الدبلوماسية المطلوبة لخلاصنا من المأزق القاتل
الدبلوماسية المطلوبة لخلاصنا من المأزق القاتل
Monday, 24-Jan-2022 06:42
يؤكّد العلم السياسي أنّ الدبلوماسية الصادقة والفاعلة تجمع بين المسألتين التنظيمية والعملية في الحقل الدبلوماسي، وتُبرز مفهوم الدبلوماسية السليمة وأدواتها المتعدّدة الجوانب من جهة أخرى.
 

في كل بحث أكاديمي تكون المرجعية نصيّة قطعية الدلالة، وهي فعلياً إحتمالية الدلالة والثبوت. والواقع العملي يُثبِتْ بناءً على العلم، أنّ الدبلوماسية عين السياسة الفاعلة التي تعمل وفق أطر معيّنة لإيجاد مخارج لأزمات تلد تباعاً. عملياً واستناداً إلى علم السياسة، الدبلوماسية تعني عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول أو بين أفرقاء داخليين، في غمار إدارتها للعلاقات التي ربما تكون دولية - إقليمية - محلية، ومن أجمل ما ورد في توصيف الدبلوماسية «هي فن الحصول على الممكن بدلاً من إنتظار مستحيل سيئ».

 

كما يؤشر علم السياسة إلى العديد من الأدوار الهامة في العلاقات الدبلوماسية، وأبرزها دورها الهام لصنّاع القرار لتسويغ أفكارهم وقراراتهم، وإقناع الآخرين بها، في إطار حركة التفاعل الدولي، وهذا الأمر ينطبق على داخل متعثِّرْ سياسياً. إنّ الدبلوماسية هي الأداة الأولى لأي مرجعية معنيّة بممارسة التفاوض، والتي يستخدمها لتقريب وجهات النظر والتوفيق، إمّا بين مصالح البلدين أو بين مصالح الأفرقاء المتخاصمين. والدبلوماسية وسيلة هامّة لتحقيق السلام في حركتي تفاعل المجتمعات داخلياً وخارجياً، وهي تدخل في إطار مذهب مثالي يعتمد على الأخلاق والقانون، والتي تتفاءل ببناء عالم داخلي وإقليمي ودولي خالٍ من أي نزاع.

 

يذكر «Clovis1» ما يلي: «يجب على السياسة أن تعرف الوسيلة التي تريد أن تستعملها»، فالدبلوماسية هي آلة السياسة الصادقة والمتنوّرة، ودائماً السياسة بحاجة إلى الدبلوماسية للوصول إلى المبتغى القانوني الشرعي. ولتحقيق أهداف السياسة السليمة تعتمد الدبلوماسية على مجموعة من الوسائل الأكثر سلميّة، تضعها الدولة التي تُشرف حُكماً على هذه السياسة بموجب دستورها. وتسعى الدولة من خلال الوسائل الدبلوماسية السليمة والصادقة، إلى تحقيق إستراتيجيتها وإيجاد حلول لمشاكل تعترضها، إمّا داخلياً أو إقليمياً أو دولياً... تُعتبر الدبلوماسية من المؤسسات التي تستجيب للمتغيّرات وتتأقلم معها مجموعات فعّالة، وتعّد الدبلوماسية ذات أهمية في عالمنا هذا، وقد أقرّت مراجعة الدبلوماسية والتنمية التي تُجرى كل 4 سنوات، أنّ «المشهد الدولي في هذه الأيام أكثر تعقيدًا من ذي قبل»، وذكرت ثلاثة إجراءات من الجهود الرامية لتعزيز الإبتكار اللازم لمواجهة هذه التحدّيات: «دعم حل للمشكلات بأسلوب إبتكاري» و»إضفاء الطابع المؤسسي على السياسات لتشجيع الإبتكار في أثناء إدارة المخاطر» و»إستنباط الدروس المستفادة ونقلها».

 

كيف نستطيع أنْ نُبدعْ عملاً دبلوماسياً منتجاً؟ لهذا السؤال إستدراج للعديد من الأسئلة التي من المفترض إلقاء الضوء عليها في ما يتعلّق بالممارسة الدبلوماسية الفُضلى، وعليه يُطرح السؤال الأول، كيف يُباشر الدبلوماسي جهوده المستفادة، وكيف يُفعِّلُها لصالح الخير العام؟ السؤال الثاني، كيف يضمن الدبلوماسي شمولية تلك الجهود، وما هي المعايير التي يعتمدها على صدقية المعلومة وخلوِّها من الأمر غير المناسب؟ السؤال الثالث، ما هي الأساليب التي يعتمد عليها الدبلوماسي في بحثة وفي تقييمه للجهد، سواء أكان مثمراً أم لا؟ السؤال الرابع، ما هي الكيانات التنظيمية التي يعتمدها الدبلوماسي لكي تُصبح جهوده أكثر فعالية؟ السؤال الخامس، ما هي المنهجية لإتمام إدارة الجهود المدروسة للإستفادة منها ومراقبة الأسلوب المُتّبَعْ لدى فريق التفاوض، والأولويات التنظيمية والممارسات التي تدعم الجهود المبذولة تداركًا لأي خطأ محتمل؟ إنّ الممارسات الفُضلى في العمل الدبلوماسي تختلف إختلافاً شاسعاً في الكثير من الأحيان، وهي ترتكز بناءً على الرؤية أو النهج الإستراتيجي الذي يختاره فريق دبلوماسي ما، والتوّصل إلى أنّ مسألة الرؤية والنهج أهم بكثير ممّا إذا كان العمل الدبلوماسي داخلياً أو دولياً، حيث يمكن لأي دبلوماسي أن يعتمد على ثلاث طرُق إستراتيجية تُلخّص على الشكل التالي:

