

سنة مرّت واكثر من 100 مليون إصابة ومليوني حالة وفاة، والجميع يجزم انّ الأزمة الوبائية ستطول، وإنّ الكمامة ستكون رفيقة دربنا لسنوات قبل العودة لحياة طبيعية كما في السابق. فأين نحن اليوم من مواجهة فشل أغلب علماء العالم وحكوماتهم في تسجيل أي غلبة ميدانية، عدا الهروب من حَجر إلى آخر، مع حروب الأدوية غير المؤثرة، وتقنيات التشخيص المحدودة النتائج؟
يخوض العالم الموجة الثالثة لجائحة فيروس تبدو وكأنّ لا نهاية لها، حتى مع أمل لقاحات يتضاءل في ظلّ الإعلان عن العديد من التحورات التي تكسبه قوة في الانتشار والعدوى، وفي ظلّ تدخّل الشك في فعالية التلقيح وبرمجة حملاته البطيئة التي تعدّدت أسبابها بين العلم والسياسة والانتاج. يجيب الأستاذ حميد السبعلي، الخبير في التكنولوجيا البيولوجية في مؤسسة «برايزن» لرصد وتشخيص الأوبئة كالتالي:
نجاح لقاح في القضاء على الجائحة!
آخر السيناريوهات التي نعيشها اليوم هو حملات التلقيح العالمية المتفاوتة على أرض الواقع والتي بمجملها متأخّرة. وهذا ما ينذر بموجة رابعة خطورتها لا تُقاس بتعدّد السلالات التي أعادت كل الإصابات والمناعات المتولّدة الى إلدائرة الاولى.
الشرط الأساسي لنجاح خطة اللقاح الفعّال هو أن يوفر بالفعل مناعة كافية لوقف دوران الفيروس في أكبر عدد من السكان. كما عليه أن يحمي الشخص الملقح من اعراض المرض إذا دخل الفيروس رئتيه. نظرياً، تأملنا بمعجزة في نجاحات العديد من اللقاحات وفي إمكانية الوصول إلى نهاية سريعة خلال أشهر. ولكن وصل المتغيّر البريطاني وبعده الجنوب افريقي وكرّت المسبحة من البرازيل إلى كاليفورنيا ونيجيريا وسلوفاكيا واللائحة تطول. لذا ساد الشك بفعالية كل اللقاحات ضدّ كل أنواع السلالات، وما زلنا لليوم في غيوم علمية حول تأثيرات المتغيّرات على برامج التلقيح، التي تتسارع في أغلب الدول الغربية وتبقى شبه غائبة في الدول الفقيرة. وما زال العالم يراهن على التعبئة غير المسبوقة، وعلى حملات تلقيح على نطاق واسع للقضاء على كوفيد-19. الاشهر القليلة المقبلة ستبشرنا بنجاح أو فشل «معجزة» اللقاح.
نجاح جزئي لحملات التلقيح
هذا السيناريو هو الأقرب لواقعنا اليوم، لأنّ فرص نجاح اللقاحات أصبحت محدودة، رغم أنّها تبقى ضرورية. في الواقع، إنتاج اللقاحات بطيء، وتوزيعها غير متكافئ، وإقناع عدد كافٍ من الناس بالتطعيم صعب، واحتمال تدني فعالية بعض اللقاحات او تدني حمايتها لأشهر قليلة وارد... أضف الى ذلك خطورة التحورات بطفرات قوية تؤدي إلى إصابات متكرّرة لعدم تفاعل المناعة المستجدة.
مناعة القطيع لمنع انتشار الوباء!
مناعة القطيع هي إما المناعة الناتجة من إصابة 70% من السكان، حيث يولدون مناعة طبيعية، بحيث لن يجد الفيروس بعد ذلك مضيفين كافيين للإصابة، ويتوقف المرض، وإما مناعة ناتجة من تلقيح أكثر من ثلثي المجتمع.
