تجدّد الحديث عن فرصة حكومية تلوح في الأفق على قاعدة تنسيق مشترك بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وقد بَدا جلياً هذا التنسيق إن في المواقف السياسية المتناغمة والمتقاطعة، أو في اللقاءات التي يتمّ الحفاظ على سرّيتها من أجل منح الفرصة الجديدة حظوظها، خصوصاً انّ هذا المسعى المتجدّد يحظى بدعم «حزب الله» الكامل وعبّر عنه صراحة أمينه العام السيد حسن نصرالله، وليست بعيدة عنه لا باريس ولا موسكو، فضلاً عن سعي رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في الاتجاه نفسه. وفي موازاة كل ذلك، ظهرت ليونة من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون واستطراداً من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وقد تظهّرت في الجلسة النيابية الاخيرة التي نوقشت خلالها رسالة عون الى مجلس النواب حول التكليف، وما بعدها في الخلوة مع بري، فهل كل ما تقدّم سيكون كافياً لتحقيق اختراق حكومي؟
أبلغت اوساط واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» انّ مسحة التفاؤل التي سادت امس الاول انكمشت نسبياً امس، بعدما تبين ان هذا التفاؤل المستجد لا يزال حذراً ولم يُترجم بعد الى وقائع صلبة.
وكشفت هذه الاوساط «انّ هناك تساؤلات تسود في عين التينة عما اذا كانت توجد لدى المعنيين بتأليف الحكومة نيات حقيقية وصافية لتسهيل تشكيلها حتى يكون تدخّل الرئيس نبيه بري مُنتجاً، لافتة إلى «انّ الاسبوعين المقبلين سيكونان بمثابة فرصة اخيرة لاختبار النيات على حقيقتها».
ونقلت الاوساط عن قريبين من بري تأكيدهم انّ لديه الاستعداد الكامل للتجاوب مع اقتراح السيد نصرالله، وانه لا يتوقف عند احتمال المخاطرة بحياته اذا كان تحرّكه يمكن أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية، «ولكن المهم ان تكون هناك ارادة جدية عند طرفي الخلاف لتشكيل الحكومة».
وتُبدي الاوساط الواسعة الاطلاع خشيتها من ان لا يكون هناك بعد قرار حاسم لدى رئيس الجمهورية والحريري بتأليف الحكومة، الاول لأنه ربما لا يريد الحريري ويأمل في أن يدفعه الى الاعتذار، والثاني لأنه ربما يتهيّب تشكيل حكومة يمكن أن تضعه في مواجهة الناس والأزمة من غير أن تحظى بالمقدار الكافي من الغطاء الدولي والخليجي الذي يسمح لها بالحصول على الدعم المالي اللازم والضروري. وأشارت الاوساط الى انّ اتجاه الأمور سيتضح بعد عودة الحريري من الخارج وتبيان موقفه من الاقتراحات المتداولة لمعالجة الازمة.
إتصالات جدية
وكانت معلومات قد تحدثت مساء أمس عن اتصالات جدّية بنيّة التوصّل الى مخرج للأزمة الحكومية، من دون التوقف عند بعض الخطوات الشكلية والأعراف المعتمدة سابقاً، فالنتائج المرجوّة تتجاوز بعض الشكليات من دون المسّ بالصلاحيات الدستورية. وفي معلومات لـ»الجمهورية» انّ حركة الاتصالات تركّزت في الساعات الاخيرة بين بري والرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة بالإنابة عن رؤساء الحكومات السابقين والرئيس سعد الحريري، فيما نشط «حزب الله» وبري على خط الاتصالات مع رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر».
وفي التفاصيل، وبالإضافة الى اللقاء الذي جمع بري والسنيورة، علمت «الجمهورية» انّ معاونه السياسي النائب علي حسن خليل زار اللقلوق ليل الاربعاء - الخميس والتقى باسيل، فيما تسرّبت معلومات عن إتصال طويل تمّ بين باسيل ومسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا تناول بعض المخارج المطروحة لأزمة التأليف الحكومي.
