يُنتظر ان تحرّك مهلة الاسبوع التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري للمعنيين، مياه التأليف الحكومي الراكدة، خصوصاً أنّها جاءت وكأنّها مهلة اخيرة قد يكون لها ما بعدها. فإما تأليف، فتسلك الحكومة مسارها الدستوري، وإما اعتذار، فيذهب البلد بكل استحقاقاته الى حكومة تصريف الاعمال، خصوصاً إذا لم تنجح المساعي الجارية في غير اتجاه لتذليل العِقد التي تعترض الولادة الحكومية. علماً أنّ جملة المواقف التي أعلنها بري ستكون لها تفاعلاتها في مختلف الاوساط السياسية، خصوصاً أنّها جاءت معطوفة على مجموعة المبادرات التي أطلقها منذ سنة الى الآن، وكان جوهرها تأليف حكومة لا ثلث معطّلا فيها لأحد. فيما شاع أمس انّ وساطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم المكوكية، بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي «حققت تقدّماً»، يُنتظر أن تتبلور طبيعته خلال الساعات المقبلة، في وقت أكّد البعض انّ اللقاء 14 المرتقب بين الرجلين قد يكون الأخير تأليفاً او اعتذاراً..
وعلى خط الملف الحكومي، فإنّ هذا الاسبوع بحسب مصدر رفيع متابع لهذا الملف، يفترض ان يتبين فيه الخيط الاسود من الابيض لجهة إخراج التشكيلة الوزارية من حالة المراوحة و«الفيتوات المتبادلة»، فإما إحداث خرق كبير يعمل عليه حالياً اللواء ابراهيم بين عون وميقاتي، وإما الجنوح اكثر في اتجاه الاعتذار، مع العلم انّ شهر ايلول، وفي الحسابات الإنهيارية، أعطى بحسب المصدر، مهلة اضافية للعب الاوراق، مؤكّداً انّ التفاوض يحصل مباشرة بين عون وبين ميقاتي، الذي يعمل تحت سقف ضوابط رؤساء الحكومات السابقين ولا سيما منهم الرئيس سعد الحريري، لكن هامش التفاوض هو ملك يديه. وقال المصدر لـ«الجمهورية»، انّ ترشيح اسم ريتا كرم لوزارة العدل الذي طرحه رئيس الجمهورية أخيراً، رُفضه الرئيس المكلّف وفريقه السياسي ومعظم القوى السياسية، كونها من المقرّبين الى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «خصّ نصّ».
واضاف المصدر: «حتى وزارة الداخلية لم تُحسم بعد، فاللواء إبراهيم بصبوص أعلن موقفه أنّه لا يريد هذا المنصب، كذلك يلمّح المرشح للداخلية اللواء مروان زين الى أخذ موقف بصبوص نفسه، والاسم الجديد الذي طرحه عون في اللقاء الاخير وهو العميد محمد الحسن، لم يوافق عليه ميقاتي بتاتاً للاسباب نفسها، من أنّه ليس مقرّباً وإنما عونياً بامتياز».
ورأى المصدر انّ لعبة الاسماء التي يلعبها باسيل، والتي اراد منها السيطرة على اكثر من ثلث الحكومة عبر مقرّبين جداً له، لن يوافق عليها ميقاتي تحت اي ضغط، ومن هنا فإنّ مهمة اللواء ابراهيم الذي يعمل بقوة لتقريب وجهات النظر والتوصل الى تسويات، قد ارتضى مجدداً خوض مهمة صعبة، ستكشف حتماً حسن نيات الفريقين وقرارهما في شأن تشكيل الحكومة أو نكون من جديد امام لعبة شراء الوقت».
خطوات عملية
وفي رواية أخرى، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ مبادرة اللواء ابراهيم «أنجزت خطوات عملية ونقلت التشكيلة الحكومية المنتظرة من واد الى اخرى، بعدما تلاحقت فكفكة العِقد المتصلة بعدد من الحقائب، وسقطت اسماء من الغربال الحكومي وحضرت أسماء أخرى.
