عاجل : رفع جلسة اللجان النيابية المشتركة
كيفية الانتخاب من المنظور النفسي!
كيفية الانتخاب من المنظور النفسي!
اخبار مباشرة
د. أنطوان الشرتوني
Monday, 09-May-2022 05:56

ينتظر جميع اللبنانيين الخامس عشر من شهر أيار 2022 للتوجّه إلى صناديق الاقتراع واختيار مجلسهم النيابي الذي يجب أن يشبه تطلعاتهم لمستقبل لبنان. وليس اللبنانيون فقط ينتظرون هذه الانتخابات، ولكن العالم أجمع يريد أن يعرف من سينتخب اللبناني، الذي يعاني وما زال، من السياسات الخاطئة والقرارات غير الموضوعية والزبائنية والطائفية والمخصصات السياسية والمذهبية والمناطقية...؟ وغيرها من الأمور التي سمّمت حياة اللبناني. ولكن هناك دائماً بريقاً من الأمل، خصوصاً أنّ جميع الدول عرفت ما الذي يحصل في لبنان، ودراسات جامعية خُصّصت كأبحاث عن السياسة اللبنانية. لذا ما هو الجوهر النفسي للانتخابات النيابية بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص؟ وكيف يمكن للبناني أن يختار من دون أي تبعية ومن دون خوف من المرشح، مما سيساعد لبنان في النهوض؟

أسبوعان يفصلاننا عن الانتخابات، حيث سيتوجّه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع للادلاء بصوتهم وانتخاب الممثل عنهم في البرلمان اللبناني الجديد. في الآونة الأخيرة، الجميع يتحدث عن الانتخابات النيابية ويتهيأ للاختيار المناسب. ولكن ومن دون شك، العامل النفسي يلعب دوراً أساسياً في هذا الاختيار. فليست فقط «صدقية» المرشح، وليس فقط «مشروعه الانتخابي» وليست فقط وعوده التي يمكن أن تبقى تمنيات، هي الكفيلة في اختياره من الشعب اللبناني.

 

إهتم علم النفس بالسياسة أيضاً. لذا نجد الكثير من المحللين النفسيين يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر مع السياسيين. فيحلّلون ويدرسون ويربطون المواقف السياسية، ثم يتمّ «تفسّيرها» نفسياً.

 

المُنْتُخِبْ والمُنْتُخَبْ واللعبة النفسية

 

ليكون السياسي، سياسياً ناجحاً، لا تكفي شهاداته الجامعية، بالرغم من انّها مهمّة وأساسية للتعامل السياسي. ولكن الصدقية واحترام الآخر، والتمتع بإلقاء جميل مع صوت واضح ومعرفة اختيار الكلمات المناسبة والقريبة من الشعب، وليس الكلمات الصعبة الغريبة في خطاباته السياسية... كل ذلك أساسي في المعترك السياسي عند من يريد أن يدخل هذا المعترك. وعندما نذكر كلمة «صدقية» لا يمكن أن تكون مخصّصة فقط لفئة معينة من اللبنانيين، ولكن يجب أن تكون موجهة لجميع اللبنانيين. لذا يلعب التكوين النفسي للمنتخب دوراً أساسياً في اختيار ممثليه. فالترابط الاجتماعي والعامل السياسي والانتماء الديني... كل ذلك يلعب دوره في هذا الاختيار، ولكن أيضاً التكوين النفسي للمُنتَخِب يدفعه لاختيار اللائحة مع الصوت التفضيلي... وليس غيرها. فشخصية المنتخب، تتفاعل حسب شخصية السياسي وبرنامجه الانتخابي.

 

فالسياسي الصادق، وبرنامجه الانتخابي الإصلاحي، يجذبان الشخصية الإيجابية والمتفائلة، والتي تنظر إلى الحياة من منظور متزن وهادئ. والجدير بالذكر، أنّ الإنسان يعرف ويشعر إذا هذا المنتخب كان صادقاً أم لا. ولكن للأسف بعض الأحيان يتوجّه إلى الإقتراع العديد من الأشخاص الذين «يستهيبون» هذه الفئة السياسية، وينتخبون الشخص كما طُلِبَ منهم من دون حتى أن يعرفوا شيئاً عنه.

 

والسياسي المبتسم والذي يتميز بالرصانة والهدوء، يجذب بسهولة المنتخبين، ولكن طبعاً هذه ليست قاعدة عامة. فنجد بعض السياسيين أصحاب الشخصية «المتهرّبة» (وهم قلائل خصوصاً في الانتخابات)، حيث يهربون من مواجهة الناس ولا يحبون الترحيب ولا الانتقاد، خوفاً من المحاسبة أو التجريح... لديهم المؤيدين الذين يدافعون عنهم وعن سياساتهم. وعادة منتخبو هذه الفئة من السياسيين، هم بحاجة دائمة للدعم وحب الآخر، كما يتمتعون بشخصية اعتمادية غير قادرة على اتخاذ أي قرار من دون مساعدة الآخر.

