولا حسابٌ في قانون الضمير...

ولا خـوفٌ من يـوم الحساب السماوي...

فإنّ هناك حساباً من نـوعٍ آخـر يمارسه الشعب في الشارع، وحسابُ الشارع أقسى من حساب الشرع.

الشعبُ يعاقبهم، يلاحقهم، يتصدّى لهم في الأسواق والمجالس والنوادي والمعابد والمقاهي، يطردهم من حياته وساحاته، فلا يستطيع أحـدٌ منهم أن يخالط الناس إلاّ في حماية الدبابات.

لا... ليس الإنسان بلا ذكرى والناس بلا ذاكرة.

جاء في كتاب: «كمال جنبلاط التحدّي الكبير» (ص. 105).

في المـدة الأخيرة من حياته كان كمال جنبلاط يجمع مبالغ كبيرة وسط تكتُّـم شديد من أجل أنْ يـردّ إلى مجلس النواب مجموع ما نالَـهُ من تعويضات نيابية بسبب شعوره أنَّـهُ لـم يقـم بموجبات هذه النيابة، ولا تسمح لـه نفسه بأنْ ينال قرشاً واحداً بلا مقابل..».

إنّـه الخيار الأجدى أمام الذين نالوا تعويضات بلا مقابل، والذين نهبوا أموال الشعب حرامـاً، بأنْ يتحلّوا بنزاهة كمال جنبلاط النيابية.

فإنْ هـمُ فعلوا، فقد ينقذون أنفسهم، ويستطيعون التنقّل بين الناس والتجوال في الساحات من دون حماية الدبابات.

theme::common.loader_icon