باتت الأمور تقال على المكشوف، خصوصاً لدى الفريق الداعم لرئيس الجمهورية: الثلث الضامن حقّ وليس منّة، وهذه المرّة تكرَّس في صناديق الانتخابات النيابية. وقد ذهب الوزير جبران باسيل للمرة الأولى، في حديثه قبل أيام الى «الجمهورية»، الى حدّ الجزم بأنّ محاضر «الطائف» كرّست الثلث الضامن لرئيس الجمهورية، «ولم نطالب بحقنا في حكومة العهد الأولى لكن اليوم، بحكم نتائج الانتخابات التي تمنحنا 11 أو 12 وزيراً، فهذا الحقّ مكرَّس لنا ولا علاقة له بالاستحقاق الرئاسي».
قامت القيامة على باسيل ولم تقعد بعد. «فوضى» التأليف قادت الى فتح ملف «الطائف» مجدداً. ما سَمَح وما لم يَسمح به خصوصاً مع توسّع دائرة المطالبات بأن يلعب النواب، أصحاب التكليف في الأساس، دورهم في وضعِ حدٍّ للإستنزاف الحكومي.
يقول رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني في كتاب إستقالته في جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008 «لم أرَ في حياتي تمزيقاً للدستور كهذا التمزيق، حيث ندفع بنصّ الدستور الى أن يكون إستهزاءً بروحه». بعد مرور أكثر من عشر سنوات على صرخته المدوّية داخل مجلس النواب إزداد إقتناعاً بهذا الواقع!.
في حديثه الى «الجمهورية» يؤكد الحسيني «أنّ «إتفاق الطائف» وضَع رئيس الجمهورية في مرتبة الضامن لوحدة لبنان وفوق نزاعات السلطة والمعارضة، وهو جعل الرئيسَ بحكم موقعه الدستوري مسؤولاً عن تشكيلِ حكومات متوازنة وطنياً لا تمتلك فيها أيُّ جهة الثلث المعطل، ومسؤولاً عن جميع الوزراء في الحكومة. وبالتالي، فإنّ «الطائف» لم ينزع صلاحيات الرئيس بل أعطاه صلاحيات منها مرسوم الحكومة الذي لا يصدر من دون توقيعه».
يضيف الحسيني: «الرئيسُ القوي» اليوم يحجّم الرئيسَ القوي. لديه الكل (كل الحكومة) ويطالب بالجزء (الثلث الضامن). أما الوزير باسيل فلم يقرأ «الطائف». لقد «عوّدهم» الرئيس ميشال عون على عدم قراءة «الطائف». فمعظم مناصري الأخير حين يتذكّرون «الطائف» لا يرون فيه سوى أنه لم يوصل عون الى رئاسة الجمهورية»، جازماً «لا شيء إسمه ثلث معطّل في الدستور، فيما لا يجتمع مجلس الوزراء إلّا بأكثرية الثلثين منعاً للغلبة الطائفية والمذهبية».
أحد أبرز عرّابي «الطائف» يستنجد بالمثل القروي القائل «يللي الو البيدر ما بيطلع على الشكارة»، ليوضح فكرته أكثر «خلافنا مع باسيل أنّ الـ 30 وزيراً همّ لرئيس الجمهورية، فلماذا يريد الثلثَ الضامن؟ حين طلب ميشال سليمان الثلثَ الضامن قال له عون لا يحقّ لك».
يضيف الحسيني قائلاً: «المبدأ العام أن لا سلطة بلا مسؤولية، وبوجود سلطة عليك أن تتحمّل المسؤولية. لم نعطِ الحق بالثلث الضامن في «الطائف» لرئيس الجمهورية لأنه يتنافى مع واقع عدم مسؤوليّته كونه معفى من أيّ تبعية، فكيف أحمّله مسؤولية وأعطيه حصة، ما يجعله طرفاً، وفي الوقت نفسه أحميه من المحاسبة؟».
