«القصر الأسود» لعبة الدومينو المبعثرة
«القصر الأسود» لعبة الدومينو المبعثرة
نسرين بلوط
Wednesday, 14-Jul-2021 06:00

تدور قصة «القصر الأسود» للكاتبة المصرية «منى سلامة» حول خرافة تشبه الأسطورة تتلاعب بعقول الجمهور وترسم خطاها على بساط مرقّع بالوهم والخيال؛ فلم يسلّم السرد زمام قيادته للميثولوجيا التي تنسلّ بوادرها في طيّاته بوَجل ظاهر، ولا تمركزت حواشي النص في أطرِ الفنّ القصصي المشوّق؛ والأسلم أنّ الحكاية تجنحُ للانتماء إلى قصص الأطفال الصغار حيث الصدفة تجلب معها جرار الزمرّد والياقوت، وحلم الذهب والترفيه يحيله مارد الأساطير إلى حقيقة، وحيث اللامعقول يصبح واقعاً ملموساً رغم أنّ عين القارئ وبصيرته لا تهضمه ولا تقبّله أو تقرّه، فهو أمر محتّم مفروض عليه، وهو الخيار الوحيد المتاح له ليكمل الحكاية.

ولولا أنّ الكاتبة عكست في مرايا الأبطال وجه بيئتهم فأدخلت بعض الترفيه عليها والأقوال والتصرّفات الشائعة عليها، لَما استمدّ المتلقّي بعض العزاء ليتابع خطوات قلمها المتذبذبة والمتشتّتة حتى قيعان النهاية.


تبدأ العقدة في قرار حرة - وهي ابنة مجنون القرية الذي فقد عقله بعد موت زوجته الغجرية أثناء مخاضها لها بعد أن كان شيخاً فاضلاً حكيماً؛ فنشأت الفتاة في فقر شديد تعمل لدى زوجة العمدة مقابل فضلات الطعام وتلمّ قمامة المنازل مقابل أجر زهيد - بالرحيل الى القاهرة بعد أن خيّب ابن العمدة الذي وعدها بالزواج ظنّها واستسلم لإرادة والده في الزواج من فتاة ثريّة؛ حتى تعثر على عمل هناك يجعلها في غنى وعزلة عن أهل القرية الذين يهينون والدها باستمرار ويعيّرونها بنسبها لأمّها الغجريّة، وتستطيع منه أن تحسّن مستوى معيشة والدها وتداويه ليتخلّص من جنونه؛ فتتركه في عهدة قريبة لها؛ وتوهِم الجميع بأنها سترافق العمدة وابنته في رحلة قصيرة الى المدينة لن تتأخر فيها عن العودة.


تمكث معهما في القاهرة عدة أيام، وتتعرّف خلال حفلة يقيمها أحد الأثرياء الى شاب لطيف وتشعر أنها مراقبة أثناء الحفلة من عدة أشخاص لا تعرفهم وخاصة من شاب يدعى عادل، وهو مرافق للشاب الذي تحدّث معها ودعاها الى حفلة يقيمها في بيته في اليوم التالي.
يعلن العمدة قراره بالعودة في اليوم التالي الى القرية، فترفض الخنوع وتعلن له عن رغبتها في البقاء في المدينة فيجنّ جنونه وينهال عليها ضرباً وركلاً حتى تثور وتدفعه بشدّة، فيُصاب رأسه بخشبة السرير المسنونة وتتفجّر الدماء من رأسه ويسقط مغشيّاً عليه.
تعتقد الفتاة أنّ العمدة قد قضى نحبه ويبدأ الجميع بالصراخ والبكاء، فتهرول راكضة الى خارج المكان وتلتقي بعادل الشاب الذي رصدها في الحفل بعينين ذئبيّتين، فأصَرّ عليها أن تركب السيارة معه لأنها مدعوّة الى الحفل والباشا بانتظارها.