وفي زيارة لافتة علمت «الجمهورية» ان السفير السعودي يزور البطريرك الراعي عند العاشرة من قبل ظهر اليوم الجمعة حيث من المقرر ان تحضر مختلف التطورات على الساحة اللبنانية على طاولة البحث.
لائحة خاصة بالمسيحيين
وعلمت «الجمهورية» انّ هناك أكثر من صيغة مطروحة في شأن ما بات معروفاً بهوية من يسمّي الوزيرين المسيحيين من خارج تركيبة الـ 888، وانّ الاتصالات ناشطة على هذا المستوى، ومن بين ما هو مطروح ان يتوافق عون والحريري على لائحة من مجموعة أسماء أيّاً كان واضعها، سواء كان عون أو بري او الحريري.
وفي هذه الاجواء، اكّدت مصادر مطلعة على حراك رئيس الجمهورية انّه ينتظر نتيجة الاتصالات الجارية نتيجة الدينامية الجديدة التي انتهت اليها الجلسة النيابية السبت الماضي. وانّ الرئيس يراقب ويتلقّى التقارير تباعاً عن حركة وسطاء بري و»حزب الله»، وهو ينتظر عودة الحريري من الخارج لفهم موقفه النهائي مما هو مطروح.
هيكلية رئاسية لتركيبة الـ 24
واكّدت هذه المصادر معلومات «الجمهورية» التي تحدثت عن هيكلية جديدة لتشكيلة وضعها رئيس الجمهورية لمحاكاة توزيعة تتناول تركيبة الـ 24 وزيراً شبيهة بتلك التي شكّلت محاكاة لتركيبة الـ 18 وزيراً السابقة. وقد ارسلت نسخة منها الى البطريرك الراعي واخرى الى بري، الذي أرسل بدوره نسخة منها الى الحريري عبر السنيورة.
الحريري والسنيورة متكتمان
على الجبهة الاخرى، ظلّ الحريري الموجود في الخارج، متكتماً على حركة الاتصالات ونتائجها المقدّرة، وشارَكه التكتم عينه السنيورة الذي يجري اتصالاته بعيداً من الاضواء، لكن الاتصالات مع الحريري ليست محسومة بعد في انتظار ما ستدلّ اليه نتائج حركته، فإن أعلن عن عودته الى بيروت تكون النتيجة قد انتهت الى المرحلة الايجابية التي تستهدفها الحركة السياسية الجارية على أكثر من مستوى.
تشكيك «مستقبلي»
لكن مصادر اخرى قريبة من الحريري سألت عبر «الجمهورية»: «هل حسم رئيس الجمهورية موقفه نهائياً من تشكيلة الـ 24 وزيراً؟ ام انّه ما زال متمسكاً بما اشار اليه رئيس «التيار الوطني الحر» في جلسة السبت من أنّه لن يكون هناك اي ربط لحصة حزبي «الطاشناق» و»الديموقراطي اللبناني» بحصة رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» الوزارية، على رغم من مقاطعة التيار للمشاركة في الحكومة العتيدة والتي جَيّرت أكثرية الحصة المسيحية لبعبدا من دون اي شريك آخر سوى تيار»المردة»، وربما الحزب «السوري القومي الاجتماعي» إن شارك بمسيحي؟».
ولفتت هذه المصادر الى «انّ حركة الاتصالات الجارية مكثفة وهي جدّية اكثر من أي وقت مضى، وهناك أكثر من خيار مطروح، ولكن محاولة تجاوز بعض المحظورات لن تمرّ بسهولة، وإن محاولة تغليف بعض المطالب وتمويهها بمواقف ملتبسة لن تساهم في الوصول إلى التشكيلة الموعودة.
