لم تحمل عطلة نهاية الاسبوع أي تطور لافت على جبهة التأليف الحكومي، لكنّ الاتصالات متواصلة ولم تنقطع بين المعنيين، إلا انها لم تحقق بعد اي خرق ملموس. فالرئيس المكلف نجيب ميقاتي ينتظر أجوبة من عون على مسودة التشكيلة الحكومية التي سلمه ايّاها في اللقاء 13 بينهما. وفي المقابل ينتظر عون من ميقاتي أجوبة على الملاحظات التي أبداها حول هذه التشكيلة. واختصرت المصادر المواكبة للاتصالات مشهد التأليف بالتأكيد ان الاتصالات والاخذ والرد جاريَين بين المعنيين لكن لا جديد حتى الآن، وفي ضوء النتائج يمكن تحديد موعد للقاء الرابع عشر بينهما.
صحيح انّ ميقاتي أعلن أن الاعتذار عن تشكيل الحكومة غير وارد لديه حالياً، ولكنه في الوقت نفسه أخرجَ الماء من فمه للمرة الأولى منذ تكليفه قائلاً: «في كل اجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون نبدأ وكأننا في المربّع الأول، لكنني لا أقول كل شيء على الإعلام لكي لا أنشر الإحباط»، وما كَشفه كافٍ للدلالة على حجم الهوة القائمة والتعَثّر المتواصل وصعوبة تَوَقّع اي اختراق في ظل المناخ السائد. ولكن يبدو ان ميقاتي رغب في توجيه رسالة إلى عون مفادها انه لن يكون في وارد تغطية التَعثّر بتعميم مناخات تفاؤلية وهمية تُصرّ بعبدا على نشرها خلافا للواقع، الأمر الذي يَشي باعتماد الرئيس المكلّف من الآن فصاعداً طريقة جديدة في مقاربة التأليف مع رئيس الجمهورية.
ولم يكتف ميقاتي بهذه الرسالة، إنما أرفَقها برسالة أخرى اعتراضية على طريقة تأليف الحكومة، بقوله: «الرئيس المكلف يجب أن يكون له الدور الأول في تشكيل الحكومة لأنه المسؤول الأول أمام مجلس النواب والشعب»، وذلك بتقاطعٍ واضح مع بيان نادي رؤساء الحكومات الذي ركّز على هذا الجانب، ورفعَ السقف مُعترضاً على ورقة الإحضار التي أصدرها المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. واللافت على هذا المستوى تَمثّلَ بملاقاة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الاعتراض السني بتشديده على انّ «مذكّرة الجلب التي صدرت في حق الرئيس حسان دياب تؤكد كل الهواجس والثوابت التي تحدثنا عنها من قبل، وما قام به المحقق العدلي هو استِضعاف لرئيس الحكومة، وهذه التصرفات مرفوضة وغير مقبولة ونطالب الجهات القانونية بأن تتدخل لوَقف ما يقوم به المحقق العدلي، واذا كان القاضي البيطار يريد التحقيق مع رئيس الحكومة فلنعدّل الدستور».
هذا التقاطع في المواقف بين دار الافتاء ونادي رؤساء الحكومات من جهة، و»حزب الله» من جهة أخرى، يشكّل بدوره رسالة إلى رئيس الجمهورية مفادها انّ إدارته لملف التأليف لا تحظى بغطاء الحزب الذي ما زال حتى اللحظة يقف على الحياد بينه وبين الرئيس المكلّف، ولكنه لن يبقى طويلاً في هذا التَمَوضع في حال لم يسرع عون في مسار التأليف، لأنّ البلاد لم تعد تحتمل مزيداً من الفراغ.