 

كما هناك المرشح الذي يسعى بشكل جميل لكسب أصوات «الشعب» من خلال شخصيته المنفتحة واستعمال تقنيات ذكية للتقرّب من الجميع. وطبعاً هذا السياسي ذكي جداً وعادة يتمتع بشخصية «قريبة إلى القلب» و»كاريزما» لا تضاهي منافسيه. وعادة يكون قريباً من «نبض الشارع» الشاب الذي يتوق للتغيّرات الجذرية في مجتمعه.

 

وشخصية السياسي الإيجابية، تؤثر على علاقاته السياسية، وتجعله سياسياً ناجحاً، يحقق بسهولة عمله ومسؤولياته. وهو عادة شخص يحترم القانون ويتقبّل التوجيهات والنصائح.

 

كما نجد العديد من الأشخاص، الذين ترشحوا للانتخابات النيابية، يتمتعون بشخصية صريحة، وهي من أهم الصفات لنجاح السياسي الذي يعبّر عن وجهة نظره بشكل واضح وسليم بعيداً من سياسات «ما تحت الطاولة» والمؤامرات. فضلاً عن السياسي الكتوم، الذي لا يتحدث كثيراً، بل هو مستمع للآخرين ولحاجاتهم. ويسعى هذا السياسي في الانتخابات، أن يستوعب كل الافكار ويساعد منتخبيه قدر الإمكان وحسب قدراته.

 

كما هناك الشخص الذي يسعى إلى ربح المعركة الإنتخابية بفضل تواضعه الطبيعي (وليس المفتعل). فالتواضع مفتاح أساسي لكسب أصوات الشعب (والعكس صحيح). كما السياسي، ما بعد إنتخابه، يجب أن يتحلى بهذه الصفة، ولا يبعد المسافة بينه وبين الشعب.

 

وأخيراً، عندما يشدنا بعض السياسيين للإستماع لحديثهم الشيق بسبب شخصيتهم و«الكاريزما» التي يتمتعون بها، يجب الإصغاء أيضاً لمنطقهم وتسلسل أفكارهم والإنتباه على طريقة تعاملهم مع الآخرين خلال الإجتماعات النيابية. ولكن الكاريزما تلعب دوراً اساسياً لكل سياسي لكي يكون ناجحاً في عمله. فكم من السياسيين، بالرغم من «منطق» حديثهم، لا يمكن تحمّلهم أكثر من دقيقة على التلفاز بسبب طريقة كلامهم و«ثقل دمهم». فهذه لعبة الكاريزما التي يجب أن يتمتع بها كل سياسي لكي يكون محبوباً من جميع الشعب، وليس من طرف واحد فقط.

 

إنتخبوا بعقلكم وليس بقلبكم!

 

كثير من اللبنانيين سيتوجّهون في الخامس عشر من ايار لانتخاب ممثليهم في المجلس النيابي، تاركين في منازلهم «عقلهم» ومستسلمين بشكل مطلق لقلبهم. لهؤلاء أتوجّه وأقول لهم:

 

لانتخاب صح، المنتخب اللبناني يجب أن يحكّم عقله وليس فقط قلبه، ويختار الإنسان المناسب للمكان المناسب، ويطرح على نفسه السؤال التالي، قبل أن يختار: «هل هذا السياسي، سيدافع بشكل موضوعي عن كل حقوقي خصوصاً انّ اللبناني أصبح على حافة الفقر؟». ربما البعض، يعتبر انّ الاختيار الصحيح لمرشح للانتخابات النيابية، يجب أن يكون اختياراً موضوعياً «علمياً» ودقيقاً... ولكن هناك أسباباً كثيرة تتداخل في لعبة الانتخابات وتشجع هذا المرشح وليس آخر، وهذا نجده عند السياسي الذي يعرف أن يلعب على الكلام.

 

لذا عند الاختيار، فكروا جيداً بأولادكم وبمستقبلهم، وحاولوا اختيار المرشح «الحقيقي» مع إلغاء تام للمشاعر وخصوصاً الخوف. فخلال الانتخابات، لا يوجد أحد خلف الستارة إلّا أنت! أنت فقط! ولا أحد يعرف من ستختار! لذا فليكن إختيارك ناضجاً وصحيحاً.

theme::common.loader_icon