يكثر تقديم الهدايا على أنواعها في مواسم الأعياد، فالهدية تعبير عن المشاعر، وتحتاج الى طرفين، من يقدمها ومن يتلقاها، وهذا العمل يترافق مع دوافع وأهداف، وطريقة في العطاء والأخذ، كما تنعكس من خلالها العلاقة الشخصية بين الطرفين.
رفض سامي (15 عاماً) هدية السيد فلان، الذي يوزّع المساعدات على الفقراء بمناسبة الأعياد قائلاً: «رأيت الكاميرات تسبقك يا سيدي كي تصورك وأنت تعطف عليّ بمبلغ من المال وبمواد غذائية، وأنا بالرغم من فقري وبؤسي، لا زلت أمتلك الكرامة وعزة النفس، فالجوع والملابس البالية أفضل من الذل والإهانة. ولو أردت العطاء، إفعله دون أن تعلم يدك اليسرى ما تفعله اليمنى، أعذرني لكنني أمتلك الكثير غير المال والمظاهر».
تعتبر الهدية طريقة من طرق التواصل، نعبّر فيها عن أمنية أو رغبة أو دعم للآخر، نحمّلها ميولاً ومشاعر كثيرة وتثير بدورها انعكاسات قد تكون إيجابية، من الفرح والسرور والودّ، كما قد تكون سلبية فينفر المتلقي وينزعج، إذا لم نقل يتألم.
تكثر الأيادي البيضاء في الأعياد، لاسيّما في المرحلة الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها لبنان، حيث تزايد التعاضد والتكاتف بين مكونات المجتمع، ومع ارتفاع عدد العائلات التي تعيش دون مستوى الفقر، ساهم الكثيرون بالتبرع والعطاء عبر الجمعيات والمراجع الدينية والاجتماعية.
«تغيّر طعم العيد بالنسبة إليّ هذا العام»، تقول لارا التي عاشت 45 عاماً في التسوق ووضع الزينة، في هذا الوقت من العام، «هالسنة أنا بستحي كون مرتاحة مادياً، وشايفة ناس جوعانة وبردانة، مخجولة أضهر وإسهر عا راس السنة، عم حس بشي من جوا كتير حلو، عم حس بالناس، إني كنت أنانية وسطحية، هالمرة عم عيش الحب الحقيقي وعم بتشارك اللي عندي مع الموجوعين والمتروكين، مع المسنين بدار العجزة، اللي ما عندن حدا يسأل عنن».
تختلف شخصيات وطباع من يقدم أيّ شيء للآخر، فمن الناس من يستعمل العطاء كي يمارس فوقية وتسلطاً، فيحاول شراء إرادة واستقلالية وحرية متلقي الهدية، فيستفيد من ذلك تحكّماً به من خلال طلب الخدمات التي لا تنتهي، فتطلب تلك السيدة من جارتها التي «تناولها» بضعة آلاف بين الحين والآخر أن تصنع القهوة لها ولصديقاتها، بينما ينتظر المرشح المستقبلي للنيابة ردّ جميل الأب الذي يعجز عن دفع كلفة علاج ابنه المصاب بالسرطان، في صندوق الاقتراع. في المقابل هناك من يضع مغلّفاً فيه بعض المال على مدخل باب أرملة لم توفّق في إيجاد عمل بعد وفاة زوجها. أما العطاء الأشدّ صدقاً، فهو الذي يأتي من يد محتاج يتقاسم لقمته وثيابه مع محتاج آخر، بصمت وحب ومودة.
أما من يتلقى الهدية على أنواعها، فلا بد أن يشعر بالدعم والاهتمام من قبل الآخر، إلّا أنّه يتأثر بالطريقة التي يُعطى فيها، وبشخصيته وطريقة تعاطيه مع الموضوع؛ فمن الناس من يغلب عليه كبرياؤه، فيرفض أن يمنّن ويُذلّ، بينما يأخذ الوصولي ما يريده ولا يكفّ عن طلب المزيد، ويفرح المحتاج للحب والاهتمام بكلمة من هنا وسؤال من هناك عن ظروفه وأحواله، وتدفئ قلبه قبلة وعناق ومجالسة مع من يحبّ.
للعطاء طقوس وأصول، فاحذر من جرح الآخر وأنت تقدم له ما يحتاجه، لا تحرجه بالعطاء المادي بل المعنوي، فالعطاء حبّ متبادل، حاجة نفسية ملحة، دعم تزرع من خلاله الثقة في النفس وفي الحياة، الأمل والفرح والسعادة. عندما نقدم شيئاً لأحد نعطيه شعوراً بالأمان والاستقرار، بعدم الخوف من الغد. جربوا العطاء مما ليس فائضاً لديكم، بل مما تحتاجونه وتفرحون بامتلاكه فتشعرون بالفرح الأعظم كبشر. وأودّ أن أذكركم بالجملة بالمناسبة، «عندما تساعد الفقراء أترك الكاميرا في المنزل».