لم تصوّت اللجان المشتركة على اي توصية، لا الى الحكومة ولا الى مصرف لبنان، بل اكتفت بما يمكن ان تُسمّى « توصية شفهية»، عبّر عنها نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي في نهاية الجلسة وفيها: «أوصى السادة النواب بتقديم الحكومة لمقترحات عملية مرفقه بمعطيات واضحة حول الدعم والاحتياطي، لمناقشتها في الجلسة المقبلة».
ولخصّت المصادر النيابية اجواء الجلسة كما يلي:
- اولاً، من حيث الشكل، كانت جلسة اللجان المشتركة اشبه بجلسة نيابية عامة، بحيث تجاوز حضورها أكثر من 80 نائباً.
- ثانياً، الى جانب الحضور النيابي الكثيف، حضر الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: زينة عكر، غازي وزني، راوول نعمة، عماد حب الله، رمزي مشرفية، اضافة الى المدير الاقليمي للبنك الدولي ساروج كومار جاه، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، فيما غاب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واناب عنه النائب الثاني للحاكم سليم شاهين.
وقد اثار غياب سلامة حفيظة النواب الذين اعترضوا على هذا الغياب، واعتبروه اشارة سلبية من سلامة تجاه المجلس، وهروباً من المسؤولية امام ملف مصيري شديد الحساسية كرفع الدعم، خصوصاً وانّ ثمة تساؤلات كثيرة لدى النواب حول الاحتياط والدعم واسباب الازمة، لا يملك احد اجابات عنها سواه.
- ثالثاً، في النقاش، كانت الجلسة الأكثر توتراً التي تشهدها جلسات اللجان المشتركة، وسُجّلت فيها الى جانب الصراخ النيابي الاعتراضي على غياب سلامة، مداخلات عنيفة خصوصاً بعدما تلا النائب الثاني للحاكم كلمة مكتوبة، واشار رداً على التساؤلات النيابية الى انّ المرة الاخيرة التي تمّ فيها تعداد موجودات الذهب وقيمته، كانت في العام 1996. كما اشار الى انّ 60% من الذهب موجود في لبنان، و40% موجود خارج لبنان، واما الاموال الموجودة في الاحتياط هي 17 مليار دولار، يُضاف اليها مبلغ 800 مليون دولار يمكن ان تمكننا من الاستمرار في الدعم حتى اول شباط المقبل.
- رابعاً، المداخلات النيابية، صبّت جام غضبها على غياب سلامة، ومن جهة ثانية، غلب على بعضها الطابع الشعبوي والمزايدات في انتقاد السياسات التي اوصلت البلد الى الحال الذي بلغه، في وقت انّ المزايدين انفسهم ينتمون الى جهات سياسية كانت شريكة بالكامل في السياسات التي تسببت بالأزمة، فيما ركّزت المداخلات الاخرى على المطالبة بالتعجيل في تشكيل حكومة ووضع خطة اقتصادية مالية شاملة، وضبط الفلتان الداخلي، واقفال معابر التهريب، وكذلك ركّزت على موضوع الدعم والاحتياط الإلزامي. وتناقضت بين من دعا الى رفع الدعم، وبين من هو رافض له ومحذر منه، مع تساؤلات من مصادر نيابية مختلفة عن ودائع اللبنانيين واين هي، خصوصاً بعد الكلام الاخير لحاكم مصرف لبنان، الذي قال فيه انّ ودائع اللبنانيين موجودة في المصارف.
في هذا السياق، طُرح سؤال نيابي على رئيس جمعية المصارف: هل صحيح انّ الودائع عندكم في المصارف؟ لكن المفاجئ في الأمر، هو انّ جواب صفير كان شديد الغموض، حيث قال ما مفاده: «انا ما فيّ احكي»، وهو ما دفع بعض النواب الى افتراض انّه لا يريد ان يختلف مع حاكم مصرف لبنان، كما انّه بامتناعه عن الكلام، انّه لا يريد ان يلقي المسؤولية على المصارف، لأنّه لو اقرّ بوجود اموال المودعين في المصارف، فالناس ستتهافت من اليوم على المصارف للمطالبة بودائعهم؟
- خامساً، لقد وجّه النواب مجموعة كبيرة من الاسئلة الى مصرف لبنان، وكذلك الى حكومة تصريف الاعمال، لكي تأتي اجوبتها الى الجلسة المقبلة للجان النيابية المشتركة، والتي يفترض ان تُعقد منتصف الاسبوع المقبل. والاساس في هذه الاسئلة ثلاثة:
السؤال الاول، ما هو الحجم الحقيقي والدقيق للموجود من اموال؟
السؤال الثاني، في موضوع الدعم، كان النواب امام «شاقوفين»، فإن بقي الدعم على ما هو عليه حالياً، فمعناه انّ اموال المودعين قد طارت نهائياً، واما إن تمّ رفعه فسيؤدي الى انفجار اجتماعي، مع الارتفاع الرهيب الذي سيرافقه في الاسعار على كل شيء، وكذلك الارتفاع الاكثر جنونية لسعر الدولار. وهنا يبدو انّ التوجّه الغالب هو ليس لإبقاء الدعم الشامل وفق السياسات التي اتُبعت في الحكومة الحالية، والتي كلّفت بين 8 و10 مليارات دولار، بل هو الإبقاء على الدعم ولكن بصورة جزئية وضيقة، اي الدعم المرشّد. وبناء على ذلك، صيغ السؤال التالي امام المصرف المركزي وحكومة تصريف الاعمال: في حال رفع الدعم جزئياً، ماذا سيشمل رفع الدعم، وما الذي لن يشمله؟
السؤال الثالث، ما هي الآليات التي يفترض ان توضع، حتى يتمّ وصول هذا الدعم الى مكانه الصحيح؟
هذه الاسئلة طلب النواب الاجابة عنها، من قِبل الحكومة ومصرف لبنان، على ان تأتي الحكومة الى الجلسة المقبلة، بخطة كاملة خلال اسبوع.
في موازاة ذلك، طُرحت اسئلة نيابية حول ما يضمن وصول الدعم الى مكانه الصحيح، وبرز حيال ذلك رأيان:
الاول، ان يُقدّم الدعم عبر مساعدات تموينية شهرية للمواطنين، وهناك «داتا» موجودة في وزارة الشؤون الاجتماعية تتضمّن 400 الف اسم للعائلات الفقيرة، لكن هذه اللائحة تحتاج الى تحديث، لانّ ارقام العائلات المحتاجة زادت الى نحو 600 الف عائلة محتاجة، فكل يوم يزداد عدد الفقراء.
الثاني، هذا الامر صعب التطبيق، اذ يتطلب ذلك جيشاً كاملاً لتولي مسؤولية التوزيع كل شهر. فضلاً عن انّه قد لا يأتي بفائدة ابداً بل قد تكون له نتائج عكسية، اذ لا يضمن احد ان لا نقع في حفرة اضافية، مع بروز الفوضى والمحسوبيات والسمسرات، كما حصل مع سلة السلع المدعومة التي وضعتها حكومة حسان دياب.
- سادساً، في خلال النقاش، سعى بعض النواب الى اصدار توصية للحكومة ومصرف لبنان بإعداد خطة دعم، الّا انّ الاكثرية النيابية رفضت هذا الامر، لأنّه بإصدار هذه التوصية رسمياً، سيبدو المجلس وكأنّه اصبح جزءاً من المشكلة، بل المشكلة هي عند الحكومة ومصرف لبنان، وبالتالي هي مسؤولية سياسات عمرها نحو ثلاثين سنة.