هناء عبد الخالق: تذوّق العمل الفنّي يحتاج إلى تربية وتدريب!
هناء عبد الخالق: تذوّق العمل الفنّي يحتاج إلى تربية وتدريب!
كه يلان محمد
جريدة الجمهورية
Monday, 24-Feb-2020 06:35
لا يزال الاهتمام بالفن التشكيلي شحيحاً في الوسط الثقافي، ويبدو الحراك النقدي على هذا المستوى غائباً أيضاً، وقد فسّر البعض هذا الأمر على ضوء التكوين التراثي إذ لم يلفت موضوع الفن نظر الباحثين ولا تقع على محاولات في مجال التثقيف البصري، علماً بأنّ الألوان والرسوم والنحت تضيف كثيراً إلى خيال الإنسان وتدعم حسّ التواصل لديه مع الطبيعة والبيئة.

حول واقع الفن التشكيلي ودور الفنانين في الحراكات الجماهيرية وأشكال فنية جديدة رافقت انطلاقة الثورة في المجتمعات العربية، كان لـ«الجمهورية» حوار مع الفنانة اللبنانية هناء عبد الخالق، أستاذة الفن وعلوم الفن في الجامعة اللبنانية، والتي أقامت 3 معارض فردية وشاركت في العديد من المعارض المشتركة في لبنان والخارج. والشغف قد حَدا بعبد الخالق للعودة إلى معترك اهتماماتها الفنية على رغم ما مرَّ به بلدها من ظروف صعبة، وعايَنت تجلّيات الفن في عواصم أوروبية، وأدركت أثر الأعمال الابداعية بعدما درستها على مستوى رفيع. وصدر لها أخيراً كتاب «فن التجهيز: إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي» الذي يُعدّ إضافة قيّمة إلى المكتبة العربية.

 

• في كتابك الأخير، هل حاولت تقديم موضوع الفن التشكيلي بطريقة مفهومة لمُتلق غير متخصص؟

 

- كتابي هو كتاب أكاديمي متخصّص بفن التجهيز وهو فن من فنون ما بعد الحداثة، ويعتبر مرجعاً لطلاب الفنون وللباحثين في هذا الفن. حاولتُ جاهدة أن أبسِّط الأسلوب وأعتمد طريقة التسلسل التاريخي في الكتاب ليستطيع القارئ من خارج الاختصاص فهمه. لذلك تَبنّى هذا الكتاب مرحلة ما بعد الحداثة في الغرب والظروف التي قادت إليها، والتي انبثق منها فن التجهيز وأسس هذا الفن ومرتكزاته، ليطرح من خلالهما إشكاليّة التلقّي للعمل الفني المعاصر بشكل عام.

 

• هل يمكن تحديد العناصر الأساسية في اللوحة التشكيلية كما يَتم ذلك في الفنون الأدبية ؟

 

- اللغة لا تقتصر على اللغة الكتابية في الفنون الأدبية إنما أي أسلوب يعبّر به الإنسان عن فكره أو إحساسه يمكن وصفه بلغة قائمة بذاتها. فاللغة عبارة عن مجموعة من الألفاظ والكلمات والرموز والتجريدات والتعبيرات، وهي التي تقرّر إلى حد كبير محتوى الفكر الإنساني وإبداعه. فهما يتشاركان بمعظم العناصر كالعاطفة والأفكار والخيال والصورة الفنية أي الإحساس بتكامل العمل وتنظيم عناصره. لطالما سعى الفنان التشكيلي إلى المزاوجة بين الأفكار وتنوّع التقنيات ليصيغ علاقات مترابطة بين العناصر التشكيلية ويوازن بين أجزائها من خط ولون وتوازن وإيقاع... أما فنان اليوم فقد تخلى عن المفاهيم والمرجعيات التقليدية، ليصبح العمل الفني متميّزاً بالتناسق الفكري والوحدة التخيلية، وليصبح جُلَّ الاهتمام بتقدير الشكل الجمالي من خلال الإتقان التقني والتجريب بالخامات وتوظيفها على السطح التصويري أو التركيبي، لإعطاء التنوّع في الرؤية عبر الأساليب الفنية المتطورة. فأصبح جمال العمل الفني يترنّح ويختال بين الجاذبية والتشويق وبين البساطة والتنويع.

 

• إلى أي مدى نجحت الحركة التشيكلية في تكوين الثقافة البصرية لدى الفرد العربي ؟

 

- المُتلقّي هو اللُبنة الأساسيَّة لكلّ عمل فني، بغيابِه يصيرُ هذا العمل غير ذي بال، إذ من المُفترض أن يقوم بمُهمة تقييميَّة والإندماج به في الوقت ذاته. يستطيع المُتلقّي من خلال احتجاجاته ومناقشاته وتشجيعاته أن يُنبّه الفنان إلى مكامِن القوة والضعف في عمله، لأنه هو الذي يخلق حالة التلقّي ويُفعّلها. برأيي إنَّ تذوّق العمل الفنّي يحتاج إلى تربية وتدريب مستمرّ وثقافة كي يتكوَّن من خلالها المخزون المعرفيّ، وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربية. وليكتسب المُتذوّق قُدرة التذوّق الفنّي يقتضي ذلك الارتقاء به من خلال تحسين البرامج والمناهج التعليميّة، وأن تنطلق خطط التربية الفنيَّة من الواقع، لكن لا بُدّ من أن تَتّصِف بالمرونة كي تتجاوب مع مُستجدّات العصر وتحوّلاته إلى جانب دور الإعلام في نقل الصورة عن أنواع الفنون وتطوّرها وتقنياتها، وتفعيل الدور الإجتماعي الغائب في المعارض التشكيليّة والمُعاصرة.

