تأثير كورونا في حياتنا اليومية
تأثير كورونا في حياتنا اليومية
السفير مسعود المعلوف
Tuesday, 04-May-2021 05:50

عندما انتشرت جرثومة كورونا في العالم بعد خروجها من مدينة يوهان الصينية وتسببها بجائحة خطرة، لم يتوقع أحد المدة الذي سيحتاجها العلماء والأطباء للسيطرة على هذه الجائحة التي قتلت حتى الآن أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

 

بعض الدول، مثل الولايات المتحدة الأميركية، لم تعط في البداية هذه المسألة الأهمية التي تستحقها، إذ انّ وصول الجائحة الى الولايات المتحدة تزامَن مع بدء الحملة الإنتخابية الرئاسية، وكان الرئيس دونالد ترامب يخشى، في حال اتخاذه إجراءات صارمة، أن يؤثر ذلك في الإقتصاد مما سيقلّل من حظوظه للفوز بولاية ثانية. فلم يكن يسمح للفريق الطبي المختص بهذا الموضوع التصريح عن خطورة هذا المرض، وكان يردد انّ الجرثومة ليست سوى نوع من الرشح، وأنها ستزول مع قدوم حرارة فصل الصيف (كان ذلك في مطلع عام 2020).

 

هذا التصرف غير المسؤول لترامب في بداية الجائحة أدى الى تفشي الوباء بقوة في الولايات المتحدة، فاضطر عندئذ الى إقفال نشاطات اقتصادية متعددة، ما تسبب بتراجع ملموس في الإقتصاد، وزيادة في البطالة، كانت في النتيجة من بين الأسباب التي أدت الى خسارته في الإنتخابات وفوز خصمه جو بايدن.

 

ولأنّ جرثومة كورونا مستجدة ومفاعيلها غير معروفة من قبل، وكونها قابلة للانتشار بسهولة وبسرعة، قضت الإرشادات الأولية الطبية والحكومية في معظم الدول بإقفال المدارس، والمطاعم والمقاهي، ودور العبادة، ومنع التجمعات، ولبس الكمامات، والبقاء في المنازل، والتباعد الإجتماعي، وغير ذلك من الإجراءات التي دامت فترة طويلة وما زالت مستمرة حتى الآن.

 

هذه الإجراءات المطبقة منذ أكثر من سنة، أصبحت، الى حد ما، من ضمن عاداتنا وتصرفاتنا العفوية، كما أنّ مفردات جديدة لم تكن رائجة في الماضي دخلت قاموسنا، منها على سبيل المثال لا الحصر كلمة جائحة، أو تباعد إجتماعي، او كلمة المتحوّر مثل المتحوّر البرازيلي والهندي، أو أيضا الإجتماع الإفتراضي، أو كلمة الحجر التي كان استعمالها في السابق محصورا جدا.

 

ولكن أهم تأثيرات الجائحة كانت على الصعيدين، الإقتصادي والإجتماعي.

أولا: على الصعيد الإقتصادي:

إن إقفال المطاعم والمقاهي والملاهي والمتاجر لمدة طويلة أدى الى تراجع كبير في الإقتصاد، مع ما يرافق ذلك من ارتفاع ملحوظ في نسبة البطالة، إذ ان عدداً لا بأس به من هذه المؤسسات اضطر الى الإقفال الدائم وصرف العمال والموظفين، وكل هذه التدابير تؤدي الى تراجع في مستوى الدخل الفردي، وذلك له أيضا تأثير سلبي غير مباشر في الزراعة من جهة، إذ انّ المزارعين لم يعودوا يستطيعون بيع قسم من نتاجهم للمطاعم، وفي الصناعة الوطنية والتجارة من جهة ثانية إذ أن المتاجر المقفلة لم تعد تشتري وتبيع ما تنتجه المصانع. نتيجة لذلك، هبط معدل النمو الإقتصادي بنحو ملموس في معظم الدول.

