منذ حوالى ثلاثة آلاف سنة، والناس تتداول مفاهيم خاطئة عن داء الصرع. تشتقّ كلمة «صرع» من كلمة يونانيّة (epilepsia) تعني «السيطرة على» أو «التحكّم بـ». ولم يتم تعريف داء الصرع كاضطراب في الدماغ إلّا في القرنين الثامن والتاسع عشر.
بهدف زيادة التوعية عن هذا المرض، عرضت الدكتورة كارين أبو خالد، أخصائيّة أمراض الدماغ والأعصاب وداء الصرع في مستشفى «أوتيل ديو دو فرانس»، شرحاً شاملاً عن داء الصرع، أسبابه، أعراضه، طرق معالجته وأهميّة التوعية عنه.
الدكتورة كارين أبو خالد
«ينتج مرض الصرع عن نشاط غير طبيعيّ في خلايا الدماغ ما يؤدّي إلى اضطراب فجائيّ يشلّ أحد وظائف الدماغ. لهذا الداء أسباب عديدة، ولكن على عكس الاعتقاد الشائع، هناك جزء ضئيل منها وراثيّ. أسبابه الرئيسيّة عند البالغين هي إصابات الرأس جرّاء حادث سيّارة، سقوط أو نزيف داخلي في الرأس، جلطة، فالج، أو حتّى الأورام. تبلغ النوبات ذروتها عند الأفراد ما قبل الـ15 سنة والأفراد الذين تخطّوا عمر الـ50 سنة، وذلك بسبب مشاكل النموّ والتكوّن التي قد يعانيها الأطفال في سنّ مبكر والمشاكل الصحيّة التي تطال المسنّين في سن الشيخوخة».
وشدّدت الدكتورة على أنّ 10 في المئة من الأشخاص يصابون بنوبة صرع في حياتهم من دون أن يعانوا داء الصرع. ولكن إذا تكرّرت النوبات وتبيّن وجود مؤشّرات محدّدة في تخطيط الرأس، يُشخّص حينها المريض بداء الصرع.
إنّ الاعتقاد الشائع هو أنّ مرض الصرع يسبّب دائماً نوبة من الحركة اللاإرادية وفقدان الوعي، إلّا أنّه في الحقيقة يظهر بصوَر متنوّعة جداً، وغالباً ما يُغَضّ النظر عنها.
أعراض الصرع
«تتنوّع أنواع أعراض مرض الصرع لكنّها تنقسم إلى نوعين أساسيين: * النوع الأول يضمّ النوبات الجزئيّة التي تنتج عن خلل في منطقة معيّنة في الدماغ فتشلّ وظيفة معيّنة في الجسم؛ قد يعاني المريض مثلاً من رعاش أو تنمّل في اليدّ أو الرجل أو يشمّ روائح كريهة. أمّا إذا عانى المريض من نوبة جزئيّة-مركبّة، فقد يخالجه شعور بالخوف والإضطراب أو شعور غريب ومن ثمّ يفقد الحاسّة بالإدراك ويصبح سلوكه تلقائيّاً وتظهر حركات لاإراديّة أو أوتوماتيكيّة. في معظم الأحيان، تمرّ هذه النوبات بطريقة غير ملحوظة، لكنّها من الممكن أن تمتد لتنتشر في كامل الدماغ وتصبح نوبة صرع كبرى.
* أمّا النوع الأساسي الثاني من نوبات الصرع فهو النوبات الشاملة التي تنطوي على انتشار الخلل الكهربائي في كافة مناطق الدماغ، ويضمّ هذا النوع نوبات الصرع الكبرى. تسبّب النوبة الكبرى الأعراض المعروفة لدى الأفراد والتي يخشونها، مثل فقدان الوعي وازرقاق الشفتين والتشنّجات العضليّة والاختلاجات، وتدوم عادة ما بين الدقيقة أو الدقيقتين، ويتبعها حالة من الهذيان والنعاس الشديد. النوع الثاني من النوبات الشاملة، يتجسّد بارتجاج عضلي وجيز فيهتزّ مثلاً المريض بـ»نقزة» وجيزة ويُسقط أي غرض يحمله بيديه. أمّا في النوع الثالث، فقد يعاني المريض من غيبة تدوم عدّة ثوان وهي معروفة بالصرع الصغير. يؤثّر هذا النوع من النوبات على الأطفال خاصة، وقد يؤدّي إلى تراجع في مستواهم الدراسيّ».
