رجب الأوّل: السلطان الذي أراد أن يصبح خليفة
رجب الأوّل: السلطان الذي أراد أن يصبح خليفة
لودفيك أيوازيان
جريدة الجمهورية
Monday, 03-Aug-2020 06:54
قبل نصف ألفيّة بالتمام والكمال (أي 500 سنة) عاش وحكم السلطان العثماني سليم الأوّل. لقّبه الأوروبيون بالسلطان العابس (لتجهّمه الدائم). كان حاكماً لولاية طرابزون الواقعة على البحر الأسود قبل أن ينقلب على والده بايزيد الثاني ويخلفه على العرش العثماني.

حاد عن سياسة أسلافه القاضية بالغزو غرباً ( أوروبا) ووجّه أنظاره إلى الشرق، فهاجم إيران الصفوية عام 1514 ثم ركّز على المماليك، فكانت معركة مرج دابق (قرب مدينة حلب) في 24 آب 1516 التي انتهت باندحار المماليك وسيطرة السلطان سليم على سوريا (وبالأخصّ حلب ودمشق 1516) وفلسطين (القدس والأقصى 1516) ومصر (القاهرة والأزهر1517).

 

وفيما كان السلطان سليم في القاهرة، قدّم إليه شريف مكة محمد بن بركات مفاتيح الحرمين الشريفين، اعترافاً منه بسيادة العثمانيين على الحجاز (مكة والمدينة). وما لبث أن أقدم محمد الثالث المتوكّل سليل الخلفاء العباسيين، على التنازل عن حقه في الخلافة الإسلامية لصالح السلطان سليم وسلّمه الآثار النبوية (سيف وراية وعباءة نبي الإسلام). وبعد خضوع أغلبية الرموز والمدن الإسلامية الكبيرة إليه حمل السلطان العثماني لقب أمير المؤمنين وخليفة المسلمين.

 

لنعد الآن إلى الزمن الحالي الذي يعيش ويحكم فيه السلطان العثماني المتجدّد رجب الأوّل اردوغان. عابس مثل سليم، وجذوره - يا للصدفة - من طرابزون، المدينة التي شهدت صعود سليم. من يراقبه يعتقد أنّ سليماً متقمّص فيه. رجب مهووس بسليم، لديه نفس النزعات والتوجّهات. يكاد يعطيه فرصة ثانية للعيش. سليم كان انفعالياً وبطّاشاً، لم يتردّد في إعدام سبعة من وزرائه. رجب مثله مع فارق الزمن، لا يتردّد بإطاحة كل من يشكّ بولائه. إذا أردت، مثلاً، أن تعرف ماذا فعل رجب في 2016 أنظر ماذا فعل سليم في 1516، والمعادلة تصحّ في أي عام آخر، طبعاً مع فارقي الزمن والقوة، حيث باءت معظم محاولات رجب بتقليد سليم بالفشل. وبرغم ذلك، ما زال رجب يحاول. نزعته الإسلامية المتشدّدة دفعته لنبذ مبادئ أتاتورك العلمانية، أمّا طموحه اللامحدود فيدفعه وبشدّة لأن ينصّب نفسه خليفة للمسلمين عن طريق إحياء السلطنة العثمانيّة.

 

ولكن اردوغان يعرف أنّ السلطنة شيء أمّا الخلافة فشيء آخر. السلطنة تتحقّق بالجبروت، أمّا الخلافة فلا تتحقق إلّا بإنجاز ما حقّقه سليم الأول ألا وهو السيطرة على إحدى كبريات المدن الإسلامية العريقة: القدس، بغداد، البصرة، القاهرة، دمشق، حلب، مكة والمدينة. لكل مدينة من هذه المدن قصة مع اردوغان.

 

حاول اردوغان أولاً الظهور بصورة البطل المدافع عن القضية الفلسطينية والقدس والأقصى، فكانت مسرحية «مافي مرمرة» في حزيران 2010 التي ادّعى من خلالها مناصرة الفلسطينيين وخرق الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.

 

في العراق حاول الرئيس التركي الحصول على موطئ قدم في الأوساط السنيّة للبلد ذي الأغلبية الشيعية. بغداد والبصرة بعيدتا المنال ولكن تركيا لم تخف أطماعها في الموصل عن طريق «داعش» وتوابعها.

 

أمّا في مصر وسوريا، لقد حاول اردوغان ركوب موجة الثورات الإخوانية (الإخوان المسلمين) التي أوصلت محمد مرسي إلى الرئاسة عام 2012، فاستبشر خيراً بإخضاع القاهرة والأزهر قبل حصول الإنقلاب المضاد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

على خط موازٍ، حاول اردوغان إخضاع دمشق وحلب، وكادت الأخيرة أن تقع بين براثن المسلّحين المدعومين من تركيا عام 2013 قبل أن يعود الجيش السوري مدعوماً من الروس والايرانيين إلى تحريرها عام 2016. وكان تحرير حلب نقطة تحوّل في مجرى أحداث الحرب السورية وخاب اردوغان مرة أخرى. ولكن خيبته لم تمنع جيشه من دخول استعراضي إلى داخل الأراضي السورية في الذكرى الـ500 لمعركة مرج دابق (24 آب 2016). وما زالت القوات التركية موجودة في بعض الناطق السورية في إدلب والشمال السوري.

 

في السودان وقّع أردوغان اتفاقاً مع الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير عام 2017 يقضي باستئجار (لمدة 99 سنة) جزيرة سواكن السودانية والتي تتمتّع بموقع استراتيجي لقربها من الحجاز (مكة والمدينة) ومن الحدود المصرية، ما جعل مصر والسعودية تنظران بارتياب للإتفاقية. ومع عزل البشير عن الرئاسة السودانية عام 2019 راحت الشكوك تحوم حول نجاح الإتفاقية في المستقبل.

 

وفي البحر المتوسط، لا يتوانى اردوغان عن تحريك الأسطول البحري التركي (الذي أنشأه السلطان سليم) معبّراً عن أطماعه في المياه الممتدّة بين الساحلين التركي والليبي، وما الإتفاقية البحرية التي وقّعها مع حكومة السراج والتدخّل في الشؤون الليبية سوى المرآة لأطماع اردوغان التوسّعية.

 

أمّا وقد اقتربت الذكرى المئوية الخامسة لوفاة السلطان سليم (22 أيلول 1520) واردوغان لم ينجح بالسيطرة على معلم إسلامي واحد يسمح له بالتصرّف كخليفة للمسلمين، تذكّر آيا صوفيا وأراد جعلها «قبلة» للمسلمين ومنافسة للحرمين والأقصى وسائر المقدّسات الإسلامية، فكان إعادة إفتتاح الجامع في 24 تموز الماضي بمثابة الردّ على معاهدة لوزان (24 تموز 1923) التي أنهت السلطنة العثمانية وحوّلتها إلى جمهورية علمانية.

 

بعد الفراغ من صلاة الجمعة في كنيسة آيا صوفيا في 24 تموز الماضي، هل أرضى اردوغان غروره وطموحه؟ سلطان افتراضي يتوَّج خليفة افتراضياً، أم أنّه قد يُقدم على خطوات أكثر راديكالية قبل الثاني والعشرين من أيلول؟ الجواب رهن الأيام المقبلة.

theme::common.loader_icon