

وعن «حرب الكلب الثانية»، اعتبر نصر الله أنّها بالنسبة له ومن صميم تجربته عمل مختلف، فباعتقاده أنّها الرواية الأولى له التي يتحدّث فيها عن المستقبل. هي تنتمي إلى أدب الخيال العلمي إلى حدٍّ كبير وتستفيد منه وإن كان يظنّ أيضًا أنّها تقارب الخيال الاجتماعي إذ تصوّر مجتمعًا بأكمله.
وأكّد أنّ هذه الرواية هي محاولة لتأمّلِ البشر في مستقبلهم انطلاقاً من اللحظة التي نعيشها أو السنوات الكثيرة التي عشناها في العالم العربي، سنوات العنف، سنوات القتل، سنوات التوحّش... كلّ هذه المسائل تعالجها الرواية وتبحث أيضًا في فكر الإنسان ووجوده ومعنى الإنسانية، إذ تطرح التساؤل الأبرز، ألا وهو: ما الذي يريده الإنسان؟
«حرب الكلب الثانية» تتأمّل مصير البشر، أي أنّها لا تتوقف عند التوحّش الذي عانينا منه وحسب، بل تتوغّل أيضًا في توحّشِ القوى الكبرى تجاهنا. فإذا استمرّت الصورة على هذا النحو، إلى أين سنصل؟ على الأرجح أننا سنبلغ الخراب الكبير الذي لن ينجو منه أحد، دائمًا حسب نصرالله.
قراءة مستقبلية
وتجدر الإشارة إلى أنّ أحداث الرواية تتخطّى الواقعَ المُعاش وتدور في المستقبل فتتأمّله مستشرفةً ما يَحدث فيه من ازدياد الجشعِ واستغلال الإنسان. من خلال قصّة حب غريبة، تمرّ عبر مجموعة من الشخوص الذين يعيشون في ذلك الزمان، ونرى المدى الذي بلغوه في توحّشِهم.
وفي هذا الإطار، يقول نصر الله إنّ «التركيز على التوحّش والغضب له علاقة بما يَحدث في العالم اليوم وفي عالمنا العربي، على وجه التحديد، كم من البلدان دُمِّرت، كم من الناس هُجِّروا... إنّها إشكالية قدرة الإنسان على التحوّل من كائن مديني عاقل ومثقّف إلى كائن قاتل في فترات قصيرة، هي المسألة التي شغلتني وقد عايشناها للأسف». «لم أخترع شيئًا، وإن لم تشغلك مسائل كهذه فما الذي يمكن أن يثير قلقك؟»، يضيف نصر الله. ويؤكّد: «أكتب الرواية انطلاقاً من قلق وجوديّ يبدأ من المنطقة العربية وينتقل إلى كلّ العالم، وقد اكتشَفنا أنّه لم يعد هناك مكان آمن في هذا الكون».
الهوية الفنّية
أمّا عن الشكل الفنّي أو الهوية الفنّية للرواية، فيقول نصر الله: «إنّك عندما تكتب يجب أن يكون الشكل الفنّي ملائمًا للشخوص الذين يتحرّكون في العمق. فعلى البناء أن يلائم التركيبة النفسية للشخصيات، لتطوّر الأحداث ولطبيعة المرحلة التي تدور فيها». ويوضح: «فلذلك استعارت الرواية من الخيال العلمي جزءًا، ومن العبث والفانتازيا والغرائبية والواقعية أجزاءَ، ونعني هنا ما يُسمّى بالواقعية القذِرة أو الصادمة».
وبالإجابة على التساؤل حول تداخل عناصر مختلفة في «حرب الكلب الثانية» اعتبَر نصر الله أنّ الرواية في يومنا هذا باتت تتداخل فيها أشياء كثيرة ومدارس جمّة، فهو على قناعةٍ تامة بأنّ الإنسان ليس واقعيًا طوال النهار، فقد يكون عبثيًا، وقد يكون فنتازيًا أو عجائبيًا في يوم واحد، فما يُكتب عن الإنسان يجب أن يأتي على صورته. ويَخلص إلى القول: «الرواية هي رواية الإنسان بصفاته كلّها».
التأثيث للمستقبل
وعمّا إذا كان هناك تماهٍ بينه وبين أيّ من شخصيات الرواية، ينفي نصر الله ذلك مؤكّدًا أنه ليس متورّطًا فيها ببساطة، لأنّ كلّ الشخصيات سلبية، وهذا يَحدث لأوّل مرّة في كتاباته، حيث أراد أن يقدِّم عملًا صادقًا.
وعن الواقع الإنساني بشكل عام، ومدى تشابهِ البشر اليوم مع شخصيات الرواية، اعتبَر نصر الله أنّنا لسنا أفضل مِن هذه الشخصيات، لربّما لأننا لم نُختبر بعد، فإذا اختُبِر المرء وتصرّفَ كشخصيات الرواية فهذا بالتالي يعني أنّه سقط سقوطًا مدوّيًا. هذا ويؤكّد نصر الله أنّ «حرب الكلب الثانية» مختلفة عن رواياته السابقة، فهو يُعالج واقعًا مختلفًا لا يمكن أن يجاملَ فيه القارئ، بمعنى أن يمنحَه بعضَ جرعات الأمل وكأنّه يعطيه مسكّنًا.
في الحديث عن الكتابة في المستقبل ومدى مرونتها، يَعتبر نصر الله أنّ «الصعوبة هنا تكمن في كيفية التأثيث للمستقبل، فعليك كأديب أن تقوم بدور «العالم»، تقدِّم ابتكارات خاصة أو تخترع أشياء قد تكون موجودة في الغد ليست متواجدة اليوم، ليشعر القارئ بأنّ هذا المستقبل حاضرٌ ملموس أمامه، من خلال ابتداع ابتكارات كبيرة لا يَعرفها، مناخٍ لا يعرفه». والجدير ذكرُه أنّ نصر الله له باعٌ طويل في الشعر والكتابة عن السينما، وفي هذا الخصوص، يرى أنّ السينما حاضرة بشكل بارز في الرواية التي مِن السهل جدًّا أن تتحوّل إلى فيلم سينمائي، وفق ما يقول نصر الله.
وفي الختام، كان لا بدّ من الحديث عن الجائزة، التي رأى فيها نصر الله تقديرًا مشكورًا، إلّا أنه يعتقد أنّ الامتحان الأساسي لأية رواية هو المستقبل أيضًا. إلى أيّ مدى ستعيش هذه الرواية مع مرور الزمن واختلاف الذائقة. فالجائزة لحظةُ تكريم ولكنّها ليست تذكرة عبور نحو الخلود، هي مناسبة للاحتفال وليست صكًّا للأبدية.








