انعقد مجلس الوزراء في القصر الجمهوري أمس وقرر التريّث في بت استقالة المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني.
وفي التفاصيل، إستُدعي بيفاني الى مجلس الوزراء، وسأله رئيس الحكومة حسان دياب عن اسباب استقالته وقال له: "نودّ كمجلس وزراء معرفة سبب استقالتك"، وتوجّه اليه مباشرة وزير الصحة بالكلام سائلاً: "ألا ترى انّ المعطيات لدى السلطة السياسية تغيرت وهناك استعداد من مجلس الوزراء لمواجهة المرتكبين مباشرة؟" فأجاب بيفاني: "قبل ان أجيب عن هذا السؤال، أنا حضّرتُ كلمة وارغب بتلاوتها امام مجلس الوزراء".
وتحدث بيفاني عن مواجهته اشرس معاملة ممّن لا مصلحة لهم بالاصلاح. وتوجّه الى الحكومة متّهماً ايّاها بعدم دعم خطتها وعدم تفسيرها للجمهور على الاطلاق، حتى انه قال للوزراء وجهاً لوجه: عندما اكد صندوق النقد مراراً وتكراراً صحة مقاربتنا وارقامنا لم تقف الحكومة لتقول كفى لمَن يتلاعب بمصير البلد".
وفيما أضاف: لا يمكن ان نتّكِل على دعم الخارج فقط، وحتى الانتصار الذي حققناه ضُرِب عبر تَقهقر موقف الحكومة، إتهم بيفاني البعض بأنه "كان يفاوض من خلفنا على نسف خطة أقرّت بالاجماع".
بيفاني اشار الى انه منذ وضع الخطة واقرارها بالاجماع انهار سعر صرف الليرة وطبعت 14 تريليون ليرة، فيما كان من المفترض لو نفّذت الخطة ان يستقر سعر الصرف على 3500 ليرة للدولار.
وقال: "ما زلنا نمارس سياسة تعدد اسعار الصرف... ويفقد المواطنون فرص العمل بالآلاف، وما زلنا ننتظر الكابيتال كونترول الذي ما زلنا نؤجّله بعدما أحيل الى اللجنة النيابية منذ وقت طويل، وبعد اشهر عديدة تمّ تحويل اموال المحظوظين خلالها فيما حُبِست اموال الناس.
بيفاني سأل امام مجلس الوزراء: لماذا لا يوجد لجان لتقصّي الحقائق في مسائل تصيب اللبنانيين في الصميم كعدم إقرار الكابيتال كونترول، وتحديد رقم الاحتياطي المتبقي والذي ترتبط به لقمة اللبنانيين وصحتهم وحاجاتهم ؟ وهل من تَقصّي حقائق لانهيار الليرة واسبابه الفعلية، او حول بيع اليوروبوندز الى الخارج والذي ما زال مستمراً، او الهيركات الذي ينفّذ على المودعين بكل الاشكال؟
"لا" أجاب بيفاني. "أردنا اضاعة الوقت بالارقام عوض البحث عن سبل الخروج من الازمة. لعبة الارقام تفشل البرنامج مع صندوق النقد فهل من بديل عنه؟ مشيراً الى خوف البعض وتواطؤ البعض الآخر، محذّراً مجدداً من الـlirification التي تحصل الآن.
بيفاني حذّر من تراجع امكانية البرنامج مع صندوق النقد، ومن مشروع لوضع اليد على الاملاك العامة الذي لا يأتي بدولار واحد من الخارج، ومن اقتراح يرجّح ان نشهده بالتصرّف بالذهب وبممارسة الابتزاز على المودعين ليقبلوا ببَيعه مقابل استعادة قسم من اموالهم.
ووجّه عدد كبير من الوزراء، من بينهم الوزراء، عماد حب الله، طارق المجذوب، زينة عكر، منال عبد الصمد، ماري كلود نجم، غادة شريم، رمزي مشرفية ودميانوس قطار أسئلة الى بيفاني، فأجاب عنها وكان دائماً يختم جوابه بالتأكيد انّ قرار استقالته "هو قرار نهائي".
واشتكى بيفاني من انّ الموظفين الذين عملوا في الارقام حُجبت عنهم المكافأة السنوية، وقال: "هذا شيء مستغرب"، مطالباً بوقف الانهيار من خلال برنامج اصلاحي ينفّذ فوراً ويكون هناك توزيع عادل للخسائر يسمح بتَدفّق الدولارات الى لبنان. وسألته عكر عن التدقيق المالي، فاعتبر "انّ هذا القرار هو قرار جريء ومسؤول والذي يخطئ يفترض ان يحاسب".
ورفض تسمية اشخاص وتحميلهم المسؤولية قائلاً: "انا لست قاضياً، لكنني احذّر من المنظومة التي عملت سنوات وسنوات لتحقيق مصالحها وتحاول اليوم إظهار قوتها وهي منظومة يصعب كسرها الآن". واضاف: "قرار الاستقالة هو قرار بُني على ساعات من التفكير، ولستُ في وارد اعادة النظر فيه، واقول انّ هناك أموراً يجب ان تحصل لوقف الانهيار فالوقت يمرّ".
وحول الارقام التي أوردها لـ"الفايننشال تايمز"، اكد بيفاني انّ هذه الارقام هي نتيجة عملية حسابية دقيقة استنتج منها ارقام الاموال التي حوّلت الى الخارج.
وحول التفاوض مع صندوق النقد الدولي، قال بيفاني انه سمع من الوفد المفاوض انه لم يجد دعماً من الحكومة، أمّا في مجلس النواب فقالوا أشياء عن الخطة، ولكنّ الحكومة لم يصدر عنها اي كلمة تقول "انّ هذا الكلام خطأ".
وبعد مغادرة بيفاني، حصل نقاش داخل الجلسة حول قبول الاستقالة او رفضها، فطلب معظم الوزراء رفض الاستقالة وانقسم الرأي في ما بينهم فمنهم من أشار الى دقة توقيت الاستقالة في خضَمّ المفاوضات والوضع المالي الصعب في لبنان، ومنهم من طلب التريّث، ومنهم من طلب اعتبار المعلومات الدقيقة والمعطيات التي قدّمها بيفاني بمثابة إخبار ومراجعتها قبل اتخاذ القرار، واعتبروا أنّ انسحابه خطير وله تداعيات غير مقبولة كونه عضو أساس في الوفد اللبناني المفاوض.
وتفرّدت وزيرة الاعلام بطلب قبول استقالة بيفاني، وقالت: "يجب ان نحترم ارادته بالاستقالة، وانا أشاطره واتفهّم هذا الهمّ الذي حمله على مدى سنوات". فطرحت 3 افكار: إمّا التريث، إما القبول او الرفض. ودرس المجتمعون كل حالة من الحالات بكافة جوانبها، وحصل نقاش طويل حول القانون الخاص بالموظفين الكبار، وخصوصاً الشق المتعلق بموجبات المدير العام لأنه بعد شهرين تعتبر استقالته مقبولة حكماً.
وقبل ان ينتهي النقاش الى قرار، طلب وزير المال الكلام فقال: أنا الوزير المعني واطلب التريّث بهذا القرار. فحصل تصويت على التريث او الرفض، فصوّتَ 11 وزيراً مؤيدين التريّث مقابل 9 رفضوا الاستقالة.