الشاعر بوريس باسترناك موهبة على اضطهاد من النظام
الشاعر بوريس باسترناك موهبة على اضطهاد من النظام
وضّاح يوسف الحلو
Wednesday, 24-Feb-2021 06:13

بعد حصول أحداث ثورة اكتوبر 1917 تراجع الادب الروسي واضمحلّت الثقافة العظيمة من مرحلة تولستوي ودوستويفسكي الى عصر الردّاد الزجلي الحزبي دميان بيدني، حيث انهال عليه التصفيق المتكرّر من قبل أعضاء حزب البلشفيين.

 

من المعلوم أنّ الأدب الروسي في القرن التاسع عشر (تولستوي، دوستويفسكي، تورغنيف، غوغول وعلى رأسهم الشاعر المؤسس الكسندر بوشكين) قد استلموا اللعبة الابداعية - التجديدية من عظمة الادب الفرنسي الذي أخذ يستعير ألفاظه وأفكاره من الأدب الروسي، الذي أنتج شاعراً ثورياً من مستوى فلاديمير ماياكوفسكي المصنّف منتحراً في الـ 37 من عمره، وهو المصفّى من قبل شرطة ستالين.

 

 

 

في تلك الفترة من اللحظات الأولى لوقوع ثورة اكتوبر، ترأس فلاديمير لينين الوضع السياسي وكان أقدَم الكلّ على رعاية الفوضى الثورية، حتى أنّ فلاديمير ماياكوفسكي كتب له «ملحمة فلاديمير لينين»، وحذّره فيها من النفايات والأوساخ التي تلتصق بجسد الثورة، لأنّ الاكثرية العظمى من الخائفين بالاعمال الانقلابية هم من اليهود الاوروبيين الذين دافع عنهم لينين.

 

وهذا السياق السياسي ما زال ثابتاً في أيامنا الزنخَة الحاضرة، حتى انّ الجورجي الحاكم ستالين اعترف بإسرائيل بعد 48 ساعة من إعلان بن غوريون لتأسيسها، ومَشت وراء هذه الخطوة الاعترافية كل الاحزاب الشيوعية في العالم.

 

نخبة شعراء روسيا لم تستوعب خطوة ستالين، أمثال الكسندر بلوك صاحب ملحمة «اثنا عشر»، حيث يظهر المسيح في أواخرها كردّ على الشرقطات الشيوعية، والشاعر اندري بيللي، والغزير إنتاجاً فاليري بريوسوف، وفلاديمير ماياكوفسكي ورفاقه، وأكثرهم ذكاءً وثقافة وميلاً نحو تمجيد البروليتاريا اليهودية الخارجة عن صهيوني دولة الخزر، لا من دولة موسى الشرقية - العربية، وهؤلاء الخرزيون هم من أسّس دولة اسرائيل. من هذه المخّاضة الادبية خرج بوريس باسترناك (1890-1960) في عائلة أكاديمية رسم، وتخرّج عام 1923 من جامعة موسكو. بعدها، أعطى دروساً في الفلسفة في جامعة «ماربورغ» - المانيا وزاولَ الموسيقى وكان متأثّراً بالموسيقار سكريابين، فانضَمّ الى مجموعة «الكلب الهائم» التي افتتحت مقرّاً لها في موسكو. أصدر باكراً عدة مجموعات شعرية، منها: «عام 1905» و»الليوتنانت شميدت» والرواية الشعرية «سبيكتورسكي» و»القطارات المبكرة» - 1944، وتكلل طريق باسترناك الشعري بمجموعة «عندما يتحسّن الطقس».

 

وترك عمله العالمي «الدكتور زيفاغو» أثراً هائلاً في الأدب العالمي، ونال عام 1958 جائزة نوبل ولم تسمح له الدولة باستلامها. ترجم مؤلفات شعراء جيورجيا وتراجيديات شكسبير وملحمة غوته «فاوست».

 

 

 

من شعر باسترناك عن الروسية

* حلم

في ضبابية النوافذ الزجاجية

استعدت الخريف

والأصدقاء والنساء وأنت بينهم

يا امرأتي هوى مِن علٍ

قلبي فوق قلبك،

لقد شاخ الزمن

وأنا استقبل

دموع أيلول القانية

واستعدتك يا امرأتي

صاخبة، هوجاء

لكنّ حلمي اندثر

كهتافٍ من رنين

ذائباً في المدى

والريح تنأى ساحبة

مطراً من كتل ثلجية

(صادر عام 1918)

 

 

 

* شباط

شباط، سآتيك بالحبر باكياً

ولأكتب عنك مُنتحباً

و»ملغوصة» الوحل في الشوارع

تزدهر بسواد الربيع

وأنا أعدو على عربة مستأجرة

الى حيث السيول المُفضّضة

ودموعي حبر

من الأسى الذابل في حدقات العيون

(صادر عام 1918)

 

* ليلة عاصفة

شمعة تنوص على الطاولة

والثلج يعربد في الخارج

وشمعة تتحدّى

شمعة تضيء

وعلى الزجاج ترسم الثلوج

دوائر وأسهما

وشمعة تضيء بكسل

متلألئة على عتمة السقف

وترتمي الظلال

مترنّحة بين الألوان

ترتمي على قبس الشمعة

وتارة على قسوة الجدران

وفي ظلام الثلج غاب كل شيء

ومن الظلمة البيضاء

انفجر ضوء الشمعة

صار صليباً

على صقيع العراء

وصرنا ثلاثة:

أنا والشمعة والصليب

(صادر عام 1946)

 

theme::common.loader_icon