

هؤلاء المسؤولون، لا نخاف أن يكونوا مسؤولين... نخاف أن يكونوا أي شيء، نخاف أن يتولّوا أي وظيفة فيها مسؤولية. وليس من الضروري أن تكون شيئاً مثل صيانة صاروخ فضاء، أو اكتشاف العصب المضروب في عملية «راس مفتوح». نحن حقيقة نخاف أن يكون أي واحد منهم مجرّد مهرّج في حفل عيد ميلاد، أو شرطي سير على طريق مقطوع، أو حتى عاملة هاتف في شركة لا أحد يعرف رقمها.
وهذا الخوف مبرّر وواضح، وهو غير مبني على أحقاد شخصية. هذا الخوف هو ببساطة وليدة قرف إنساني إجتماعي وطني، واشمئزاز حياتي معيشي، كان كلّ واحد من هؤلاء المسؤولين مسؤولاً عن تربيته وتغذيته ومفاقمته طوال مدّة تقاعسه عن المسؤولية.
صحيح أنّ نشرات الأخبار باللبناني، ولكن ليس هناك من عاقل يمكن أن يقتنع أنّ لهذه النشرات علاقة بلبنان أصلاً. فمجرّد أخبار التكليف والتأليف، والوصول إلى قصر بعبدا ومغادرة قصر بعبدا، وإجتمع فلان بعلتان، وإتّفق هذا الحزب مع هذا التيار، وتمسّكت هذه الطائفة بهذه الحقيبة، وأصرّت تلك الطائفة على التعطيل وأخرى على التسهيل... كلّها أخبار أصبحت تصيبنا بإسهال ترافقه دوماً حالة غثيان ولعيان.
فهل من المفروض علينا مثلاً كمسيحيين، وموارنة تحديداً، أن تغمرنا الفرحة لأنّ التيار الوطني الحرّ مصرّ على حقيبة وزارة الطاقة والمياه، وكلّما «تكّ الديجنتور» يقولون لنا الجيران «ما خلّونا».
هل من المفروض على الشيعة أيضاً أن ينظّموا «كرنفال الليرة» لأنّ وزارة المالية من حصّة الثنائي، وهم وشركاؤهم من جميع الطوائف يرقصون مدبوحين من الأسعار الخيالية والمرتبات الخالية.
وأمّا الطائفة السنّية، في أحيائها الفقيرة من صيدا وبيروت إلى طرابلس وعكّار، ستنسى الظلم والعوز والإهمال، حالما تعرف أنّ وزارة الداخلية باقية مع الطائفة.
هذا ولم نتكلّم عن وزارة الزراعة، كما لو أنّ الدول الأوروبية ترجونا لاستيراد تفاحنا وقمحنا وتبغنا. ووزارة الدفاع، وما بالكم وبال الدفاع الوطني، الذي يرعب الدول المجاورة ويهزّ العصا لدول الإقليم، بجبروت دولة مرتهن أمنها للميليشيات. ونخجل أن نتحدّث عن وزارة الخارجية التي باتت في الآونة الأخيرة لا تمون على سفارة تمنحها تأشيرات لتنظيم رحلة تزلّج إلى جبال الألب أو استجمام إلى الشرق الأقصى.
مبدئياً، كل الأحزاب اللبنانية، الموجودة والمرفوسة من السلطة، كلّها عبارة عن «بلعة» ليستيرين لمريض يصارع الموت بعد حادث سير مروّع. أحزاب تتفرّج على جروحه وكسوره وتمزّقات جلده، تنظر إلى بعضها البعض، وتصف له بعد مشاورات «التخدير والتجبير» بلعة ليستيرين مرّة صباحاً ومرّة مساءً بعد الأكل، وتطلب منه أن يتّصل بالسكرتيرة بعد 4 سنوات، أو زيارة العيادة عند حدوث أي طارئ، للاطمئنان إلى حالته الصحيّة.
العالم الذي نعيش فيه مجنون طبعاً، ولكن أهبل من هيك طبقة سياسية ما في. طبقة تريد أن تقنعنا بكلّ عين وقحة، أنّ الله فاتح سوبرماركت، وهي تشتري منها الوزارات المعروضة على الرفوف بأسعار مخفّضة، وطبعاً بما أنّ البضاعة سماوية فليس لها تاريخ انتهاء صلاحية.
انا كمواطن، عندما أفتح الحنفية، لا أتأكّد من طائفة المياه المقطوعة، ولا أضع إصبعي في فيش الكهرباء لأتذوّق طائفة التيّار. أنا كمواطن، لا أتفحّص طائفة الليرات في جيبي، ولا يهمّني دين ذلك الذي يسهر على أمني وحمايتي. أنا كمواطن، لا أمشي على الزفت المسيحي وأتحاشى الزفت المسلم. أنا كمواطن، أريد أن أعيش في بلد يقرّبني من الله لا أن يكفّرني به بسبب جشع طائفيتكم.
أنا كمواطن، لا أريد وزيراً من دين أو مذهب معيّن، أريد وزيراً من اختصاص أو مسيرة معيّنة... أنا أريد لكلّ داء دواء، ولا أريد كلّما كنت موجوعاً، مكسوراً، مديوناً، ومعدماً، أن تحكيني بالليستيرين!








