كثيرون «بلّوا أيديهم» في معاناة المسافرين اللبنانيين والأجانب جرّاء الزحمة التي يشهدها المطار على مدار الساعة خلال أشهر الصيف الثلاثة، فصارت «الخبز اليومي» لجدران التعليقات الافتراضية وتغريداتها. حتى إنّ بعض السياسيين من «طينة» الأصدقاء لم يوفّروا وزير الأشغال العامة من تعليقاتهم وانتقاداتهم، ولو أنّ بعضهم «زحط» بتبنّيه صوراً غير دقيقة.
كان من الممكن أن يمرّ شريطُ المَشاهد اليومية للناس «المكدَّسة» بعضها فوق بعض، مرور الكرام، بلا أيّ «شبهة سياسية». تماماً كما صور المستنقعات التي «تنفلش» بسرعة المطر الذي ينهمر في عزّ «كوانين» فيحوّل منصّات التداول الاجتماعي منصّاتِ صواريخ تهاجم الدولة بكل أركانها وتخصِّص وزير الأشغال بوابل من الانتقادات... ولكن، عشيّة تأليف الحكومة، لأزمة عبور «خِرم المطار» حكاية أخرى.
بلع فنيانوس «موسى» المعركة الخفيّة التي تُخاض أمام عينيه على حقيبة وزارة الأشغال من دون أن يَقرب خلال مؤتمره الصحافي الذي خصِّص لأزمة الإزدحام في صالات الذهاب والإياب، حافة اللعبة السياسية. تصرّف بمسؤولية عالية حيال واجبه السلطوي كوزيرٍ للنقل، مع ما يحصل يومياً على باب مطار رفيق الحريري الدولي، كما يقول عارفوه.
هو يعلم جيداً أنّ معاناة قاصدي «مدارج الهروب» من «جحيم» الداخل، ليس مبالغاً فيها ولا هي أوهام تُرسم بريشة المغرّدين. ولكنّ للتسييس مكانه دوماً في لعبة الحملات التي تشنّها «الجيوش» الافتراضية المحزَّبة، خصوصاً في اللحظات المصيرية التي يوزَّع خلالها «قالب» الحقائب الدسمة.
اختار وزير الأشغال العامة السير قرب «الجدار التقني» مستعيناً بلغة الأرقام، تاركاً المعركة السياسية فيما لوثبت وجودُ «أدلّة» تدين أصحابها، لوقت آخر.
فنّد بالأرقام حال المرفق بعدما كان نبّه أكثر من مرة إلى المصير «السوداوي» الذي ينتظر قاصديه. سجّل المطار خلال شهر واحد وصول ومغادرة مليون ومئتي ألف مسافر، موزّعين بين ستمئة ألف مغادر وستمئة ألف قادم يعبرون ست بوابات تفتيش، ما يعني أنّ مئة ألف مغادر يعبرون بوابة واحدة خلال شهر، أي أنّ أكثر من ثلاثة آلاف مغادر يعبرون يومياً كل بوابة، فيما يحتاج كل شخص أكثر من دقيقتين لعبوره!
هكذا ذهب حتى آخر المطاف في التحدّي الذي فُرض عليه من خلف الجدران الافتراضية. وضع نفسَه أمام القضاء وسلطة الرأي العام، بعدما سجّل في محضر القانون الذي يرعى عملَ الوزارة أنّ مسؤوليّته تجاه المرفق الجوّي محصورةٌ بمديرية الطيران المدني التي لم يبقَ من كادرها الوظيفي إلّا 223 موظفاً من أصل 980 وظيفة.
أمّا غير ذلك فهي مسؤولية معنوية كون شركة MEAS هي المسؤولة عن الأعمال في المطار وفقاً لعقدٍ موقّع بينها وبين مجلس الإنماء والإعمار منذ العام 2001، وبالتالي لا صلاحية للوزارة للإشراف ولا لتنفيذ أيِّ عمل.
ومع ذلك، تقدّم فنيانوس باعتذار من جميع اللبنانيين، وهو يدرك جيداً أنّ ما حصل خلال الأيام الأخيرة ليس سوى مشهد مصغّر لحملة مكتومة تُخاض تحت طاولات مطبخ التأليف الحكوميّ، لأنّ العين مفتوحة على الحقيبة التي يمثّلها لا أكثر.
عملياً، لم تأتِ الانتقادات التي وٌجِّهت لوزير الأشغال العامة طوال الأشهر الماضية، خصوصاً عشية الانتخابات النيابية، من عبث. «زفت» الوزارة الذي انفلش على طول المناطق المسيحية وعرضها فتح الشهية على وزارة «منجم الذهب الأسود». كانت المرة الأولى منذ عقود التي تؤول فيها الحقيبة إلى طرف مسيحي، فبدا الفارقُ جلياً.
هكذا، وبعدما رفع تيار «المردة» الحظرَ عن تولّي المسيحيين هذه الحقيبة، بدعم الرئيس نبيه بري بطبيعة الحال، أُلحِقت الوزارة بسلّة الحقائب الدسمة الموضوعة على طاولة المفاوضات.
اليوم يخوض «التيار الوطني الحر» مواجهةً مفتوحةً لكي يضمّ الوزارة إلى حصانته الوزارية، فيما «القوات» تضعها ضمن سلّم أولوياتها تعويضاً للحقيبة السيادية أو حتى عن مركز نيابة رئيس الحكومة. أمّا «الحزب التقدمي الاشتراكي» فيحاول رفعَ سقف تفاوضه لكي يستعيدَ «مجده الضائع» في وزارة الأشغال. فيما زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية ضمّها إلى ثلاثيّته المشروطة: إما «الأشغال»، أو «الطاقة» أو «الاتّصالات». وبما أنّ «الاتّصالات» ثابتة في «بيت الوسط»، و»الطاقة» باتت «مكرَّسة» في أجندة «التيار الوطني الحر»، لم تبقَ إلّا «الأشغال» على «نار» التفاوض.