عاجل : "الوطنية للإعلام": محلقة معادية ألقت قنبلة باتجاه خيمة في بيت ليف ولا إصابات
المقاطعجيون الجدد في ظل تحلّل مسؤولية الدولة
المقاطعجيون الجدد في ظل تحلّل مسؤولية الدولة
اخبار مباشرة
د. بيار الخوري أكاديمي وخبير اقتصادي
Saturday, 07-Dec-2019 06:26

لا يدعو التفلّت الحاصل في لبنان الّا إلى الصدمة من سلوكيات لم يكن من الممكن توقعها من أي هيكل سياسي عام في الألفية الثالثة. التلزيم الخبيث هو عنوان كل شيء هنا بعد انتفاضة الشعب اللبناني في السابع عشر من تشرين الأول المنقضي.

لبنان أساساً لديه نظام إدارة سياسية قائم على التلزيم، حيث تلزّم الدولة الشعب لزعماء الطوائف، وضمناً تلزّم معه السيطرة على القطاع العام من خلال التوظيف بالمحاباة والزبائنية السياسية؛ وقد اتّسع هذا التلزيم ليشمل كل مفاصل أنشطة القطاع العام، وباتت المحاصصة وتوزيع مغانم الدولة جزءاً من تشكيل الوعي القانوني والمؤسساتي وعكس شفافية القوانين وعدالتها.

والتلزيم كلمة كانت معروفة في حقبة استتباع لبنان للسلطنة العثمانية حيث كان «التوب كابي» يلزّم المناطق للمقاطعجيين في مقابل الولاء والمال.
لذلك تبدو المقاربة المقاطعجية لسلوك الدولة معبّرة عن التطور المركّب واللامتساوي (بحسب تعبير سمير أمين عن دول العالم الثالث)، وهي مقاربة دُفعت إلى أقصاها بعد الانتفاضة الأخيرة.

لقد نزعت الدولة إلى التحلّل من كل مسؤولية اقتصادية أو اجتماعية أو مسؤولية فرض القانون بما يحمي المسؤوليتين المذكورتين.

عندها، بدأت عمليات تلزيم واسعة إلى مقاطعجيين من طينة جديدة. لُزّم قانون العمل لأرباب العمل الذين قرّروا في حقوق موظّفيهم وفي أجورهم وتعويضاتهم من دون أي مقاربة قانونية ومن دون مرجعية من أي نوعٍ كانت.

لكنّ التلزيم لأرباب العمل يتحوّل إلى «شيطان أصغر» حين ننظر إلى تلزيم الأرزاق. وارباب العمل رغم كونهم أقل وجعاً من موظفيهم فهم ايضاً قد تم تلزيمهم.

لقد تم تلزيم ارزاق الناس، فقراء وميسورين، عمالاً وارباب عمل، إلى مقاطعجي كبير اسمه «جمعية الأمر بالمصروف» أفتَت في مداخيل وثروات الناس النقدية، فحدّدت أنظمة جديدة كلياً على البيئة النقدية اللبنانية خارج أي تشريع او قانون.

المقاطعجية ايضاً فعلت فعلها في سوق القطع، الذي لُزّم للصرافين في كل ما يتجاوز القمح والدواء والمحروقات.

مقاطعجيون أصغر يرفعون الاسعار بلا حسيب أو رقيب، تتفتح شهايا الربح على مصراعيها. كلّ يريد تعظيم ارباحه وثرواته في لحظة الانزلاق نحو الفقر من دون حسيب او رقيب.

كأنّ المواطن بات أمام مشهد جديد كلياً اسمه تخصيص السياسات عبر التلزيم: سياسة سوق العمل، وسياسة النقد، وسياسة سوق القطع، وسياسة ضبط الاسعار والربح الاحتكاري.

إنّ تلزيم السياسات هو أعلى مراحل المقاطعجية الذي يعتبر بدوره أغرب أشكال الخصخصة.

يقول التاريخ انّ المقاطعجيين انقلبوا على السلطنة نفسها وبَدّوا مصالحهم الخاصة، وتلك كانت سلطنة لا دولة ضعيفة قامت ركائزها بالمجمل على التلزيم.

theme::common.loader_icon