تذهب معه صاغرة مستسلمة هاربة من جريمتها، ليصطحبها الى القصر الأسود وهو المكان الذي يقطنه ابن الباشا والذي أقام فيه حفله الخاص ودعا اليه 5 أشخاص آخرين؛ لتكون المفاجأة بأنه تعمّد هذا الاجتماع حتى يقرأ عليهم المحامي الخاص به وصيّة والده الباشا الكبير التي كتبها قبل رحيله، والتي تنصّ على اعترافه بهم كأحفاد له. فقد أنجبَ من جدّاتهم الفلّاحات القرويّات اللواتي تزوجهنّ خطفاً ورغماً عن ذويهنّ، ثم متن جميعهنّ حرقاً. وقد سلب من عائلاتهنّ الفقيرة أراضيهم بمساعدة «الأعور» الصغير، وهو حفيد الأعور الكبير الذي يلعب دور الفتوة الظالم الذي ينهب من الناس أرزاقهم وممتلكاتهم، عندما يقومون برهنها عنده مقابل أثمانٍ زهيدة ولا يستطيعون أن يوفوا الدين بسرعة، فيستولي عليها من دون رحمة أو إصغاء لتوسّلاتهم الحارقة، وقد كانت أمّه اليهوديّة شريكة له في جرائمه.


وكان من أبرز بنود الوصيّة التي أحضرهم ابن الباشا من أجلها، أنّ هناك مفتاحاً ضائعاً لغرفة من غرف القصر، ومَن يعثر عليه سيؤول القصر وممتلكاته إليه تلقائيّاً من دون أيّ جدل على أن يُحرم الباقون من الميراث.


يبدأ الأحفاد بالبحث عن المفتاح المنشود ويقع عادل في حب حرّة التي تحجب عنه ما اقترفته بحقّ العمدة، ولكنّها تكتشف لاحقاً أنّ الأخير حَيّ يرزق فتزيح غمامة اليأس الجاثمة عن صدرها. ولدهشتها، تكتشف بأنّ الخلخال الذي يلفّه أبوها حول قدمه كذكرى من أمّها الراحلة يحتوي على مفتاح اللغز لغرفة القصر، وأنّ عادل هو أيضاً حفيد الباشا ولكنّه لم يعلن هذا مسبقاً.


تتشابك الأحداث بشكلٍ يشبه خيوط الألعاب المتحرّكة التي تُضحك ولا تقدّم فوائد معنويّة وأدبيّة أو إنسانيّة معرفيّة، وتنتهي بعد سردٍ مملّ خانق يُزهق وتيرة الإثارة، بأن يقتل الفتوة أثناء محاولة اقتحامه القصر للاستيلاء على غرفة اكتشفوا بأنّ جدّه الأعور الكبير استخدمها ليخزّن فيها ذهبه وأضاع مفتاحها، وهي الغرفة التي كان على الأحفاد اكتشافها وعثرت حرّة على سرّها، ثمّ تكون النهاية بأن يجتمعوا جميعاً مع ذويهم في حلقة دائرة مشبعة بالحماس والأمل متعهّدين بأن يحسّنوا من وضع أهل القرية ويصلحوا من طرقاتها وأراضيها ليعيدوا جزءاً من الحقوق المهدورة المسلوبة إلى أصحابها، ويريقوا الظلم والدعاء الأسود الذي انهال على القصر بسبب ظلم الباشا وبطش الأعور وأمّه.


رواية «القصر الأسود» لا تنحاز الى أيّ فنّ قصصيّ معيّن، ولا تجول بعينٍ ثاقبة على الأحوال الإنسانيّة للمجتمع، وقد تشعّب السّرد في خطوطٍ واهية ساهية، حاولت الكاتبة من خلالها تجسيد دراما أسطوريّة في قالبٍ قصصيّ فباءت بفشل ذريع، فسخّرت عناصر إثارة الرعب ومشاعر الحب والأسطورة والصدفة والفقر والغنى في معنى واحد سرعان ما تزعزعت خلفيّته ليصبح هشّاً خاليّاً من المغزى والحلّ أو الوضع النهائيّ للأبطال والأحداث، أو حتى التلميح بخيارات لنهايةٍ محتملة يضعها القارئ بنفسه، ولم تفضح بشاعة الحياة الشقيّة التي يعيشها المترفون والمتسوّلون على حدّ سواء، ولم يتفكّك قلمها من روابط روتينيّة للأسلوب المفصّل في تقديم الأحداث بل أخذت الجمهور معها إلى منعطفات وأزقّة محجوبة عن الضوء لا تغني ولا تفيد.

theme::common.loader_icon