 

• يُعدّ الإيقاع أحد العناصر الأساسية في الشعر والموسيقى أين دوره في الفن التشكيلي؟

 

- لاحظَ الإنسان منذ العهود القديمة كيف تتمتّع الطبيعة بقوانين خاصة من المُمكن ملاحظتها في الشكل البنائي للإنسان، فبين ضربات القلب انتظام، وبين النوم واليقظة إيقاع حياة. كذلك، هي بنية الحيوانات والنباتات. صحيح أنّ كلمة إيقاع ارتبطت بالموسيقى، ثم امتدت لتطال الشعر ولتصبح متداولة في مجال الفنون المرئية والتشكيلية، ونظراً لتعدّد هذه الفنون فقد تنوّعت واختلفت طرق معالجة الإيقاع في العديد من الأعمال الفنية في مختلف المجالات. وهي من المبادئ الأساسية في تكوين العمل الفني، ومن أهم الأسس الجمالية والإنشائية للتصميم الذي يعتمد التقابل والإيقاع والتناسب والوحدة والتنوع.

 

• ماذا عن النشاطات الفنية المواكبة للحراك الجماهيري هل تضيفُ جديداً إلى وعي الفرد وذائقته ؟

 

- للفن تأثير كبير في الوقوف بجانب الشباب الثائر، والفنان جزء أساسي من المجتمع، وهمومه وتطلّعاته تتماهى مع هموم الناس، فالفن هو الوسيلة الأبرز لديه للتعبير عن احتجاجه ورفضه للوضع القائم. بعد ثورة 17 تشرين الأول في لبنان باتت الرسومات التشكيلية واللوحات الجدارية (الغرافيتي) معلماً بارزاً من معالم وسط العاصمة بيروت في خضمّ الاحتجاجات الهائلة التي تسببت بإطاحة الحكومة، وما نتج عن ذلك من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية.

 

ولم تتوقف الأنشطة الفنية منذ ذلك الحين، بل تزامنت مع كل مناسبة، سأذكر أحد هذه الأنشطة لأنني عضو إداري (أمين سر) في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، فقد قمنا بتنظيم نشاط بمناسبة عيد الاستقلال في ساحة الشهداء وهي أبرز مراكز الاعتصامات والاحتجاجات، وضَمّ النشاط حوالى 80 فناناً رسموا من وحي الثورة وكان لديّ عمل تفاعلي في الساحة بعنوان «نحنا الأرزة» نفّذت خلاله العلم اللبناني على مرآة مُحدبة من دون الأرزة وسطه، ووضعته في وسط الساحة ليكون كل ثائر موجوداً في الساحة هو أرزة للوطن، فعندما يقف أمام هذا العلم يكتمل نسيجه ليصبح هو أرزته. وقد لاقى هذا النشاط كغيره من النشاطات الفنية ردود فعل حماسية وإيجابية لدى الجمهور الذي حضر خصّيصاً إلى الساحة لمشاهدته.

 

وكذلك الموسيقى والأغاني الثورية التي تلهب حماس الثوار وتجعلهم يبتكرون المزيد من الأهازيج التي تؤكد على دور الشباب في البناء والتغيير، وتستقطب العديد من الجماهير كحالة ثورية للتنفيس عن غضبهم ويأسهم.

 

• هل يمكن للأكاديميات والمؤسسات الجامعية أن تساهم في تنمية الذائقة الفنية ؟

 

- هناك ضرورة لا يُمكن إنكارها للتعليم والتثقيف البصري على المستوى الإجتماعي والتربوي هو وجود المتاحف، والتي لا تُعير الدولة في لبنان وزناً لهذه المبادرة التثقيفية المُهمَّة، وحَثّ الطلاب بندرة وجود المتاحف إلى ارتياد المعارض الفنيَّة من قِبَل المناهج المدرسية.

 

هذا يخلُق حالة من الوعي الفنّي والثقافيّ للطلاب في كافة المراحل التعليميَّة وخاصة الجامعيَّة منها، فالطالب الجامعي اللبناني يسيطر عليه الفراغ، فهو يدخل الجامعة وليس لديه أدنى فكرة عمَّا يختلج داخله من ميول أو رغبات، ولا يعرف في الغالب سوى المظاهر السطحيّة، ونادراً ما يكون لديه ثقافة فنيّة أو أدبيّة بعيدة عن المنهج وليس لديه أيّ اهتمام بتَنمية معلوماته وتوسيع آفاقه. لبنان بحاجة لإعادة النظر في تعليم الفنون وفي المنظومة التربويّة من الكتاب مروراً بالعمل الفنّي والفيلم السينمائي والمسرحية... لأنه اليوم (لبنان) يعيش أزمة فكريّة، فمعظم الجامعات تفتقر إلى الهدف، وهذا ينعكس على التعليم السويّ بشكل عام.

theme::common.loader_icon