اجازة في الاعمال الدولية والديبلوماسية واعلامية ومذيعة في مجال الصحافة الاقتصادية في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب
بين انقراض المازوت والأدوية والمستلزمات الطبية والتداعيات السلبية المميتة على حياة المرضى وعلى سير عمل كافة القطاعات الاقتصادية، وبين توفّر كافة تلك المواد الحيوية الأساسية بأسعار مرتفعة غير مدعومة محتسبة على دولار السوق السوداء، أيهما هو الحلّ الافضل اليوم وأيّهما يكبت أكثر سخط الشارع؟
بما انّ الشعب اللبناني لم يُظهر لغاية اليوم امتعاضاً، ولم يترجم معاناته المعيشية اليومية في تحركات في وجه الطبقة الحاكمة، وبما انّ المواطن اللبناني لم يُظهر سوى قدرة على التأقلم مع كافة الأزمات التي يعاني منها، من ارتفاع خيالي في اسعار كافة السلع، ومن فقدان أدوية الامراض المستعصية والمزمنة، ومن انقطاع متواصل للكهرباء وملايين الليرات التي يدفعها للمولّدات الخاصة، ومن العتمة في عزّ موسم الحرّ، ومن طوابير البنزين والغاز ومازوت السوق السوداء.... فإنّ رفع الدعم كاملاً عن تلك المواد الحيوية المستوردة وتوفّرها في السوق بأسعار خيالية، لن يثيرا نقمة وغضب الشارع كما يخشى المسؤولون، لأنّ «الكحل أحسن من العمى».
وإذا كان يعتقد البعض انّ البطاقة التمويلية ستبصر النور قريباً وتحلّ أزمة الدعم وترفعه كاملاً، ليبدأ الاستيراد غير المدعوم وتتوفر تلك المواد، فليصحى على واقع انّه لا توجد حكومة بعد ولا يوجد تمويل بعد للبطاقة التمويلية، ولا يوجد حلّ اليوم، وسط الظروف الراهنة، سوى رفع الدعم من اجل توفّر الادوية والمازوت وغيرها... لأنّ مصرف لبنان لم يعد يملك الإمكانية المالية لمواصلة الدعم، ولم يعد يجدِ أي ضغط سياسي نفعاً لمواصلة سياسة الدعم. كما انّ وعود حكومة تصريف الاعمال او رؤساء الاحزاب بأنّهم لن يسمحوا برفع الدعم قبل تأمين البديل واصدار البطاقات التمويلية، أصبحت وعوداً واهية، وبانتظار الإيفاء بها يكون آلاف المرضى قد فقدوا أرواحهم وتكون مئات الآلاف من المؤسسات، من مستشفيات ومصانع وافران ومصارف وشركات، قد أقفلت أبوابها وتوقفت عن العمل، مهدّدة مصير الآلاف من الموظفين والعمال.
لماذا يخشى أصحاب القرار رفع الدعم كاملاً وتحرير الاسعار؟ هذا واقع لا مفرّ منه ولم يعد بالإمكان تجاهله عاجلاً ام آجلاً، لأنّ التعويل على ما تبقّى من احتياطي عملات أجنبية في مصرف لبنان، لم يعد أمراً متاحاً، «ألم يلاحظ المسؤولون انّ المجلس المركزي الجديد لمصرف لبنان لن يسير بسياسات سلفه، ولن يسمح باستنزاف الاحتياطي الالزامي على غرار اجمالي احتياطي مصرف لبنان؟»، وفقاً لما صرّح به مصدر في البنك المركزي، لافتاً الى انّ المجلس المركزي يرفض مواصلة السياسة نفسها المتّبعة منذ 30 عاماً والتي أدّت الى الأزمة الحالية، «وقد أرسلنا كتباً مراراً وتكراراً من أشهر عدّة، وحذّرنا من خطورة الوضع المقبلين عليه، إلّا انّ أحداً من المسؤولين لم يحرّك ساكناً!». وشدّد المصدر على انّ مصرف لبنان ليس مسؤولاً عن تأمين بديل من الدعم، وليس مسؤولاً عن دعم الطبقة الفقيرة، «إنّها مسؤولية الحكومة التي نتحمّلها منذ أعوام».
في النتيجة، إذا كانت الاحزاب والتيارات الحاكمة التي أوصلت البلاد الى ما هي عليه اليوم، ونهبت وسرقت أموال مواليها وايرادات الدولة، وأوصلت شعبها الى الجوع والعوز والمرض والموت، حريصة كما تصرّح يومياً على تأمين بديل عن الدعم قبل رفعه، فالأجدى بها ان تتخذ قرار رفع الدعم وتحرير الاسعار، من اجل توفير المواد الحيوية لاستمرارية البلاد والعباد، ولتستخدم اموال الانتخابات التي توفّرها، لدعم مناصريها والتعويض عن ارتفاع الاسعار. أم انّ مافيات التهريب ومافيات السوق السوداء لم «تشبع» وتكتفِ بعد؟
ما النفع من إبقاء الدعم على سلع مفقودة، وعلى سلع تُباع فقط في السوق السوداء بأسعار مضاعفة أضعاف الأضعاف؟
ما النفع من الإبقاء على الدعم في ظلّ تداعي الأمن الصحي والدوائي والغذائي؟
ما النفع من الإبقاء على الدعم ولا يوجد دواء مدعوم او خبز مدعوم أو مازوت او غاز او بنزين مدعوم؟
ضربة قاضية للمستشفيات
في هذا الاطار، شدّد نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون على انّ «انقطاع مادة المازوت عن المستشفيات ضربة قاضية تُضاف الى أزمة الأدوية الكارثية»، مشيراً الى انّه تبلّغ من نقيب مستوردي الادوية «أنّ ما من طلبيات جديدة لاستيراد الدواء نتيجة الإشكاليات بين النقابة ومصرف لبنان، وكذلك بالنسبة الى المستلزمات الطبية».
وكشف هارون في تصريح عن «تأمين نحو 22 الف ليتر من المازوت لشركة «الفا» للأمصال، وهي كمية تكفي ليومين فقط». موضحاً انّ «تخزين المازوت يجب ان يكون لشهر كامل على الأقلّ، وبالتالي فإنّ الكلام عن وجود كمية من المادة لدى بعض المستشفيات تكفي لأيام عدة لا يعني شيئاً، علماً انّ مخزون عدد من المستشفيات نفد بالكامل».
من جهته، حذّر رئيس «اللقاء الاكاديمي الصحي- الصحة حق وكرامة» اسماعيل سكرية من «فقدان الأمن الدوائي وتداعياته الصحية»، متخوفاً من «انهيار بدأت ملامحه، لا بفقدان ادوية علاجية اساسية لأمراض خطيرة لا تحتمل التلاعب، كالسرطان والمناعة والقلب والشرايين وغيرها فحسب، بل بظهور سوق سوداء للأدوية بأسعار عرض وطلب، وفوارق ملحوظة وكبيرة احياناً بالأسعار، ما بين صيدلية وأخرى، والاخطر ظهور مواقع انترنت لبيع الادوية. وهنا نحذّر المواطنين من الوقوع في هذا الفخ الذي يحتوي على الكثير من التشوهات الدوائية، من تقليد وتزوير وتلوث وضعف المكون الدوائي».