ويوضح الحسيني «أنّ مجلس الوزراء هو خطّ الدفاع الأول ومعركة إسقاط الحكومة تحصل في مجلس النواب وليس الشارع. إذا سقطت الحكومة نسمّيها أزمة وزارية، لكن حين يسقط الرئيس تصبح أزمة حكم، وبالتالي الرئيس هو خطّ الدفاع الثاني. طالما هو موجود تؤلّف الحكومات».
- لكن كيف ينظر الى المعركة التي يخوضها رئيس «التيار الوطني الحر»، بغطاء عون الكامل، لإستعادة حقوق سُلبت من المسيحيين بالممارسة منذ «الطائف»؟ يردّ الحسيني: «أنا لا أحكم على النيات بل على الأفعال. حتى الآن كل حركة من حركات باسيل تدلّ الى شهوة سلطة. أذكّر دائماً بكلام الإمام علي «إحذروا نشوة النصر وفتنة الغرور، لأنها تهدم في ساعة ما بُني في سنوات». ويضيف «آخر ما سمعته من باسيل أنه يريد أن يعلّم واشنطن ولندن كيف تحكم الدول بلا موازنات!»
ويعرّج الحسيني على أداء رئيس الجمهورية شاهراً إصبعَ الإتهام «قال عون إنّ معركة الفساد قد بدأت وسيسمّي الفاسدين بأسمائهم. الحكومة تَحكم لا تُحاكِم. مَن يحاكِم هو القضاء. من دون سلطة قضائية مستقلة مَن سيُخبرنا مَن هو الفاسد؟».
- لكنّ عون هو من المنادين الأساسيّين بقضاء مستقل؟ يردّ الحسيني: «كل خطبه تقول بذلك ومنها خطابه في إفتتاح السنة القضائية، لكنه لا يعمل في هذا الإتجاه. أفعال السلطة لا تبشّر. فالقضاء ممسوك من السلطة السياسية»، مؤكّداً أنّ «هناك 4 ضمانات دستورية لقضاء مستقل: مَن يعيّن القاضي، مَن يحدّد تعويضاته ومخصّصاته، مَن «يشكّل» (مناقلات) القاضي، ومَن يعاقبه. هذه الضمانات نصّ عليها الدستور، وهي ليست بيد السلطة القضائية، بل التنفيذية، فعن أيِّ قضاء مستقل نتحدث؟».
- وعن الجدل الحاصل حول إمكانية سحب التكليف من الرئيس المكلّف سعد الحريري، يقول الحسيني: «في الأنظمة البرلمانية فور إعلان التكليف على رئيس الحكومة أن يُصدر مراسيم الحكومة مع رئيس الجمهورية. هناك واقع العجلة. في «الطائف» تمّ تحديد مهلة 30 يوماً لإنجاز البيان الوزاري. عدم وجود مهلة في ما يخصّ التكليف يعني تشكيل الحكومة فوراً. وبالتالي عدم وجود نصّ هو للتسهيل وليس التعطيل».
ويصف الحسيني التكليف المفتوح على «المجهول الدستوري» بـ «عملية السطو على البلد وإغتصاب للسلطة. وإغتصاب السلطة لا يرتّب آثاراً هو حالة معدومة دستورياً». ويوضح أنّ «رئيس الجمهورية يكلّف الشخصية التي سمّاها النواب الذين يحق لهم سحبُ التكليف. من هنا أعطي رئيس الجمهورية حقّ توجيه الرسائل الى مجلس النواب في حالات معينة ومنها التكليف»، مؤكداً أنه «لا بد من وضع نظام داخلي لمجلس الوزراء عند ذلك تطبّق المهل على الجميع. الآن يفرضون تطبيق المهل على الحريري وليس على غيره».