ونشط ابراهيم أمس على خط عون ـ ميقاتي، فزار الاول في ساعة مبكرة قبل ان يزور الثاني ويعود الى قصر بعبدا قبيل الظهر ثم يزور الرئيس المكلّف عصراً، حاملاً التعديلات والاقتراحات الجديدة.
تزامناً كُشف عن حركة مشاورات في الساعات الـ 48 الماضية قام بها النائب علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ما بين عين التينة ومبنى «البلاتينيوم»، حيث يقطن ميقاتي، قبل ان يتمّ الربط بين ما حمله من اقتراحات وما كشف عنه بري، بضرورة توليد الحكومة قبل نهاية الأسبوع الجاري.
أسماء بدل أخرى
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ الاتصالات الاخيرة فكّكت عددًا من العِقد الحكومية، فأبقت بعضاً مما هو مطروح من اسماء في التشكيلة الحكومية الاخيرة، كما اقترحها عون وميقاتي، وأعادت توزيع بعض الحقائب وأبقت القديم على قدمه، وهو ما يمكن الإشارة إليه بالتفاصيل الآتية:
- الإبقاء على الدكتور سعادة الشامي نائباً لرئيس الحكومة بلا حقيبة، كما قالت تشكيلة ميقاتي، وغاب اسم مروان ابو فاضل وعاد اقتراح عون العميد موريس سليم لوزارة الدفاع.
- حلّ عقدتي وزارتي الداخلية والعدل، وبرز اسم القاضي الطرابلسي المتقاعد بسام مولوي لوزارة الداخلية، من لائحة ميقاتي الفضفاضة المقترحة لهذه الوزارة. وظهر فجأة اسم القاضية في مجلس شورى الدولة ريتا غنطوس كرم زوجة القاضي كلود كرم وابنة القاضي المتقاعد جورج غنطوس لوزارة العدل.
- إحتفظ تيار «المردة» بحقيبتي وزارتي الاتصالات والإعلام لكل من الوزيرين المارونيين الكسروانيين الصناعي جوني القرم والزميل جورج قرداحي، ولم تعد هناك عقدة في هذا الخصوص.
- سوّيت أزمة تقاسم حقيبتي وزارتي الشؤون الاجتماعية والاقتصاد على اساس ان يحتفظ السُنَّة بوزارة الاقتصاد كما أراد ميقاتي، وأُبقيت وزارة الشؤون الاجتماعية من حصة عون بإصرار منه. ولم يتأكّد إمكان اسناد الاولى للدكتور في الجامعة الاميركية ناصر ياسين، ان لم يُعيّن بوزارة البيئة أو التنمية الادارية، فيما تأكّد سقوط اسم ريمون طربيه الذي كان يريده عون من الثانية.
- حُلّت ازمة حقيبة الطاقة واحتفظ الدكتور وليد فياض بها بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية.
ردّ متأخّر
من جهة ثانية، وفي ردّ متأخّر على مضمون مقابلة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي قبل ايام عبر قناة «الحدث»، توقفت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا عند قول الرئيس المكلّف فيها «انّ رئيس الحكومة هو الذي يتعرّض للمحاسبة في مجلس النواب، وهو بالتالي المسؤول عن تشكيلها، وعليه اختيار الوزراء ليشاركوه المسؤولية». فرأت في هذا الكلام «تناقضاً ظاهراً لمواقف اخرى تنمّ عن شيء ما». وتساءلت هذه المصادر عبر «الجمهورية»: «إن كان الامر على هذا النحو، فلماذا شنّ رؤساء الحكومة السابقون في مسلسل بياناتهم الاخيرة، حملة على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووجّهوا وسائل الإعلام للتصويب في اتجاه العهد، وحمّلوه مسؤولية ما يجري. علماً انّ ميقاتي شارك في هذه الإجتماعات، ولا سيما الاجتماع الاخير الذي اصدر بياناً تعليقاً على مذكرة الإحضار التي أصدرها المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار».
