عندما تتسلّط على الغير تحتقر نفسك
عندما تتسلّط على الغير تحتقر نفسك
ساسيليا دومط
جريدة الجمهورية
Tuesday, 04-Feb-2020 06:20

كيف نتعاطى مع الآخر؟ من هو الشخص المستفز؟ هل نشعر بالقوة عندما نجرح الآخر؟ وما سبب محاولة السيطرة على الآخرين وعدم السماح لهم بالتعبير عن الرأي؟ لماذا يحاول البعض فرض رأيه على الآخرين؟

الإنسان اجتماعي بطبيعته، ولا بدّ له من بيئة معينة يعيش فيها، ومن علاقات مع الغير تنمو على أصعدة عدّة، في البيت والعائلة والمدرسة، وصولاً إلى الرفاق والزملاء والعائلة الصغيرة الخاصة به؛ وتقوم العلاقات على التواصل مع الآخرين أينما كانوا، وأيّاً كانوا، بنمط يدل على أخلاق صاحبه. وعندما نتطرق إلى موضوع التواصل، لا بد لنا من ذكر الحوار على مستويات عدّة، مرئية ومبطّنة. ولكلّ منّا طريقته الخاصة بالتعاطي، طريقة كفيلة بأن تقربنا من القلوب أو أن تعزلنا عند حدود معينة، كما يمكن أن تخلق لنا صراعات وأزمات لا تنتهي.

 

تعتبر محاولة فرض الرأي على الآخر نوعاً من أنواع العنف، وقد يكون ذلك برفع الصوت أو عدم السماح له بالتعبير عن رأيه. قد نعنف من يحادثنا بعدم الإصغاء له واحتقاره، أو الاستلشاء برأيه، مركزين على وجهة نظرنا واعتبار رأينا هو الحقيقة المطلقة.

 

يلجأ إلى فرض رأيه على الآخرين من تعرض لذلك في عائلته، فيقلد بذلك ممارسات الأهل بحقه منذ كان طفلاً؛ كما يقوم بالأمر نفسه من يفتقد إلى تقدير الذات، ويعاني من فقدان الثقة بالنفس، كما قد يكون السبب عدم قدرته على الحوار المنطقي والموضوعي. ويخطئ الآباء والأمهات كثيراً عندما يربون أبناءهم على أنهم أهم من الغير، مرتكزين على المال أو الجمال أو حتى الشهادة، فمن يتعالى على غيره يبقى وحيداً ويتجنبه الناس، يهربون من تسلطه وغطرسته وفوقيته.

 

لو أردت أن تكون محبوباً، عليك أن تبتعد عن محاولة السيطرة على المحيطين، فما أنت حقيقة بحاجة إليه هو ان تكون مقبولاً ممن تحب، أن تمتلك القدرة على إقناعه منطقيا برأيك، والإعتراف بحقه بأن تستمع الى وجهة نظره. إذا كنت تبحث عن السعادة، قد تجدها في التواضع والبساطة؛ فرحك ليس في أن تتفوق على غيرك بسيارتك وملابسك وأموالك، بل في قدرتك على العيش بسلام وهدوء بالرغم من بيتك الصغير وثيابك الرخيصة المستوردة من الصين.

 

عندما تحاول أن تسيطر على قرار غيرك والظهور أنك الأهم والأقوى عن طريق العنف، من ذل واستهزاء وفوقية، تسعى أن تبرز من خلاله، أن تضيء على حسناتك، أن تجد لنفسك قيمة معينة عبر أذيته، لأنك في الوضع الراهن غير قادر على التعاطي معه من الند إلى الند، لأنك تعجز عن منافسته بالحق، لأنك ضحية لمشاعرك وانفعالاتك السلبية، للغيرة والمقارنة به؛ لأنك لا زلت تتعاطى بطفولية مع الأمور، وغير قادر على العبور إلى عالم النضوج.

 

إن من يتعاطى بعدوانية مع الآخرين، فيحتقر النادل في المطعم، ويصرخ بالمحاسب في السوبرماركت، من يعطي الأوامر للبائعة في محل الألبسة ويظلم عاملة منزلية، من يتأفف من تصرفات أهله وإخوته ويصب غضبه على عامل الدليفري، لا مشكلة لديه مع الآخرين بل مع ذاته، ومع تقديره لنفسه.

theme::common.loader_icon