وفي حال حدوث نوبة مماثلة، يجب الحرص أوّلاً على أنّ المريض في فسحة واسعة تُجنّبه إيذاء نفسه أو غيره. ثانياً، يجب وضع المريض على جنبه وعدم لمس الفَم أو اللسان والانتظار حتى تنتهي النوبة. لكنّ الأهم هو البحث عن بطاقة طبيّة، في حال حملها المريض، تنصّ على التعليمات التي يجب اتّباعها. يجب الحرص أيضاً على ألّا تتخطّى النوبة المدّة المرتقبة، وفي حال دامت أكثر من 5 دقائق، يجب أخذ المريض إلى أقرب مستشفى ليُعطى العلاجات اللازمة.
العلاجات
أمّا بالنسبة إلى العلاجات المقترحة، فيتفاعل المريض في 70 في المئة من الحالات مع العلاج بالأدوية، لكن في الـ30 في المئة المتبقية، إذا لم يتفاعل المريض مع أي نوع من الأدوية، قد يلجأ الأطبّاء إلى عملية جراحيّة من شأنها استئصال البؤرة المحدّدة التي تفتعل الخلل الكهربائي من الدماغ، أو إلى زرع بطّارية في جسم المريض هدفها التخفيف من حدّة النوبات وتحسين نوعيّة الحياة اليوميّة.
تبقى التوعية عن داء الصرع ضئيلة رغم التقدّمات العلميّة والطبيّة والانفتاح الاجتماعي. من المهمّ تمييز نوبات الصرع ورصدها لتشخيص المرض وتقديم العلاجات المناسبة، لاسيّما أنّ تجاهلها قد يعرّض حياة المريض ومن حوله للخطر. ففي المدارس، يجب مواكبة التلامذة في حياتهم المدرسيّة ومراقبة تقدّمهم الدراسيّ بغية الكشف المبكر ومساندتهم إذا لزم الأمر. وعند النساء، لاسيّما الشابّات، تؤدي التوعية دوراً هاماً لرصد المرض مبكراً وبدء تناول الأدوية اللازمة، فتتمكّن المرأة عيش حياة طبيعيّة وتأسيس عائلة وإنجاب الأطفال.
وردّاً على طريقة معالجة مستشفى «أوتيل ديو دو فرانس» هذا الداء، شدّدت الدكتورة على أنّ «مستشفى أوتيل ديو يتميّز في هذا المجال على أنّه أحد المستشفيات النادرة في لبنان التي تقوم بالعملية الجراحية لداء الصرع، وعلى أنّه قام حتّى اليوم بأكثر من 100 عمليّة ناجحة. كمّا أنّه يتميّز بفريقه المتعدّد الاختصاصات الذي يتألّف من طبيب متخصّص في أمراض الدماغ والأعصاب، وطبيب متخصّص في داء الصرع، وجرّاح متخصّص في عمليّات داء الصرع، وطبيب نفسي وأخصائي في علم النفس، وطبيب متخصّص في تصوير الرأس يُخضِع المريض للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بغية تحديد ما إذا كانت البؤرة المسؤولة مجاورة لمنطقة حسّاسة كمنطقة النطق أو حركة اليد. ويعمل هذا الفريق مع مركز الجينات التابع لجامعة القديس يوسف، ومع جمعيّة Épsilon التي من شأنها مواكبة المريض ومساعدته في تأمين كافة حاجاته».