وعليه، استطردت المصادر لتسأل: «لماذا، وكيف لا يحاسبون هم أنفسهم على ما ارتكبوه خلال وجودهم في المسؤولية، طالما انّ رؤساء الحكومة يكونون موضع مساءلة ومحاسبة كما قالوا في هذا البيان». وأضافت: «أليس في هذه المواقف من تناقض؟ ثم كيف يتجاهلون ما ورثه العهد من السنوات السابقة التي كان فيها هؤلاء الرؤساء في موقع المسؤولية على مدى ثلاثة عهود متتالية؟». وختمت: «من المستغرب حقاً تحميل المسؤولية لمن هو غير مسؤول وتجاهل المسؤول الحقيقي، كما فعل رؤساء الحكومة في بيانهم الأخير».
بري
في غضون ذلك، اطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلمة له في الذكرى الثالثة والأربعين لتغييب الإمام السيد موسى الصدر، جملة مواقف لافتة من الأزمة الحكومية ومجمل التطورات، فقال: «اننا أمام محاولة موصوفة لإختطاف لبنان وإسقاطه من الداخل». واضاف: «الوطن يحتضر أمامنا ولم يعد لدينا سوى العملية الجراحية، وهذا ممكن من خلال نصوص دستور الطائف، لنعكس تطلعات الشعب اللبناني ومستقبله الى الأمام:
اولاً، من خلال دوله مدنية، ليتأكّد اللبناني انّه مواطن في بلده، للطوائف الحق في وجودها وحقوقها من خلال مجلس شيوخ يشرّع لها وحدها. ثانياً، من خلال قانون للانتخابات النيابية دون عائق مناطقي او مذهبي، والاقتراع في اماكن السكن. ثالثاً، قضاء مستقل «اعطوني قاض وخذوا دولة». رابعاً، توحيد الضرائب على ان تكون تصاعدية. خامساً، إقرار الضمان الصحي والاجتماعي للجميع . واخيراً والآن، الإسراع في تأليف حكومة بيانها الوزاري الاصلاحات ومحاربة الفساد، هذا الكلام من السنة الماضية». وقال: «انّ وطناً لديه كل المقومات، ينبري البعض الى تقديم لبنان واللبنانيين بصورة العاجز والعاجزين عن إنجاز ابسط الاستحقاقات، وهو انجاز حكومة إلّا بالثلث المعطّل! «أهذه سياسة أم فيها مساسة».
ودعا بري الى «تنحية كل الخلافات مهما كانت أسبابها، والاسراع في تشكيل حكومة خلال هذا الأسبوع وليس أكثر، جدول اولوياتها تحرير اللبنانيين من طوابير الذلّ وأسر المحتكرين افراداً وكارتيلات ومن دون أثلاث معطلة»، وبالتوازي تفعيل عمل القضاء والاجهزة الامنية والرقابية لمكافحة الفساد وتجار الاسواق السوداء. وبالتوازي التأكيد والاستعداد والتحضير لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها».
وتساءل بري: «لمصلحة من يعود البعض الى سيرته الاولى عزفاً على وتر الفدرلة وسواها من طروحات، أقل ما يُقال فيها انّها محاولة لتشظية لبنان على محاور الانقسام الطائفي والمذهبي (...)؟ أي سياسة هذه التي أنهت نفسها بنفسها وأنهت السلطة التنفيذية والقضائية ولم تجرِ الانتخابات الفرعية لمجلس النواب، لكنها الحق الحق لم تنسَ إيقاف تعيين مأموري الاحراج، يمكن لأنّ جهنم ليست في حاجة الى مأموري أحراج؟». ولفت الى «اننا لن نكون شهود زور حيال حفلة الاعدام الجماعي التي يتعرّض لها اللبنانيون يومياً». وأضاف: «هناك جلسة للجان المشتركة غداً لمناقشة قانون انتخابات عصري خارج القيد الطائفي، يحقق شراكة الجميع في صناعة قيامة لبنان ويؤسس الى الدخول نحو الدولة المدنية».
وتطرّق بري الى سفن المحروقات الإيرانية، فقال: «لقد أثار البعض لأهداف فتنوية تساؤلات حول موقف حركة «أمل» من المساعدات التي قُدّمت إلى اللبنانيين من مشتقات نفطية عن طريق إيران أو غيرها من الدول الشقيقة، ونحن نقول للقاصي والداني أنّ حركة «أمل» التي كانت ولا تزال مبتدأ المقاومة وخبرها، لم تكن يوماً محرجة بأي موقف أو قرار تتخذه، ونحن لم نجد حرجاً بأي مساعدة تُقدّم للشعب من أجل تمكينه من مواجهة الظروف القاسية، وخصوصا من إيران أو سوريا أو مصر، وكل دعم مرحّب به من قبلنا إلّا من العدو الصهيوني فهو مرفوض بالمطلق».
