لويس أبو شرف فارس الكلام
لويس أبو شرف فارس الكلام
د. شرف ابو شرف نقيب الاطباء في لبنان
Thursday, 15-Apr-2021 06:14

"أطلقْ جَناحيكَ واخفِقْ أيّها العلَمُ ما حرَّرتكَ أياديهم كما زعَموا لا الفتحُ عندي سيفاً مُرهفاً ولظىً الفتحُ عنديَ نِعمَ الفكرُ والقلــمُ المصلحُ الحُـرُّ لا يرضَون نغمتَهُ والصادقُ الوطنيّ الــِــبرُّ مُتّـهمُ مرحَى بكل أبيِّ النفسِ يجعلُ مِنْ هـوى بلاديَ إيمانًا ويحـــــــترمُ لبنانُ أُمةُ آمالٍ اذا انتفضـــــــتْ تحيا بها رِممُ الاجيالِ والذِممُ"

لويس أبو شرف * (لبنانيات)

منذ فترة وجيزة، زارني الاستاذ الاديب همدان حيدر في نقابة الأطباء، وقدّم لي كتابه عن الدكتور سليم حيدر نسيبه وابن بعلبك، شاعرها، خطيبها وممثلها في المجلس النيابي في القرن الماضي. سررت بالهدية الثمينة، وأهديته «لبنانيات» لويس أبو شرف الذي كانت تربطه علاقة طيبة بزميله الدكتور سليم. فبعث إلي الاستاذ همدان برسالة شكر جاء فيها:

 

«عندما أهداني البروفسور شرف أبو شرف، نقيب الاطباء في لبنان، مجلدين عن والده النائب والوزير الاستاذ لويس أبو شرف، بعنوان «لبنانيات»، شعرت أنني قد تسلّمت هدية لا تقدّر بثمن، ذلك أن الفكر والادب والشعر قطعٌ نادرٌ لا يحسنُ الحصول عليه إلّا من كان ذا موهبة اكتسبها بالسليقة، وغذّاها ونمّاها بالممارسة والدرس والاجتهاد.

 

كنت شاباً عندما كنت أسمع خطب الاستاذ لويس في مجلس النواب وفي مناسبات وطنية، فأطربُ لنبرة صوته، وسحر بيانه، ووضوح مرماه. كنتُ أعلم أنّه شاعر، الى أن تكرّم نجله الطبيب ـ النقيب بإهدائي «لبنانيات» والده. ففوجئتُ بأن المجلّد الثاني عبارة عن ديوان شعر كامل متعدد الموضوعات. ووجدتُ في شعره كما في نثره إشراقات وومضات خلّابة تريح نفس قارئها، فكيف لو سمعها بصوت كاتبها أبي شرف الرنان؟.

 

أذكر أنّ نسيبي الدكتور سليم حيدر الشاعر والفيلسوف كان يثني ويمتدح زميله في الوزارة والنيابة الاستاذ لويس أبا شرف، معترفاً له ببلاغة خطبه وسلامة لغته وصفاء وطنيته، وصدق صداقته...

 

ويقيني ان هذا ما كان عليه أيضاً الدكتور سليم حيدر في البلاغة والصدق والوطنية... وهذا ما عرفناه في الخطابة في القرن العشرين. ولكنّي لا زلت أطرح السؤال عن سبب الانحطاط الخطابي الكبير الذي نعيشه في القرن الواحد والعشرين. وأخشى ما أخشاه أن تكون الخطابة رحلت بكل بساطة عن لبنان لمصلحة ظاهرات صوتية منتشية بضجيجها... قلّة قليلة جسدت في حد ذاتها الخطابة تجسيداً جعلنا نتوق في غالب الاحيان الى سماعها، ولا يزال إدمون رزق خير مثال حيّ على عهد الخطابة الذهبي».

 

قبل مغادرتي لبنان الى بلاد السويد لدرس الطب، كنت أجدني دوماً بمعية والدي لويس أبو شرف. سألته يوماً: كيف تنجح في جمع المعلم والشاعر والخطيب والسياسي في شخصك؟ فأجاب: «اعتمادي على ربّي، وثقة بالنفس مطمئنة، وتقيّد بمبادىء سليمة لا غبار عليها ولا انحراف عنها. فالتعليم رسالتي وينسجم مع طبيعتي، والشعر والخطابة موهبة، والسياسة جوهر حياتي الوطنية الصافية القائمة على الاستقامة في الاقوال والاعمال، والسير على المبادىء والاخلاق، والعمل الذي يرضى عنه الشرف والواجب والضمير في سبيل لبنان».

 

وبعد، ألا أحزنُ لغياب ذاك الذي جاد عليّ يوماً بكل شيء؟ وكان رائده خدمة الانسان ودور لبنان كقيمة حضارية انسانية. لا شك في انني أفعل ولا يزال اللقاء به ممكناً في رحاب «لبنانيته».

 

ما نعيشه اليوم من فساد سياسي مُستشرٍ، وإقطاع ديني وسياسي ومالي، وهجرة متمادية وفقر وجوع وذل، يُنبىء بأسوأ الكوارث، ما لم تجنّد كل الطاقات والكفايات والعبقريات لرفع شأن هذا البلد المنكوب والمنهوب والمسلوب الارادة. مئة عام مرّت على تأسيس دولة لبنان الكبير ولم نتمكن بعد من بناء وطن آمن ومزدهر لجميع أبنائه...

 

في ختام استذكاري له، أستذكر أنه كان دوماً ينادي برفع الايدي عن لبنان، وانّ الارتهان مذلّة وهوان، وان لا عزة ولا كرامة لأيّ منا خارج لبنان. وها هم زعماؤنا اليوم يجوبون الارض غربا وشرقا بحثاً عن حلول خارجية لمشكلات داخلية، بدل العمل على حلّها حول طاولة حوار لبنانية، حتى لا يظلّ لبنان للإستعمار ممرا أو مقرّا، بل يعود وطنا سيدا حرا مستقلا لجميع أبنائه. «يأخذ من الشرق روحيته ومن الغرب علميته، من دون أن يذوب في الاخذ أو يفنى في العطاء. فلبنان يستقل ولا ينعزل، يتصل ولا ينفصل، وله دور كبير ورسالة كبيرة، وسياسة تنبثق من صميم سيادته، وكرامته ومصلحته، من داخله لا من خارجه. وساعة نؤمن بهذا ونعمل بوحيه يصبح لبنان وطناً عالمياً تحرص الدنيا على وجوده موطن قيم وإنسانية».

 

لويس أبو شرف، أيها المعلم المثال، لقد عشت رسولاً للفكر والاخلاق مَدّ العمر، وعاملاً في سبيل توحيد الكلمة وجمع اللبنانيين. عزاء الرسالة بك أن صورتك باقية في أذهان عارفيك وأبنائهم بعدهم، لأنك عملت بما لك من أصالة في اللغة، وسلامة الذوق على صفاء التنشئة الأدبية والصدق والاخلاق، برّاً بالذات والوطن والانسان، وسموّاً بالتجرد والعقل الى علاوات الشموخ.

 

* لويس ابو شرف، معلم، نائب، رئيس لجنة التربية الوطنية لسنوات عديدة، وزير وخطيب مفوّه، إستشهد بشظية قذيفة على شرفة منزله في 15 نيسان 1989.

theme::common.loader_icon