رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
يجب النظر إلى موضوع الدعم وقراراته المشبوهة، إنطلاقاً من 3 محاور أساسية، وهي من الجهة التقنية والتنفيذية والسياسية. إنّ هذا الموضوع الشائك الذي يشغل كل اللبنانيين يوميّاً، هو بالحقيقة حرب نفسية (بسيكولوجية) مقصودة، وتُشنّ بغية ذل الشعب وكسر كل ما تبقّى من معنوياته وآماله وأحلامه. فالدعم أصبح هروباً إلى الأمام لكسب الوقت للسياسيين، ومن أجل تمييعه بالفعل.
من الجهة التقنية، على الجميع أن يعلم أنّ سياسة الدعم تتخذ بقرار مباشر من السلطة التنفيذية، أي من رئاسة الحكومة، بعد توصيات وزير المالية والوزراء المختصين في الحكومة.
إن قرار دعم بعض السلع الأساسية والضرورية يهدف في العادة إلى مساعدة الشعب أو دعم الإقتصاد وبعض القطاعات المنتجة، لا سيما في البلاد المُشابِهة للبنان، والتي تستورد جزءاً كبيراً من سلعها، وتعتمد على العملات الاجنبية لدورتها الإقتصادية.
لذا، إن الحكومات اللبنانية تتّبِع منذ عقود سياسة الدعم لبعض السلع الأساسية، مثل الدواء والوقود والطحين وغيرها. لكن في الوقت عينه وفي أي دولة تتبع سياسة الدعم المالي بالعملات الاجنبية، يجب أن يكون لديها سيولة بهذه العملات أيضاً، لكي تستطيع دفع متوجباتها، وليكون لديها القدرة على القيام بهذه السياسة النقدية.
نذكّر أن الدولة اللبنانية تطبع العملة الوطنية أي الليرة اللبنانية، ولا تطبع لسوء الحظ العملات الأجنبية. فمخزونُها وسيولتها بالعملات الأجنبية يأتيان من موجوداتها وأرباحها والمساعدات الدولية، لا سيما بواسطة الديون على المدى المتوسط والبعيد.
واقع الحال ان الحقيقة المُرّة تكمن في أن كل هذه المصادر استُعملت وأُهدرت وأُفسدت حتى وصلنا إلى نقطة الصفر بالعملات الاجنبية لمتابعة سياسة الدعم.
تقنياً، ان الدولة اللبنانية من خلال مصرفها المركزي لم يعد لديها سيولة بالعملات الأجنبية لمتابعة سياسة الدعم التي تبلغ كلفتها 800 مليون دولار شهرياً. لذا، يتجه السياسيون والدولة اللبنانية إلى المَسّ بما تبقّى من الإحتياطي الإلزامي في البنك المركزي. بمعنى آخر تتجه الدولة اللبنانية الى وضع اليد على ما تبقى من ودائع اللبنانيين وأملاكهم وجنى عمرهم لاستكمال سياسة دعم وهمية بسيولة لا تمتلكها، بغية كسب الوقت، وإهدار كل ما تبقى لهذا الشعب المنهوب.
في المحور التنفيذي، إن الحكومة هي التي تقرر سياسة الدعم في حال كان لديها سيولة، أو بتوقيتها في حال لم يكن لديها الإمكانات النقدية. الحقيقة المُرّة، هي أن أحداً من المسؤولين لا يريد البت بهذا القرار الخطر، وكلّهم يريدون رمي هذه الكرة النارية وهذه المسؤولية على الآخر، وحفر حقوق ملغومة لبعضهم بعضاً.
في هذه الأجواء الضبابية، إن رئيس الحكومة المستقيل لا يريد اتخاذ مسؤولية قرار وقف الدعم وتداعياته في الشارع، وفي الوقت عينه لا يريد أن يُواجه مسؤولية هذا القرار غير الشعبوي.
أما الرئيس المكلف فلا يريد، في بداية عهده، أن يتخذ أيضاً مسؤولية هذا القرار المؤلم، والذي يُمكن أن يطعن من جديد بمصداقيته وموقعه، وينفجر بين يديه. فكل المسؤولين يُدركون تماماً خطورة الوضع وعدم وجود سيولة نقدية لمتابعة الدعم، لكن أحداً لا يُريد مصارحة الشعب واتخاذ أي مسؤولية بالتجرّؤ لتجرّع هذه الكأس المُرّة. فالخلاف الحقيقي الراهن في السلطة التنفيذية هو مَن ومتى سيُتخذ قرار رفع الدعم؟ ومَن ومتى سيُستعمل ما تبقّى من ودائع الشعب؟
إن الحقيقة المُرّة وراء كل هذه التجاذبات أنه لم يعد لـ"المركزي" سيولة لاستكمال سياسة الدعم، وكل مصادر السيولة بالعملات الاجنبية أُفسدت وأُهدرت. فهَمُّ السياسيين اليوم هو فقط إيجاد حلول لكسب 6 أشهر أو 8 للانتخابات النيابية قبل أن يكونوا مُجبرين على اتخاذ هذا القرار المُرّ. وأولويتهم اليوم هي استكمال سياسة الدعم وتمويلها بما تبقّى من الإحتياطي في "المركزي" لأسباب فقط انتخابية ولعدم تفجير الشارع.
أخيراً، هناك أيضاً مَن يستفيد مباشرة وغير مباشرة بسياسة الدعم. كنّا نأمل في أن يكون الشعب والمحتجّون هم المستفيدون الأساسيون بهذا الدعم المالي والنقدي. لا شك في أنّ بعض التجار الفاسدين يُبقون السلع لبيعها بأسعار مرتفعة. لكن هذا الأمر لا يُشكل أكثر من 10 % و20 % من الدعم، والمسؤولية الكبرى تكمن في مراقبتهم وملاحقتهم ومحاسبتهم الشفافة وتوقيفهم عوضاً عن الأعمال "الدونكيشوتية" والمغامرات التلفزيونية التي تأتي دائماً بعد مرور القطار وفوات الأوان، بغية جذب الأنظار ولحسابات سياسية ضيّقة.
واقع الحال، ثمة أكثر من 80 % من المواد المدعومة تُهرّب خارج الحدود، وهناك من يستفيد من أرباح باهظة تُضاهي الـ 400 % او 500 % على الإستثمار المَشبوه والأسود.
إن الحقيقة المُرّة تكمن في انّ متابعة سياسة الدعم هي أيضاً لمتابعة سياسة التهريب اليومية من السلع الأساسية، والاستفادة من تمويل وفساد جديد لتحفيز مراكز ومواقع سياسية، وتمويل بعض الاحزاب والمناصرين، لا سيما تمويل الإنتخابات المقبلة.
في المحصّلة، هذه هي الحقيقة المُرّة وراء الدعم، فلا أحد من السلطة التنفيذية القديمة أو الجديدة يريد أن يُواجه هذه المسؤولية، خوفاً من أن تنفجر هذه القنبلة الخَطرة بين يديه، كما انّ هناك جزءاً آخر يستفيد من الدعم لتحفيز موقعه وتمويل مراكزه، والكل يعلم أن ليس هناك سيولة لمتابعة هذه السياسة النقدية إلّا بهدف إنهاء ما تبقّى من الإحتياطي، أي أموال المودعين، والشعب هو الوحيد الذي يدفع الثمن، أكان لمتابعة الدعم الوهمي الذي يكاد يحصل على جزء صغير منه بعد الذلّ والقهر، أو بعد استنفاد أموال المودعين وهي أموال الشعب، وحصول اتفاق سياسي مَشبوه من جديد.