في المجال الإقتصادي أيضا، كان للجائحة تأثير مباشر على السياحة والسفر، إذ انّ إقفال الساحات العامة والمسابح والمتاحف، وفرض الحجر على المسافرين القادمين الى هذه الدولة أو تلك، وإجراءات السفر الجديدة، من شأنها أن تعرقل السفر، سواء من بلد الى آخر أو في داخل كل بلد. وقد أدى ذلك الى خسائر كبيرة جداً لشركات الطيران ومكاتب السفر والفنادق وسائر المؤسسات السياحية.

 

كذلك اجتماعات العمل أصبحت «افتراضية» أي انها تتم عبر تطبيقات جديدة على الإنترنت مثل «زووم» وغيره، مما حرم الفنادق والصالات الكبرى من تأجير قاعاتها للإجتماعات، وأدى الى التدني في مداخيلها.

في بعض الدول، وربما لبنان من بينها، راجت سوق سوداء للتجارة بأدوية كورونا، فالمواطنون أصبحوا يلاقون صعوبات جمة للحصول على الدواء المطلوب، كون بعض الصيدليات تخفي الأدوية وتبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة عن سعرها الأصلي نظراً للطلب المتزايد عليها.

 

ثانياً: على الصعيد الإجتماعي:

إن تأثيرات جائحة كورونا على الصعيد الإجتماعي لا تقل إطلاقاً عن تأثيراتها ونتائجها على الصعيد الإقتصادي إن لم تكن تفوقها.

بالنسبة الى حياتنا اليومية، لقد تغير كثير من عاداتنا وتقاليدنا الموروثة منذ أجيال، نذكر منها مثلا التوقف عن المصافحة بالأيدي، واستبدال ذلك بالتلويح باليد بما يعرف في القرى اللبنانية بعبارة «المشالحة»، أو بالملامسة بالكوع. كذلك عادة التقبيل على الخدود بين الأصدقاء التي قد تكون أصبحت من تقاليد الماضي.

هنالك أيضا نتائج سلبية مؤسفة جداً طرأت على الحياة الإجتماعية نتيجة للحجر المتواصل وصعوبة الخروج من المنزل والإجتماع بالخلان والأصدقاء وزملاء العمل، أهمها الإرتفاع الملحوظ في درجة العنف الأسري، وكذلك الإرتفاع في نسب الطلاق، والتحرش الجنسي، وحتى جرائم الإغتصاب، وكلها أمور كانت تحصل في الماضي، إنما العزلة للحماية من الجائحة أدت الى زيادة كبيرة في هذه التصرفات.

لوحظ أيضا أن الغموض في معرفة مدة الحجر وإجراءات الحماية من كورونا، والبطالة بسبب إقفال كثير من مرافق العمل، أدت عند البعض الى تعاطي المخدرات لنسيان الهموم والإنشغالات وصعوبات الحياة، والخطورة هنا تكمن في عدم التمكن من التوقف عن تعاطي المخدرات حتى بعد القضاء على هذه الجائحة. هذا بالإضافة الى ما أصبح يعانيه كثيرون نتيجة للحجر من اكتئاب وشعور بالإحباط يؤدي أحيانا الى حالات من الغضب قد ينجم عنها عنف داخل الأسرة أو خارجها.

لقد ترافقت هذه العوارض والتأثيرات مع موجة من الشائعات، منها ما يعود الى نشأة الجرثومة، واتهام دول بأنها أوجدتها خصيصاً للتخلص من كبار السن الذين أصبحوا عالة على المجتمع، ومنها ما يتعلق باللقاح، إذ يتم الترويج بأن في اللقاح أسطوانة صغيرة جدا تدخل الجسم مع اللقاح لمراقبة تفكير الإنسان الملقّح وتسييره عن بعد، كل ذلك بالإضافة الى أن أتباع ترامب في الولايات المتحدة وبضعة ملايين من الإنجيليين البيض لا يؤمنون حتى بوجود الجرثومة ولا يقبلون اللقاح، مما سيؤخر عملية الوصول الى مناعة المجتمع.

