توفيق يزبك... حدّد الموازاة بين القلم والسيف
توفيق يزبك... حدّد الموازاة بين القلم والسيف
اخبار مباشرة
وضّاح يوسف الحلو
Wednesday, 16-Dec-2020 06:19

تبدأ القصة مع الشاعر العميد توفيق يزبك من قرية حصارات الجبيلية وموطن الـ 200 عسكري وأمني ولابس ومشلح الاسكيم «الغنوصي»، المؤمن بتسليم نهائي انّ «الله هو من يوزّع الخير والنور والمحبة» في العالم ولبنان الواقِف على غضارة الجمالات رغم ما يُحاك ضده من مؤامرات.

يُتقن العميد بدسامة لغة أبيه الشاعر والثائر نعيم يزبك الى ما تَتلغّى به دولة لامارتين - فرنسا، فكان شاعر اللغتين يصافح ابن قريته البطريرك الياس الحويك الذي شَمّر عن ساعديه من أجل استقلال لبنان مشاركاً الجنرال غورو في تجميع أشلاء لبنان، ونحن اليوم نحتفل بهذه المئوية بكل رموزها الوطنية الناطقة.

 

والشاعر توفيق يزبك بدأ مُكاغاته الوطنية منذ انبثاقه الأول، متسائلاً: «هل يفرض بنا كلبنانيين أن نحوّل لبنان الى موقد جمر ولهيب ليشوى عليه لحم أبنائه وأطفاله؟». لقد اصبح كل شيء على أرضنا اللبنانية طاعناً في اللاشيء وخيبات الأمل، ولهذا يندفع توفيق يزبك شهاباً متمرّداً رهيباً من دون الانصياع للأمل الزائف، وقد تجمّعت عواطفه الجمالية والأدبية في حضن جدّه العقلي شهوان، الذي ورثه ابنه الشاعر المحلّق نعيم يزبك والمونّق الكلمة. وفي حياة العميد يزبك الرائقة تتصادف أحداث مضطربة ومُبلبَلة من تاريخ لبنان وصولاً حتى أيامنا الملتاعة من تهريب أموال وتنتيش أموال الناس لإلصاقها بتصرّفات العهد الحالي الصامت، وإن كان كبير الصوت قبلاً. كل هذا أغضَب مزاجية وثقافة الشاعر العميد لأنها تَدَوزنت على وتر خارجي تناغمت فيه مطامع استعمارية خارجية من مآسيها فتن طائفية من حياكة اسرائيل، التي قال عنها حديثاً مدير المخابرات السعودية السابق تركي الفيصل: «إسرائيل هي آخر الحلقات الاستعمارية» التي يتصدى لها جيشنا اللبناني الباسل.

 

ولأنّي أكبر منه عمراً، فقد راقَبته دهراً، فوجدته منذ انبثاقه فتى يرعى الهموم والاهتمامات اللبنانية على صعيد العسكر ومستوى الثقافة، فيذهب في مُدلهمات الحصار الظلامي على لبنان بنظم الشعر وفق نغمية وإيقاعية مؤسِّس الزجل مار افرام السرياني، اي قبل الموسيقي الرهيف الحِس وواضع أوزان الشعر الفصيح بـ 400 سنة ابو الخليل بن احمد الفراهيدي.

 

وفي كل هذا، هو ابن حصارات وجَار القندول والطيّون الطبي والقصعين الذي تفلت منه رائحة معطّرة. وفي كل استغاثاته الملهمة حول لبنان، كان صوته أعلى صدى ورنّة من صراخ بطرس الناسك التحريضي والقديس برنار.

 

وهو يردد على لسان والده الشاعر نعيم:

«وتوزّع الانوار في الدنيا

وأفقك مُظلم»

منذ صغره «تفَوجَرت» جمالياته اذ كان «يكسدر» صوب «وادي ميزلا» المكان المونّق الاخضرار لسكان قرية حصارات حيث مواكب طيور الحل تتكلم، فتتردد لغتها في القرى المجاورة التي تحيق به وتحوط بحصارات، مع رجائي عدم صَيد هذا الطير المعتبر أنيقاً في كل أوروبا.

يقول توفيق يزبك بالفرنسية:

«أريدُ مُحاوِلاً

إظهارَ هذا الالتصاق

بين الذكريات ولعبة القدر

وداعاً يا بيدر الضيعة

مكانك صار موقفاً للسيارات».

وشعر توفيق الفرنسي موزون، ومقّفى على طريقة الـ»السيلّاب» كما عند المفكر اللبناني - اللاتيني ميشال شيحا.

«بعرف إنو عيونك اشتَهوا العتمة

وتمّك عم يغِب المَي من نبع الصمت

وكرمال هيك أنا عم ضمّك

لأنّو طالِع ع بالي شفاف كئيبة

مليانة أناشيد الليل»

وانغماس توفيق في مجمرة الشعر الشعبي واضحة ومفهومة من خلال دواوينه، ومنها مجموعة «غيم الانتظار»، حيث يروي أمسية للارتجالي النادر الشاعر أسعد سعيد، الذي أصغى إليه العميد وهو فتى صغير في حصارات تحت سنديانات دير مار يوحنا، حيث ألقى أسعد سعيد رائعته، ومنها:

«الكلمِه باب ع العالم بتِفتَح

طَوِت عمر الزمان وما طَواها

كلمِه بتِستُر وكلمه بتِفضَح

وكلمه بتِجرَح وكلمه دَواها»

وما أرغَب في سرده عن أسعد سعيد، وكنت في حوالى الـ 15 من هذا العمر المَزنوق، انّ احد اصدقاء والدي روى لي هذه الأملوحة. قال:

كنّا في المركز الروسي الثقافي في بيروت، وفجأة عَلت «الهَيصة» إذ وصل وفد روسي سياحي فجأة الى المركز، فاحتار مدير المركز كيف يتصرف مع هذا الواقع، فإذ بالشاعر أسعد سعيد الموجود هناك يأخذ المبادرة مُرنّماً ومؤهلاً:

«لأ إنتو مش سوّاح

إنتو مِن بْلاد مْنَاح

بْلاد السِلم، بْلاد العِلم

بْلاد العامِل والفلّاح»

وقد ردّ العميد الشاعر توفيق على هذه «الظاهرة السعيدية» في مجلة «الجيش»، فقال:

«بالبال رح تِبقى يا شاعرنا الفريد

ظلّك ع ملحَمة الشعر بيت القصيد

فِكرَك عقيدِة شاعر تحَدّى الغفا

بلبل بقلب العاصفة وفِكر السديد»

حصارات اليوم تغفو وتستيقظ على ذكريات موّاجة من البطريرك العضاضة الوطنية الياس الحويك، الى الارتجالي رفيق بولس، الى الشاعر المربي نعيم يزبك، الى العميد الشاعر توفيق نعيم يزبك، حائِكةً ًًمن زَركشات النجوم شرشفاً نَدياً لتغطية جسدها البتولي، وطيور الحجر ترندح:

«احسدوا نحن أبناء حصارات».

theme::common.loader_icon