برامج المعلوماتية مهدّدة
من جهة ثانية، وبينما مساعي تأليف الحكومة مستمرة لاستنباط حل سياسي، تشهد مرافق الدولة ومؤسساتها معاناة كبيرة وارتفاعاً لافتاً في منسوب الاهتراء والعجز، إذ علمت «الجمهورية» انّ مشكلة كبيرة وخطيرة تلوح في الافق وتهدّد كل الوزارات والمؤسسات العامة، بسبب عدم القدرة على تحديث برامج المعلوماتية فيها، والتي تُعتبر العماد الاساس لعمل الوزارات، كذلك برامج مكافحة الفيروس المعروفة بالـ anti virus ما يمكن ان يعرّض هذه الوزارات الى فقدان كثير من «الداتا» التي تعود للمواطنين اللبنانيين وحتى للمقيمين والاجانب، الى حدّ ان مصدراً حكومياً حذّر عبر «الجمهورية» من shutdown قريب لهذه البرامج داخل مؤسسات الدولة.
ومعلوم انّ كلفة تحديث هذه البرامج تُسعّر بالدولار الـfresh وتبلغ مئات آلاف الدولارات، مع الاشارة الى انّ هذه الكلفة تمّ لحظها في الموازنة العامة للدولة بالليرة اللبنانية على اساس سعر الـ 1500 ليرة للدولار اسوة بالموازنات السابقة، وهي مبالغ بالتأكيد اصبحت اليوم لا تغطي الكلفة ولا تفي بالغرض.
ملف الدواء ينفجر
وعلى الصعيد الدوائي، تفجّر السجال العلني امس بين وزير الصحة حمد حسن ومصرف لبنان، على خلفية فتح اعتمادات للدواء المدعوم. ومن خلال السجال اتضح انّ مشكلة الدواء معقّدة اكثر مما يظن البعض، وانّ فقدان الادوية قد يستمر على غرار ما يجري في ملف المحروقات.
وقد انتقد حسن مصرف لبنان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر بالقول: «لا يمكن للمصرف المركزي في ليلة وضحاها وضع سياسة جديدة تعرقل العمل. لقد وعدنا حاكم مصرف لبنان بعد الظهر بتقديم جواب على فواتير قيمتها 138 مليون دولار للمستوردين. نقوم بواجبنا على أكمل وجه وسنبقى على وعدنا لجميع اللبنانيين بأن نتحمّل المسؤولية».
واستتبع حسن هذا الموقف لاحقاً بتغريدة عبر «تويتر» فقال: «منذ زيارتي لحاكم المصرف الأسبوع الفائت والوزارة تعمل ليلاً ونهاراً وتنظّم اللوائح وفق أولويات الأدوية والحليب المقطوعة والمخزنة عند المستوردين في إنتظار وعد المصرف بدفعها لتحريرها». وتوجّه حسن إلى سلامة من دون أن يسمّيه، قائلاً: «أنا مش زبون عندكم، ومني شريك مافياتكم، والناس بصحتها مش رهينة مزاجكم وسياساتكم المالية، خلصنا بقى».
وهذا الكلام العالي النبرة، لوزير الصحة ردّ عليه مصرف لبنان في بيان أصدره بعد ظهر امس، اوضح فيه أنّ مجموع الفواتير التي تسلّمها قبل الآلية الجديدة وبعدها وصلت الى 1310 ملايين دولار، وانّه لا يمكن توفير الاموال لهذ الفواتير «من دون المساس بالتوظيفات الالزامية للمصارف، وهذا ما يرفضه المجلس المركزي لمصرف لبنان».
وطلب مصرف لبنان من «السلطات المعنية كافة ايجاد الحل المناسب لهذه المعضلة الانسانية والمالية المتفاقمة». بما يعني انّه وضع الكرة في ملعب السلطة السياسية لاتخاذ القرار في هذا الموضوع، وانّه يرفض تحميله المسؤولية.
في النتيجة، يبدو انّ المواجهة لن تكون سهلة بين سلطة سياسية تهمل موضوع الدعم ولا تريد تحمّل مسؤوليتها، وبين مصرف لبنان الذي لا يريد ان يحرق يديه بملف انفاق الاحتياطي الالزامي، وتشريع البلد على احتمالات المجاعة. وفي هذا النزاع، سيدفع المواطن الثمن من صحته.
كورونا
على الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 319 إصابة جديدة ( 312 محلية و7 وافدة) ما رفع العدد الإجمالي للإصابات منذ تفشي الوباء في شباط 2020 الى 539590 إصابة. كذلك تمّ تسجيل 8 حالات وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 7705 حالة .