هذه الفرضية توقعها في بداية الوباء أنصار المناعة الجماعية الذين يدافعون عن السماح للفيروس بالانتشار بين الشباب. لكن خطورتها، كما في برامج التلقيح، تكمن بعدم إنتاج مناعة طويلة الأمد، أي أنّ احتمالات الإصابة مرة أخرى مرتفعة. كما انّ تحورات الفيروس جاءت لتؤكّد الإصابات المتكرّرة، وأعداد الوفيات العالية من جرّائها. هذا ما حدث في مدن برازيلية فقيرة أُصيبَ أغلب سكانها، وما ان تغيّر الفيروس حتى تجدّدت معظم الإصابات بأعراض أكثر خطورة.
اضف الى ذلك، وبظل انتشار هائل للفيروس بأنواعه الجديدة، أنّه لا يمكن التوصل لمناعة القطيع مع اللقاحات، إلّا اذا تمّ تطعيم أكثر من 90% من السكان، وهي مهمة مستحيلة وسيناريو غير مرجح.
هل يصبح الفيروس متوطناً طوال السنة مثل الإنفلونزا؟
احتمال أن تتدنى إصابات الفيروس بحدّ ثابت موازاة مع تلقيحٍ مبرمج وبفعالية مقبولة، يمكن ان تحوله إلى مرض حميد كالإنفلونزا التي تصيب سنوياً عشرات الملايين وتتسبب بوفاة اكثر من نصف مليون شخص حول العالم.
المشكلة أنّ لا شيء يشير الى ضعف العدوى للفيروس لكي يتوجّه العلماء إلى علاجات تخفف من معدلات وفاياته كما في أمراض فيروسية اخرى.
يصبح الفيروس ضعيفاً مع بؤر وبائية منعزلة!
وهذه ظاهرة معروفة في العديد من الأمراض كالايبولا والملاريا والزيكا التي تعود إلى الظهور بشكل منتظم في بؤر منعزلة، يمكننا احتواءها بشكل أو بآخر، بفضل سياسات الوقاية أو العلاجات المناسبة، لكن هذا يتطلب يقظة متزايدة. وميزة قوة عدوى الفيروس هي أنّ بداية وباء كهذا قد تحدث في أي منطقة في العالم، متقدمة أو نامية، وبمعزل عن القدرة الاستشفائية.
الفيروس قد يختفي بشكل طبيعي
يُعتبر فيروس «السارس- -2» أكثر عدوى وانتشاراً من أي فيروس عرفته البشرية أخيراً، وقد أثر بالفعل على جميع البلدان. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ اغلب حالاته خفيفة أو خالية من الأعراض، مما يجعل تتبعها أكثر صعوبة. وحين افترض البعض أنّ الفيروس سيختفي مع الصيف حدث العكس، إذ استمر في الانتشار بنشاط، مع صعوبة ليومنا هذا في الاحتواء على المستوى العالمي.
صحيح أنّ في تكاثر الفيروس وطفراته خطورة مرضية كبيرة، لكنه في طفراته ايضاً أحتمالات وعوامل طبيعية قد تستجد بصورة مفاجئة لتنهي بالكامل دورة انتشاره.
اليوم، يتحكّم الفيروس في حياتنا، وتدور في بالنا أسئلة لا اجابات لها سوى الوقت وتجارب أسلحة مجابهته من لقاحات ووقاية وأدوية:
- ماذا لو فشلت اللقاحات بمتغيرات تقلل بدرجة عالية فعالية اللقاح، وبقينا على ما نحن عليه من ارتفاعات وانخفاضات متتالية للإصابات؟
- ماذا لو جاءت سلالات جديدة خطيرة تتحايل على المناعة أو تحولها مُساعدًا تؤدي لاستشراس المضاعفات المرضية؟
- هل جرعة ثالثة ورابعة معدّلة من اللقاحات على مختلف أنواعها، ستمنع موجة رابعة او خامسة او سادسة متوقعة؟
أسئلة لا يجيب عنها سوى الفيروس بتطوره، بانتظار علاج فعّال مضاد له، أو تقنيات تشخيص سهلة ودقيقة تشمل حملات تطال كل السكان، لعزل المصابين والعودة تدريجياً إلى المريض «صفر».