مواقف
وفي جديد المواقف السياسية أمس، رأى تكتل «لبنان القوي» أنّ «لا مبرّر للتأخير في تأليف الحكومة بعد التسهيلات الكبيرة التي قدّمها رئيس الجمهورية، وفي ضوء الإيجابيات التي يُظهرها رئيس الحكومة المكلّف والتعاون القائم بينهما للاتفاق على تشكيلة تحترم الميثاق والدستور وتكون قادرة على وقف الانهيار واستنهاض الاقتصاد».
وأكّد التكتل، في بيان، إثر اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة باسيل، «ضرورة دعم الجيش اللبناني والقوى المسلّحة»، داعياً مجلس النواب الى «الإسراع في إصدار البطاقة التمويلية».
وفي موضوع الكهرباء، اعتبر التكتل أنّ «لا حلّ سوى بزيادة ساعات التغذية الكهربائية من خلال إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان الأموال اللازمة لشراء الفيول لتوليد الكهرباء، تزامناً مع وصول الفيول من العراق لكي يؤمنا معاً ساعات تغذية لا تقلّ عن 12 الى 16 ساعة يومياً». ورأى أنّه «من المعيب أن يكون لبنان قد فشل حتى الآن في اقرار قانون الكابيتال كونترول، علماً أنّه موجود في لجنة الإدارة والعدل منذ 7 حزيران الماضي».
الكتائب
وتوقف حزب الكتائب في إجتماع مكتبه السياسي «امام الانهيار الشامل للدولة وسقوط البلاد في نظام شريعة الغاب الذي يعطي الغلبة لقوى الأمر الواقع فيطبّقون شريعتهم كيفما يحلو لهم ولا يقيمون اعتباراً لا لقوانين ولا لدستور ويتركون للانهيار ان يأخذ مداه استعداداً للإطباق على البلاد، بعدما باتت سفينة بلا قبطان، فيما لا احد من هؤلاء الذين يعتبرون انفسهم مسؤولين يكلّف نفسه عناء التفكير بكيفية انهاء الذل الذي يعيشه اللبنانيون ويحصرون اهتمامهم بالكراسي والمناصب من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة ومجلس النواب». واعتبر «انّ كل ما نعيشه اليوم من ازمات متوالدة ليس سوى النتيجة المباشرة لتحلّل المؤسسات وتقاسم الدولة بين اركان المافيا والميليشيا، وفقاً للتسوية التي سلّمت مفاصل القرار لحزب الله ليطبّق اجندته ويقيم دولته الخاصة، فيسوق الدواء الايراني ويستورد المحروقات ويرشح شركات راعيه الايراني لاستخراج النفط، غير آبه بالعواقب الخطيرة المتأتية عن هكذا خطوة ستزيد من عزلة لبنان».
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس، حول مستجدات فيروس كورونا، تسجيل 1040 إصابة جديدة (1037 محلية و3 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 602266 اصابة. كذلك سجل 5 حالات وفاة ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 8053 حالة.
من جهته، واصل وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن دهم مستودعات الأدوية، فدهم مستودعاً في سد البوشرية ضمن حملة مكافحة احتكار الأدوية وحليب الأطفال، كذلك دهم مستودعا للأدوية المخزنة في تلة الخياط يرافقه عناصر من أمن الدولة، وقال: «للأسف فإنّ البعض لا يأبه لصحة الإنسان، ولديه نية الاتجار ولو على حساب صحة الناس». واضاف: «عثرنا خلال عملية الدهم على 6800 حبة من دواء مقطوع من المستشفيات كنا نبحث عنه بعد انفجار التليل لإسعاف المرضى»، داعياً القضاء إلى «اتخاذ الإجراءات الكفيلة لردع الأشخاص والمؤسسات التي تقوم باحتكار الأدوية».