- هذا يعني أنّ لجوءَ عون الى مجلس النواب لحسم مسألة التكليف خطوة دستورية؟
يردّ الحسيني: «هذا المجلس غير شرعي أصلاً، حتى إنتخاب عون حصل في ظلّ قانون إنتخاب غير دستوري بسبب التمديد المتكرّر حيث كان في إمكان رئيس الجمهورية السابق حين مدّد المجلس النيابي لنفسه، أن يمنع مجلس النواب من الإجتماع لمدة شهر بناءً على المادة 59 من الدستور، وأن يعيد ردّ القانون في حال إصرار مجلس النواب، لكن ذلك لم يحصل».
- لكنّ عون يفاخر اليوم أنّ قانون الانتخاب القائم على النسبية هو أحد أهمّ إنجازات عهده؟
يجيب الحسيني: «أنّ «أكبرَ ضربة وُجّهت الى الوحدة الوطنية هي القانون الانتخابي الحالي غير الدستوري. أنا غير معترف بشرعية هذا المجلس. وأنا وعون غير معترفين بشرعية المجلس الذي إنتخبه رئيساً للجمهورية. وتالياً طبيعي أن لا أعترف بشرعية الحكومة اليوم ولا بتكليف رئيس الحكومة».
ويضيف «قانون الانتخاب، هو أحد القوانين التأسيسية الخمسة، ويجب أن يؤمّن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية التمثيل. في القانون الحالي هذه الأمور غير مؤمّنة، خصوصاً أنه كرّس الفرز الطائفي والمذهبي، وأوصل «قطعاناً» تابعين لمرجعيات وزعماء. والزعماء «قطعان» عند الخارج. وهو أعاد لبنان الى أجواء 1860، أي الفتنة الكبرى».
على صعيد آخر، وربطاً بدعوة رئيس مجلس النواب لإلتئام حكومة تصريف الأعمال لإقرار مشروع الموازنة، يقول الحسيني: «لرئيس الحكومة المكلّف الصلاحيات الكاملة وهناك سابقة 1969 في ظلّ حكومة الرئيس رشيد كرامي. نحن إستندنا اليها عام 1988 واستشرنا الدكتور أدمون رباط الذي أفتى بأنّ الأهمية ليس العمل في حدّ ذاته لكن إمكانية تأجيله أو عدم تأجيله. والموازنة بهذا المعنى إستحقاق دستوري، ولا نستطيع أن نؤجّل تطبيق الدستور».
- أمام كل هذه المعضلات هل ترى أنّ «إتفاق الطائف» نفسه هو الحل أم يوجب تغييره؟ وماذا عن دعوة بري الى قيام دولة مدنية؟
يرد الحسيني: «عام 2014 في مناسبة مرور ربع قرن على إقرار «إتفاق الطائف»عقدنا مؤتمراً بدعوة من «المركز المدني للمبادرة الوطنية» وخرجنا بخلاصة مفادها أنّ هذه التسوية قابلة للعيش ومنفتحة للتطوير بكل الوسائل السلمية. طرحنا على 54 مدعوّاً سؤالاً مفاده «أعطونا البديل». ناقشنا الأمر على مدى 3 أيام وخرجنا بخلاصة ضرورة تطبيق كل بنود الطائف من دون إنتقاء». ويرى أنّ «الدولة المدنية تعني تطبيق بنود «الطائف» الذي رَسَم خريطة الطريق للوصول اليها، لكنّ أيّ دولة مدنية ستقوم في ظلّ سلاح الميلشيات»، مؤكداً أنّ «سلاح «حزب الله» هو مقاومة في مواجهة العدو وميليشيا في الداخل». وقال إنّ «الطائف هو نقيض مفهوم «الاتفاق الثلاثي» الذي قام على أساس أنّ كل واحد من أطرافه الخمسة يحكم طائفته ويشارك في حكم الآخرين. أما «الطائف» فقد حلّ الميليشيات وأسّس للدولة المدنية».
ويختم الحسيني: «عام 2007 أسّسنا «المركزَ المدني للمبادرة الوطنية» لتحديد سبل تطبيق «الطائف» ومعنى الدولة المدنية. وعام 1997 قدّمنا إقتراح السلطة القضائية المستقلّة الذي لا يزال في الجوارير في لجان المجلس».