
هذا الرجل الحامل على جبهته اسم توفيق في حياته حتى رتبة عميد في الجيش اللبناني، ممسكاً بقلم وشاهراً سيفاً. ولذا، أنا أقسمت بقبر المسيح وبئر زمزم، بأني سأقول الحقيقة كاملة عن هذا الانسان العسكري الشاعر. هو ابن مربٍ ولغوي وشاعر اسمه نعيم يزبك، اتقنّ اسرار العربية وهلهل الشعر في بلاد جبيل التي سخت في العطاء، من مارون عبود الى رشيد سليم الخوري الى مجموعة غرزوز الكبرى (من ضيع الروم السبع)، وهذا العطاء الجبيلي الثقافي يتناسل اليوم، اذ انّ حفيد مارون عبود القاضي سهيل عبود، على رأس أهم جهاز قضائي لبناني.
كان الشاعر واللغوي نعيم على دسامة ثقافة، متحلياً بكل تواضع بلا حدود، وراوياً لأخبار الثقافة العربية كديك علا صياحه عند الفجر العميق.
في بيته الجبيلي ورياح البحر اللزجة تعصف في زواياه، والقامة العمرية في الـ 88 لم تنحنِ بعد، بل كانت سامقة وشامخة كما يوم رفع الـ 105 كلغ بلا تمرين، حدّثني بمرارة عن ولده العسكري توفيق، وكيف انّه افتقده منذ شهرين مع القطعات العاملة في الجبال، وانتظرنا، وها هي في ايدينا مجموعة الوالد.
الشاعر نعيم اختلط باكرًا، حتى التسعين، مع ثلة من الأدباء منهم: الناقد نسيب نمر، الشاعر اديب صعيبي، النافذ جوزف هاشم، ناشر مجلة «الورود» بديع شبلي، الشاعر المهجري شكرالله الجر، وكان على جيرة حلوة وذات مزايا عطرة مع شاعر العروبة الجبيلي رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) ومع ابن غرزوز قيصر حبيب القائل:
«أنا من هذه الطبيعة آتٍ
والى هذه الطبيعة ذاهب»
غير ذلك، قال لي نعيم يزبك، انّه تحاور مع الاديبة اليسارية املي فارس ابراهيم من صليما، لجدّها حبيب فارس المحامي وواضع كتاب «صراع البريء في بوق الحرّية»، عن احداث اليهود في لبنان، وكيف كانوا يخطفون الاولاد ويستنزفون دمهم.
وتابع نعيم: «من اختصاصاتي كتابة لقطات معبّرة عن أدباء لبنانيين اعطوا ولم يذكرهم احد، ومنهم اديب اسحاق (ارمن كاثوليك) القائل:
تلك المقابر لو نفضت ترابها
لوجدتها شعبا ونحن تراب».
وفي تلك اللحظات دخل محبوب الوالد العسكري توفيق، مزداناً برتبة الجيش اللبناني على كتفه، يمشي بخيلاء كزرّ ورد داهمته همروجة ايار الصباحية فسكبت عليه دمعاً من عاطفتها وراحت تدلّعه في شتوة اهتياج.
قال توفيق مهلهل الشعر والعسكرية: «مرحبا يا بيي بو ناظم اللي منو تعلمت كيف كون وفي لأبي وامي».
يا بيي نعيم.. انت قلت لي من شعر عمرو بن كلثوم:
اذا بلغ الفطام لنا صبي
تخرّ له الجبابر ساجدينا
وانت تقول في قصيدتك العصماء:
تبني وغيرك ينعمُ
تعطي بلادك حقها
ابدا وحقك يَهضمُ
وتوزع الانوار في الدنيا
وأفقك مظلم
ان العقول مريضة
وبراحتيك البلسم؟
والى شاعرية بضة، امتاز قلم نعيم يزبك بسيولة صحافية عبّرت عن نفسها في برنامج نقدي وتعريفي قُدّم من الاذاعة اللبنانية في الستينات الى مباسطات شعرية مع شاعر بجه الجبيلية صعيبي ذي الدفق الصوتي، كديك مهتاج على دجاجاته عند الفجر المعجوق بنداه المحيي.
وتحت سنديانة حصارات وقف فيلسوفان: نعيم وابنه توفيق يكرزان شعب لبنان كما وقف مهلهل العسكرية ونظم الشعر العميق توفيق في آخر امسياته وكما انتصب نعيم في مطعم القطين يوم عيد المعلم عام 1970 مدافعاً:
اذكر وحسبك قدوة
ان المسيح معلم








