لأ مش اقتصاد ريعي.. اقتصاد هدر ونهيب
لأ مش اقتصاد ريعي.. اقتصاد هدر ونهيب
فادي عبود
Saturday, 22-Jan-2022 06:23

الاقتصاد الريعي عبارة تُستعمل في لبنان في غير محلها، في الاساس تعبير الدولة الريعية أو اقتصاد الريع، هو «مصطلح في العلوم السياسية والعلاقات الدولية يشير إلى الدولة التي تستمد كل إيراداتها الوطنية أو جزء كبير منها عن طريق تأجير الموارد المحلية لعملاء خارجيين، وقد استخدم مصطلح الدولة الريعية منذ القرن العشرين للإشارة إلى الدول الغنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، بحيث تستحوذ السلطة الحاكمة على هذا المصدر وتحتكر مشروعية امتلاكه وتوزيعه وبيعه» (الموسوعة السياسية).

 

اما في لبنان فاستعملت العبارة بهدف شيطنة المصارف ودورها في النمو الاقتصادي، حيث تحول معنى الاقتصاد الريعي الى انه وضع الاموال في المصارف والاستفادة من الفوائد من دون القيام بعمل منتج. وبدأت محاولات إقناع الناس بأن النظام المصرفي غير ضروري وحجمه الحالي مضخّم وانطلقت المطالبات بخفض عدد المصارف في لبنان، وهناك من يطالب بتقليص عدد المصارف الى خمسة فقط.

 

هذه الافكار خطيرة وتلعب دورا سلبيا على مستقبل الاقتصاد اللبناني، فالنظام المصرفي يلعب دورًا مهمًا في عالم الاقتصاد الحديث وهو المحفز الرئيسي لحركة الاستثمار والانتاج اذا قامت المصارف بدورها بفعالية ومن دون تلاعب. والدول التي حققت نمواً اقتصادياً لافتاً، لعب القطاع المصرفي دورا اساسيا في نموها، مثلاً سنغافورة التي يعمل فيها أكثر من 200 مصرف، مع إجمالي أصول القطاع المصرفي التي تقدر قيمتها بنحو 2 تريليون دولار أميركي اعتبارًا من عام 2019 ( Corporate Finance Institute).

 

اذاً، دور المصارف اساسي، فهي تقوم بجمع المدّخرات من الأفراد وإقراضها لرجال الأعمال والمنتجين، فليس كل من يملك اموالاً قادر على القيام بمشروع انتاجي ناجح، ولذلك يلجأ الى المصارف ليودع امواله فيها، في هذه الحالة عليها ان تبحث عمّن يمكنهم الاستثمار لتحقيق ارباح تكفي لأنفسهم، وللمصارف والمودعين.

 

يُضاف الى ذلك دور مهم للمصرف المركزي الذي بالاضافة الى دوره في إصدار العملة والمحافظة على الاستقرار النقدي وتنظيم عمليات نقل الأموال، يقوم بالحفاظ على سلامة القطاع المصرفي ومراقبته وتحديد قوانينه والحرص على عدم انحراف عمل المصارف، والاهم ان يعمل بشفافية مطلقة.

 

اما ما حصل في لبنان فهو مناقض لما ذكرناه، وهو ليس اقتصاداً ريعياً بل عملية نهب وهدر منظمة، فالمصارف تحت قيادة مصرف لبنان المركزي لم توظّف الاموال في مشاريع انتاجية استثمارية الا بنسبة مخفضة، بل أقرضت الدولة واشترت سندات الخزينة وبات واضحاً ان هذه السياسة كانت تهدف الى خلق دين عام ضخم لا يمكن سداده، وبالتالي افلاس البلد كما حصل. وبدل من ان يراقب المصرف المركزي عمل المصارف ويوجّه عملها، حدث تواطؤ بين الطرفين للاستيلاء على ودائع الناس.

 

واختفت الأموال، وما زالوا مصرّين على ان لا يطلعونا على الارقام، ويحرص جميع المسؤولين على عدم كشفها، وهذا دليل واضح على ان ما حصل هو هدر وسوء أمانة، على الجميع كشف كل أوراقهم، من المصرف المركزي الى كافة الوزارات والادارات والمصارف باستثناء المصارف التي تتعهّد بإرجاع اموال الناس لأن الاموال التي اختفت هي اموال الناس وعدم كشف الاوراق هو اجرام.

 

علينا ان نعرف الحقيقة الكاملة عبر الشفافية المطلقة، فلم نعد نصدق كلمة ممّا يقال لنا، لقد فقدنا الثقة بالتصريحات والتطمينات، قبل وضع الحلول علينا تشخيص الوضع، وأي تشخيص او تفسير مبني على معلومات ناقصة هو سذاجة و«قلة عقل».

 

علينا ان نتذكر دائماً انه للانطلاق باقتصاد تنموي، لا يجوز شيطنة دور المصارف، فهذا تدمير للاقتصاد اللبناني ومن يروّج لذلك لا يريد للبنان ان يتطور، لذلك يجب استعادة الثقة والحفاظ على سلامة المصارف اللبنانية والتي كانت تشكِّل جزءا لا يستهان به من الدخل القومي للبلاد وإعادة توجيهها نحو دور إيجابي في الاقتصاد، والاهم ان تلعب دورها الاساسي في تحفيز الانتاج والاستثمار.

 

وقبل كل شيء نحن في حاجة الى الشفافية، الى الشفافية قبل اي خطة، الشفافية قبل طرح اي حلول.

theme::common.loader_icon