وقد بات في حُكم الثابت والمؤكد بالنسبة إلى جميع المطّلعين على مسار تأليف الحكومة انّ العقد المتصلة بالحقائب والأسماء هي ثانوية، مقارنة مع العقدة الأساس المتمثّلة بالهدف الأول الذي يضعه العهد ويعتبره مدخلاً للتأليف وهو «الثلث المعطِّل»، الذي يتيح له الإمساك بمفاصل الحكومة والتحكّم بقراراتها تَحسُّباً لتَعذُّر إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2022، واستمرار الحكومة العتيدة إلى ما بعد انتهاء ولايته. ومن الثابت حتى اللحظة انّ العهد لم يتراجع عن هذا المطلب المُضمَر، لا تحت ضغط الأزمة المالية غير المسبوقة، ولا ضغط الشارع، ولا ضغط حليفه «حزب الله، ولا الضغوط الدولية. وبالتالي، إنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن عون ان يتراجع عن هدفه «الثلث المعطّل»؟ وماذا لو لم يتراجع فهل يمكن للرئيس المكلّف ان يسلِّم بهذا الثلث؟ وماذا لو رفض عون التراجع وميقاتي أيضاً، فأيّ مصير ينتظر لبنان؟
مكانَك راوح
أمّا في الملف الحكومي، فقد بقي الصمت يلفّ مختلف اللقاءات والاتصالات المفتوحة بين أكثر من قناة ووسيط من دون اي نتيجة نهائية توحي بإمكان توليد الحكومة في وقت قريب. وكشفت مصادر تواكب حركة الاتصالات انّ الصديق المشترك لكل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ميقاتي المحامي كارلوس ابو جودة لم يتوقف عن زياراته المكوكية بعد. واضافت لـ»الجمهورية» ان الاقتراحات المتبادلة ما زالت قاصرة عن معالجة بعض العقد الكبرى التي من الصعب تفكيكها بالنظر الى تَشبّث الطرفين بما يريدانه من التشكيلة الحكومية، الى درجة بات من الصعب توحيد الموقف بينهما منها.
ولفتت المصادر الى انّ تكرار الحديث عن العقد بات مملاً، فالملاحظات التي سجلتها بعبدا ما زالت على حالها، وهي تتصل بنيابة رئاسة الحكومة وحصة تيار»المردة» بحقيبتين مارونيتين لوزيرين كسروانيين، كما بالنسبة الى حقيبتي الشؤون الاجتماعية والاقتصاد العالقتين ما بين تبادلهما بين عون وميقاتي أو التوافق على اسمَي الوزيرين، كما بالنسبة الى حقيبة الطاقة التي بات من الصعب اختيار وزير متخصص وحيادي لها، كما قالت المبادرة الفرنسية.
وعلى هذه الخلفيات قالت المصادر عينها انّ مجموعة الاتصالات الدولية، ولا سيما منها الفرنسية، التي دخلت في كثير من التفاصيل لم تنفع حتى الساعة، وأن تذكيرها بما قالت به المبادرة الفرنسية بات كلاماً من الماضي بعدما تمادى الطبّاخون في توزيع الحصص والحقائب بطريقة تُبعِد عن الحكومة المقبلة ايّاً من الصفات التي كانوا قد تعهّدوا بتوفيرها.
وقالت اوساط مطلعة لـ»الجمهورية» ان عون يعتبر انّ من حقّه التدخل في الاسماء التي تعود إلى حصة ميقاتي والقوى السياسية، وإعطاء رأيه فيها جميعاً، تماماً كما أنّ الرئيس المكلف يتدخل في الاسماء العائدة الى حصة رئيس الجمهورية وفي أدق التفاصيل المتعلقة بها.
ولفتت الاوساط الى ان عون يبني موقفه على قاعدة الشراكة التي تستوجب ان تكون المعاملة بالمثل.
صمت ونفي مشترك
تزامناً، حافظت مصادر كل من عون وميقاتي على نسبة كبيرة من الصمت حول جديد الملف الحكومي لعجزهما عن تقديم اي جديد قد تحقق، ولكنهما التقيا على نَفي بعض الروايات التي تسربت حول طريقة التعاطي مع موكب رئيس الحكومة في قصر بعبدا ومنع سيارته الخاصة من التوقف قرب المدخل الرئيسي للقصر، كما بالنسبة الى مطلب عون من ميقاتي التعَهّد المسبق بإقالة 5 من الموظفين الموارنة الكبار في الدولة.
وفي الوقت الذي اعلن ميقاتي نفياً علنياً، كشفت مصادر عليمة لـ»الجمهورية» انّ التشكيك وارد في نفي الطرفين، وقالت ان بعضاً من معاوني رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كانوا وراء تسريب هذه المعلومات، في عملية جس نبض للرئيس المكلف رغم علمهم المُسبق باستحالة مثل هذه الخطوات في ظل الوضع القائم، والكثير من المعطيات التي تثبت العجز في المَس بموقع حاكم مصرف لبنان او قائد الجيش ورئيس مجلس القضاء الاعلى، وغيرهم في ظل الظروف الراهنة.