إحدى المشكلات الأخرى الناجمة من انتشار الوباء تكمن في عدم تمكن المستشفيات من استيعاب جميع المرضى الذين يصابون بكورونا، كما أن كثيرين من المصابين بأمراض أخرى يلاقون صعوبة في إيجاد سرير لهم في المستشفيات نظراً لاكتظاظها بضحايا الوباء، هذا بالإضافة الى تأخير في إجراء الجراحات لعدد من المرضى المحتاجين لها للأسباب نفسها.

يضاف الى هذه الصعوبات، ما يعانيه الأطفال والتلاميذ الذين هم خارج المدارس ويدرسون في منازلهم بعيدا من بعضهم البعض، وما يرافق ذلك من صعوبات لحجرهم في المنازل، وعدم تمكنهم من التفاعل مع أترابهم.

 

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستبقى هذه العادات المستجدة في المجتمعات سارية بعد القضاء على وباء كورونا؟ لا شك أنه، مع عودة الحياة الى طبيعتها السابقة، ومع إعادة فتح المطاعم والمدارس والأندية الرياضية وسائر الأماكن التي كانت مقفلة، معظم العادات المكتسبة أثناء الحجر ستنتهي، ولكن هنالك أموراً من المحتمل انها ستستمر لفترة طويلة لأنّ فيها بعض الفوائد وأهمها:

ـ أولا، الإجتماعات الإفتراضية: لا شك أن اللقاءات في الصالات الكبرى والإجتماعات بالحضور الشخصي ستعود كما في السابق، ولكن من الممكن جدا أن يحصل أيضا كثير من الإجتماعات إفتراضياً، ربما عندما لا تسمح عوامل الطبيعة بالإنتقال، أو لتوفير مشقات السفر والنفقات على المشاركين في اجتماعات دولية، إذ أثبتت طريقة الإجتماع الإفتراضي فعاليتها للتوفير في الوقت وفي الكلفة، وفي تأمين النتائج نفسها التي تؤمنها الإجتماعات بالحضور الشخصي.

ـ ثانياً، كذلك العمل من المنزل بواسطة الإنترنت قد دخل في أساليب العمل الفعالة، ولا شك انه، حتى بعد إعادة فتح المكاتب والمؤسسات، سيبقى العمل عن بُعد سارياً الى حد ما، خصوصاً بالنسبة الى أولئك الذين يعدّون دراسات وتقارير لا تحتاج الى وجودهم الشخصي في المؤسسة التي يعملون فيها، وفي ذلك ادّخار واضح في نفقات النقل واستعمال الوقود، وقد لوحظ انّ إحدى الفوائد القليلة للجائحة كانت تحسّن البيئة عموما، وذلك لانخفاض استعمال المحروقات في وسائل النقل وما تسببه هذه المحروقات من تلوث للبيئة.

ـ ثالثا: عادات أخرى

من العادات المستجدة الأخرى المحتمل استمرارها لفترة بعد القضاء على الوباء هي غسيل اليدين بكثرة، إذ أصبحت هذه العادة جزءا من الحياة اليومية، كما أنه من المحتمل استمرار تجنب استعمال وسائل النقل العام التي يكتظّ فيها الركاب، وتجنب تقبيل الخدين بين الأصدقاء.

 

الواضح ان هذه الجائحة قد فرضت على المجتمعات عادات وتصرفات لم تكن منتشرة في السابق، قسم منها سيزول مع القضاء على الجائحة، وقسم سيبقى في حياتنا اليومية، إنما المهم الآن هو أن يتمكن العلماء والباحثون في الطب من السيطرة على هذه الجائحة التي غيرت نمط الحياة في معظم أنحاء العالم، وقضت على ملايين السكان من بينهم أكثر من نصف مليون في الولايات المتحدة وحدها، وأن تعود الحياة الى مجراها الطبيعي، وإن تغيرت العادات والتقاليد بعض الشيء.

theme::common.loader_icon