من أكثر العادات المتداولة خلال فصل الخريف وخصوصاً في فصل الشتاء هي تناول الطعام. فبسبب الجو السيئ، والحاجة إلى الطاقة لكي يبقى الجسم دافئاً ولا تقل حرارته عن 37 درجة، يلجأ الإنسان الى تناول الطعام مع شعور دائم بالجوع. ولكن أيضاً لهذا الجوع تفسيرات نفسية علمية، توضح لماذا الإنسان، في كل أقطار العالم، يلجأ للطعام في الجو البارد. هل هو تعويض عن نقص التفاعل الإجتماعي؟ أو الإقبال على تناول الطعام هو طريقة فعّالة لتخفيف القلق أو الإكتئاب الذي يصيب الكثير من الأشخاص خلال فصل الخريف أو الشتاء؟
من منّا لا يحب الطعام؟! فالطعام هو حاجة أساسية وفزيولوجية للإستمرارية لحياة كل إنسان. كما يمكن أن يكون الطعام تعويضاً عاطفياً للشخص الذي يأكل وبشكل مستمر جميع أنواع الاطباق. فالكثير من الأشخاص يستسلمون لتناول كميات كبيرة من الطعام للتعويض العاطفي. أو حتى بعض الأهالي يقدّمون الطعام بشكل متكرّر، وهو نوع من التعويض العاطفي. فخلال عملية «بلع» تلك الكميات الكبيرة من الطعام، يشعر الشخص بأنّه يعوّض عن شيء لا يمكن الحصول عليهن أو شيء صعب أن يحصل عليه، خصوصاً إذا كان يمرّ بمرحلة عاطفية صعبة أو نقص عاطفي.
أطباق .. أطباق.. وأطباق
في جميع مراحل نمو الإنسان، يبدي إهتماماً واسعاً بالطعام. فمنذ الطفولة المبكرة، تتبلّور العلاقة ما بين الطفل والأم خلال وقت تناول الطعام. أما في فترة المراهقة، يهتم أيضاً الشاب أو الصبية بالطعام، فيما يصبحان أكثر دقة في إختيار نوعيته، خصوصاً خلال هذه الفترة حيث ينصبّ إهتمام المراهق بشكله الخارجي، لذا ينحو الطعام نحو طابع النمو الجسدي والجمال الجسدي في تلك المرحلة العمرية الدقيقة. لذلك نرى أنّ معظم إضطرابات الطعام مثل الأنوريكسيا أو البوليميا أو غيرها يمكن أن تظهر خلال مرحلة المراهقة. أما في مرحلة الرشد، فالطعام يصبح حاجة اساسية وملحّة لكل شخص يهتم ليس فقط بنوعية الطعام بل بالكمية أيضاً. أمّا في مرحلة الشيخوخة، فتختلف نظرة المسن للطعام التي تصبح حاجة يومية للإستمرار على قيد الحياة. وفي جميع هذه المراحل العمرية تختلف كمية الطعام بإختلاف الراحة النفسية (أو لا) للإنسان.
وخلال الطقس البارد، تجتمع العائلة مع بعضها البعض، وتبدأ بتناول الطعام دون توقف، وكأنّه يصبح معدياً ما بين مختلف أفراد العائلة. وهناك بعض النقاط التي يجب أخذها في الإعتبار خلال تناول الطعام ومنها:
أولاً، طلب المساعدة من أفراد العائلة في تحضير بعض الأطباق البسيطة كالسلطة مثلاً، هو نوع من النشاط الذي يشارك فيه أفراد العائلة كلها.
ثانياً، يجب أن يكون وقت الطعام، فترة للإستمتاع بلذة الأطباق، لذا علينا الإبتعاد عن المشاجرات والصراخ والتأنيب خلال الوجبة.
ثالثاً، يمكن للأهل وضع موسيقى هادئة خلال الغداء، أو إدخال جو من المرح أثناء تناول الطعام من خلال طرح الاسئلة والنكت. كما يمكن تخصيص مرة أو مرتين في الشهر، للغداء خارج البيت (في مطعم أو في حديقة عامة، أو حتى في غابة...).
رابعاً، الإبتعاد عن التكنولوجيا خلال تناول الطعام. لذا من المفترض على جميع أفراد العائلة مهما كانت إنشغالاتهم، الإبتعاد خلال مشاركة الطعام مع العائلة عن أجهزة الهواتف الخليوية وألعابها والجرائد والأيباد وكل أنواع وأشكال التكنولوجيا، والتفرّغ لشيء واحد وهو الحوار مع الأبناء.
الطعام والحالة النفسية.
تناول الطعام يؤثر تأثيراً مباشراً على الحالة النفسية والعكس صحيح. فكم من أشخاص يشعرون بمشاعر سلبية، لكن عندما يتناولون طبقاً يحبونه، تختفي أعراض تلك المشاعر السلبية. كما العديد منّا، عندما يشعرون بالقلق أو بالإكتئاب، يتوقفون عن تناول الطعام (أو العكس) بسبب حالتهم النفسية. لذا هناك ترابط وثيق ما بين تناول الطعام والحالة النفسية. وأهمية تناول الطعام ضمن الأسرة في فترة الطقس البارد يمكن أن نختصرها بالنقاط التالية:
- إلتقاء بين جميع أفراد العائلة ومشاركة الأفكار والمشاعر ضمن مختلف أفرادها.
- مشاركة الطعام مع أفراد العائلة تحقق نوعاً من الإستقرار النفسي والعاطفي لجميع الأفراد، خصوصاً في هذه الفترة التي يشعر فيها الجميع بالقلق.
- تقوية العلاقات ما بين كل أفراد العائلة من خلال مناقشة قرارات مهمة بين الوالدين والأولاد.
- تعليم بعض مزايا وسلوكيات المجتمع للأولاد: آداب المائدة، إحترام الصمت خلال الأكل، المضغ بشكل سليم...
- مشاركة الطعام مع العائلة تعزز مفاهيم إجتماعية: كحب الآخر وإحترامه وتقديم المساعدة لمحتاجين، ومشاركة الإخوة والأخوات الطعام...
- خلال مشاركة الأهل مع أطفالهم الغداء، يتعرف الوالدان على نفور أطفالهم الغذائية، وتعديل هذا التصرف بعادة صحية مقبولة.