مواقف
وفي جديد المواقف من التطورات الجارية، قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من الديمان أمس: «شعبنا ناقم على المسؤولين السياسيين، بل على كل السياسيين، لأنهم ما زالوا منشغلين بالتافه من الحصص والحسابات، فيما الشعب متروك فريسة الجوع والقهر والفقر والإذلال والهجرة؛ وناقمٌ عليهم لأنهم يعطّلون المتوافَر من الحلول السياسية والإقتصادية والمالية والتربوية والمعيشية، ولا يريدون أن يتصالحوا مع شعبهم؛ وناقمٌ عليهم لأنهم يصمون آذانهم عن سماع الذين، من أجل لبنان واللبنانيين، ينصحون ويرجون التوقف عن سياسة التدمير الذاتي، والإسراع في تشكيل حكومة إنقاذية تكون بمستوى التحديات، حيادية غير حزبية وغير فئوية، تتألف من ذوي كفاءات عالية، تثير أسماؤهم الإرتياح والأمل بحكومة ناجحة». ورأى انه «بات من واجب قادة البلاد والأحزاب والحراك الشعبي أن يتشاوروا في ما بينهم ويلتفوا من أجل اتخاذ القرارات الوطنية وتقرير الخطوات الضرورية لدفع الدولة إلى تغيير أدائها قبل الانهيار الكبير الذي لن يوفّر أحداً». ولاحَظ انّ «المداهمات التي قامت بها الأجهزة الأمنية أخيرا على مستودعات المحروقات ومخازن الأدوية ومخابئ الأغذية، تكشف أن الفساد ليس محصوراً في الطبقة السياسية، بل هو منتشر بكل أسف في المجتمع اللبناني». ودعا القضاء إلى «ملاحقة المحتكرين والمهربين بعيدا من الضغوط السياسية والطائفية والمذهبية. فكل مسؤول سياسي أو مالي أو أمني مهما علا شأنه يجب أن يُدان، بحسب الأصول، في أي قضية باسم العدالة الشاملة».
وإذ سأل الراعي: «أين أصبح التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟(...) وما هو مصير الاستدعاءات بحق نواب ووزراء ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية؟ قال: «نحن ضد تسييس التحقيق وتطييفه وتعطيله! نحن ضد استثناء أحد من الاستجواب، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية أعلن استعداده للمثول أمام قاضي التحقيق. نحن ضد تحويل قاضي التحقيق متهماً. نحن ضد تصفية حسابات سياسية على حساب أهالي الضحايا والشهداء. لقد اعتبر العالم جريمة المرفأ أكبر انفجار منذ هيروشيما، ونحن ما زلنا نتساجَل حول الحصانات. كل المرجعيات، كل القيادات، كل الأحزاب، من دون استثناء تحت القانون».
وسأل راعي أبرشية بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المتروبوليت الياس عودة، خلال قداس في كاتدرائية مار جاورجيوس في بيروت، «ألا تتحكّم شهوات عديدة بالزعماء والحكام؟ الكرسي والسلطة والمصالح والأموال وسواها؟». وقال: «مؤسف أننا نعيش في بلد يُذَلّ فيه الضعيف ويموت، فيما يستقوي الأقوياء بمن يغطّون سيئاتهم ويتغاضون عن جرائمهم، كالفساد والاحتكار والمتاجرة بأرزاق الناس (...) نأسف أن ينظر في بلدنا إلى أهل الضحايا على أنهم المجرمون، بينما القتلة الحقيقيون يسرحون ويمرحون ويتهربون من العدالة». وأضاف: «إن بلدنا يمر بما يمرّ به لأن الجميع يساومون على الحق وعلى كراماتهم وكرامة المواطن. لم تعد الحرية والديموقراطية في لبنان سوى كلمات فارغة، لأن الديموقراطية لا ترافق إلا النفس الحرة النبيلة التي تحترم الذات وتحترم الآخرين. هل تصدقون من يكلمكم عن الحق والعدل وهو يسرق حقوق الآخرين ويتاجر بأرواح الناس وممتلكاتهم؟ هل تحترمون من يحتكر الطعام والدواء والمحروقات ويمنعها عن المحتاجين من أجل جني الأرباح، أو من يعطل تشكيل حكومة نحن بأمسّ الحاجة إليها للخروج من المأزق، بسبب مصلحة أو مطلب؟ (...) وكيف لمواطن أن يصدّق مَّن انتخبهم لحماية مصالحه والنطق باسمه، فإذا بهم لا يفكرون إلا بمصالحهم ولا ينطقون إلا بالغش، محوّلين حياته جحيماً ومستقبله مجهولاً؟».