 

أولاً، إتقانه إدارة عمله الدبلوماسي بشكل شفّاف ودقيق ومُتابع لحظة بلحظة وعلى كافة المستويات.

 

ثانياً: منهجية العمل المؤسساتي الموّحد على جميع المستويات بقيادة واحدة، بإعتبار الجميع جزءاً لا يتجزأ من مسؤولياتهم اليومية.

 

ثالثاً: وضع الإستراتيجية المؤسساتية لإكتساب الحقائق ومعرفتها بشكل دقيق، وإيجاد المخارج المتاحة. إنّ العمل الدبلوماسي يعتبر أنّ التخطيط الإستراتيجي المُمارس يضع حداً لتحديد الأحداث القابلة وتحديد توقيت الإجراءات للخطوات المنوي سلوكها. إضافةً إلى ذلك، فإنّ العمل الدبلوماسي الرصين يُساعد أيضًا في أن يَصُّبْ تركيز الجهد على المشكلات الرئيسية، وبمقدور هذا العمل تعزيز مشاركة أصحاب المناصب القيادية وأصحاب الشأن أثناء المراحل الأولية لخارطة طريق دبلوماسية مستفادة ومنظّمة، حيث يتبنّى الدبلوماسي مجموعة من المؤشرات للوقوف على الأحداث والحالات التي قد تطرأ.

 

من خلال البحث الأكاديمي للعمل الدبلوماسي، التطرّق للخطط السنوية في شأن عملية ما، حيث يتمّ تناول الأولويات والأهداف المستقبلية وأوجه الضعف المكتشفة في عملية البحث عن مخرج ما، كما على أي دبلوماسي تحديد وجود فجوات معرفية وإعتمادها في الجوانب المهمّة من مهمّته، حيث من المفترض أن يركّز على السلوكيات أو التكتيكيات التي كانت ناجحة أو مُسبِّبَة للأحداث أو المشاكل أو العوائق، بدلاً من التركيز على مراجع ربما تكون السبب في حدوث مشكل ما. تمثل طريقة عمل الدبلوماسي إحدى نقاط القوة لمراجعات ما بعد العمل في أنّها تسمح له وللمنخرطين معه مباشرة في حدث ما، بفرصة التفكير في كل وجه من أوجه النجاح والفشل على حدٍ سواء، وتحديدها في بيئة شاملة متراصة وخالية من الفشل واللوم، مع قواعد أساسية مرسخة للحدّ من أي فشل قد يطرأ.

 

المطلوب اليوم دبلوماسية لبنانية مُعارِضة، تنفِّذ مهام دبلوماسية تحت إشراف ومتابعة إخصائيين في علم السياسة، وما يندرج منه من علوم، والمساعدة في أعمال التنسيق والتواصل مع عواصم القرار والجهات والهيئات المحلية، والمشاركة في تنفيذ المهام والأنشطة الدبلوماسية، من أجل سلامة الجمهورية اللبنانية. كما يتطّلب عمل هذه الدبلوماسية العديد من الخطوات يمكن حصرها إستثنائياً بما يلي:

 

1- القيام بمهام دبلوماسية على المستويين العربي والدولي، بما يشمل جمع البيانات وتحليلها وإعداد المشاريع الأوليّة للمخلصات والتقارير وغيرها من الأنشطة السياسية الأساسية في العمل الدبلوماسي.

 

2- القيام بمهام متنوعة وفقًا لتوجيهات وتعليمات الهيئة الدبلوماسية المحلية، بما لا يتعارض مع القوانين اللبنانية المرعية الإجراء وقواعد وأسُسْ البروتوكولات المعمول بها بين الدول، أي دونما تعكير العلاقات اللبنانية الدولية والإقليمية.

 

3- المساعدة في أعمال التنسيق والتواصل مع البعثات الدولية وتنسيق اللقاءات بناءً على التوجيهات الصادرة من المعارضة اللبنانية.

 

4- التمسُّك بالإتفاقات والقرارات الدولية الصادرة بشأن الجمهورية اللبنانية، وضمان الإلتزام التام ببنودها وآلية تنفيذها بعد طول إنتظار وحتى مماطلة.

 

بما أنّ العمل الدبلوماسي هو من الوظائف الحيوّية لدى أي دولة، والذي يخضع للقوانين الداخلية وللقانون الدولي، وهو أداة تنفيذ للسياسة العامة للدولة على المستوى الخارجي، لذا بات من الضروري قيام عمل دبلوماسي للتخلّص من المأزق القاتل في جمهوريتنا المحتضرة.

theme::common.loader_icon