مغدوشة وعنقون
على صعيد آخر، واكبَ رئيس الجمهورية، بعيداً من الاعلام، التدابير العسكرية والأمنية التي اتخذتها وحدات الجيش في محيط بلدتي مغدوشة وعنقون، والاعتداءات التي تكررت في الساعات الـ 48 الماضية.
بري
وأفاد زوار عين التينة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يشعر بالغضب الشديد جراء الاشكالات التي وقعت بين هاتين البلدتين، مؤكداً رفع الغطاء عن كل متورط فيها، ومشددا على ضرورة اتخاذ أقصى الإجراءات الأمنية لضبط الوضع على الارض.
ووفق الزوار، اعتبر بري ان الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر فيه لبنان أدى إلى تفلّت الغرائز لدى البعض، مشيرا الى انّ تشكيل الحكومة اصبح اكثر من ضروري لوَقف التفلت والتفتت.
ومن جهته، تابعَ رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب الوضع في بلدتي مغدوشة وعنقون، وأجرى اتصالات بوزيرة الدفاع زينة عكر والقيادات العسكرية والأمنية لضبط الوضع وإنهاء التوتر.
وكانت بلدة مغدوشة قد شهدت أمس أجواء من التوتر، بعدما دخل عدد من شبان بلدة عنقون، عُنوة، أطراف منازل مغدوشة، وقاموا بضرب الاهالي وتكسير سيارات. وتصاعدت حدة التوتر بين البلدتين إثر دخول عناصر مخفر مغدوشة الى عنقون، بحثاً عن المعتدين في الاشكال الذي وقع في البلدة قبل يومين. كما عمد شبان من عنقون ظهراً الى قطع الطريق العام التي تربط بلدتهم ببلدة مغدوشة، وأحرقوا عددا من الاشجار.
وسجّل انتشار كثيف للجيش اللبناني في مغدوشة وعند مداخل بلدة عنقون، وأعاد الهدوء إلى البلدتين، فيما طلبَ كل من «حزب الله» وحركة «أمل» من الجيش التدخّل لِفضّ الإشكال بين هاتين البلدتين والسيطرة على الأرض، وتوقيف جميع المعتدين إلى أيّة جهة انتموا.
وبناء لتوجيهات بري، زار مفتي صور وجبل عامل المسؤول الثقافي المركزي في حركة أمل العلّامة الشيخ حسن عبدالله بلدة مغدوشة مساء، وعقد لقاء مع راعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي حداد في منزل النائب ميشال موسى في حضور رئيس بلدية مغدوشة رئيف يونان، وذلك في إطار تطويق الاشكالات التي حصلت بين البلدتين. وانتقل المجتمعون الى عنقون، والتقوا فعالياتها في النادي الحسيني للبلدة.
وفيما نشطت حركة الاجتماعات البلدية في مغدوشة لاتخاذ القرارات ووضع الإجراءات المناسبة في ضوء تطورات الأوضاع التي استجدّت بين البلدتين، دعا أهالي بلدة عنقون الجنوبية، الاجهزة الامنية الى ممارسة دورها بِتعقّب المتورطين في الاشكال بين بلدتهم ومغدوشة وتوقيفهم، وأوضحوا أنّ «الاشكال الذي حصل هو فردي».
ويترأس محافظ الجنوب منصور ضو في سرايا صيدا اليوم اجتماعاً لمجلس الأمن الفرعي، لمناقشة تطورات الأوضاع أمنياً ومعيشياً في الجنوب عموماً ومدينة صيدا خصوصاً.
وفد الكونغرس
من جهة ثانية، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» انّ بعبدا أنجَزت التحضيرات الجارية استعداداً لزيارة وفد من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، الذي سيصل الى بيروت منتصف الاسبوع الجاري في مهمة عاجلة تتركّز على متابعة توفير المساعدات الاميركية للجيش اللبناني التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الاخيرة بسبب الازمة النقدية والمالية التي تعانيها الدولة اللبنانية، والتي انعكست بنحوٍ خطير على هذه المؤسسة والقوى الامنية الاخرى التي تراهِن عليها الولايات المتحدة في ظل الشَلل الحكومي والإداري.
كورونا
صحيّاً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 1152 إصابة جديدة (1106 محلية و47 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 6000451. كذلك سجل التقرير 4 حالات وفاة ليرتفع عددها الإجمالي الى 8044.