«راسين بالإيد»... الواقع ممسرَحاً بالاستناد إلى شكسبير
«راسين بالإيد»... الواقع ممسرَحاً بالاستناد إلى شكسبير
اخبار مباشرة
منال عبد الأحد
جريدة الجمهورية
Tuesday, 17-Apr-2018 00:05
تعود فرقة زقاق المسرحية من خلال عرضها المـُستحدَث «راسين بالإيد» الذي تقدّمه على خشبة مسرح «استوديو زقاق» في بيروت، في 26 و27 الجاري كما وفي 3 أيار المقبل. سبق لهذا العرض أن أُجري في احتفالية الـ20 سنة لمسرح المدينة، بدعم من المركز الثقافي البريطاني، كخطوة أولى، وأُعيد تطويرُه ليُعرَض على الخشبة من جديد.

يستند «راسين بالإيد» إلى نصّ أساسي لشكسبير يحكي فيه عن الانتقام والعدالة بفظاظة، حيث يتضمّن أكبرَ عدد من المجازر والقتل التي من الممكن مصادفتُها في عملٍ مسرحيّ، وهنا نتحدّث عن رائعة «تيتوس أندرونيكوس»، إذ استقت «زقاق» اسم عرضها المسرحي من مشهدية في المسرحية، عملياً هي فكرة قطع الرؤوس، وما يربطها من علاقة مع الاستحواذ على السلطة وجدلية آلية تحقيق هذه السلطة لذاتها.

يُسائل العمل معاني تداول السلطة وتحقيق العدالة التي تتوالد منها دوّاماتُ الانتقام والعنف كردّ على عنفٍ وجرمٍ أكبر أحياناً، أو العنف للعنف أحياناً أخرى، حسبما أكّد جنيد سريّ الدين من فرقة زقاق، في لقاء خاص مع "الجمهورية".

شكسبير مرجعاً

تعمل فرقة زقاق بالاستناد إلى شكسبير، بمعنى أنّها تجعل من مسرحياته مرجعاً لتأخذ منها مواقفَ وصوراً تُسائل من خلالها القضية التي تشغل بالها، أي مفاهيم السلطة، الحاكم، العنف، الانتقام، العدالة، ليس فقط من خلال قصة خيالية وإنما عبر علاقتها بالخشبة، الفعل المسرحي، والممثلين. إذ ليست تلك الخشبة منصّةً للخيال وحسب، بل هي مساحة للتفكير مع الجمهور.

كما وتستعين زقاق بنماذج مختلفة من نصوص شكسبير، فأضف إلى تيتوس تجد الملك لير وريتشارد الثالث، وهناك تلميح إلى شخصيات هاملت وكلوديوس في مسرحية هاملت.

بين شكسبير والواقع

يقتصر عرض فرقة زقاق على ثلاثة ممثلين على الخشبة يخوضون غمار تجربة أدائية أمام الجمهور متنقّلين بين أدوار عدة شكسبيرية ودرامية مضخّمة - من خلال كثافة الجرعة الدرامية فيها - وشخصيات من واقعنا اليومي.

يتنقّل ممثّلو زقاق بين هذه الشخصيات لخلق نوعاً من الموازاة بين الشخصيات الشكسبيرية وشخصيات سياسية من واقعنا المُعاش، بغية تعزيز جدليّة معيّنة تحثّ المشاهد على التفكير متّخذاً مسافته الطبيعية من واقعنا اليومي.

خطّ درامي متكسّر

اعتبر سريّ الدين أنّ هذا العرض لا يملك التركيبة الكلاسيكية للمسرحية، فهو لا يحظى بخطٍّ متواصل، بل إنّ خطّه الدرامي متفلّت ومتكسّر بما يشبه عملية التفكير بحدّ ذاتها.

أما عن الفارق بين النسخة الأولى والثانية من العمل فيقول سريّ الدين، إنهم كفرقة في طور تطوير المضمون، بحيث بات العمل أطول، وبالتالي أكثر تقدّماً على مستوى الدراماتورجيا، إذ تعاود الفرقة توضيح الرابط بين العنف والوحشية وعلاقة المسرح بهذه المفاهيم، ما يعني أنّ العرض تطوّر سينوغرافياً، وقد طرأت تغييراتٌ جذرية على بعض المشاهد. هذا ويؤكّد سريّ الدّين أنّ العمل قُدِّم سابقاً بصيغته غير المنجَزة.

بين الحياة والحياة مُمَسرحة

يتحدّث العمل، دائماً حسب سريّ الدين، عن إشكالية الانتقام في الحياة وإشكالية الانتقام في المسرح، مفهوم العدالة في الحياة مقابل مفهوم العدالة في المسرح، العنف في الحياة والعنف متجسّداً في المسرح. هذا هو التساؤل الأبرز الذي يطرحه "راسين بالإيد".

ويخلص جنيد إلى أنّ خشبة المسرح تملك حيّزاً جمالياً وفكرياً ليس موجوداً في الواقع إنما يشبه الحياة بكثير من الأمور، وهكذا تصبح المواجهة مع الجمهور على هذه الخشبة آليةً تمكّنه من خلق تصوّرات معيّنة تجعله يُسائل حياته، تماماً كالبطل في المسرحية وفي الحياة، فالبطل في المفهوم الشكسبيري هو الشخصية التي يتماهى معها الجمهور، والمجرم في المسرح ليس بطلاً، إنما هو بطل في الحياة للأسف، دائماً حسب سريّ الدين.

العمل المشترَك

أما في الحديث عن فرقة زقاق، فيوضح سريّ الدين أنّها قائمة على فكرة العمل المسرحي المشترك بعيداً من المفهوم الما بعد حداثوي للفردانية في الفن.

تأسّست الفرقة عام 2006، وأنشئت معها «أرصفة زقاق» التي تحوّلت إلى مهرجان يحدث كل سنتين مستضيفاً فنانين يتيح لهم تقديم أعمالهم من خلال العروض، ورش العمل واللقاءات المفتوحة.

وضمن هذا المهرجان منصّة تلقي الضوء على الفنانين المقيمين في لبنان أمام مبرمجين ومدراء مسارح من حول العالم. هذا فضلاً عن إنشاء مسرح «علبة سودا» أخيراً الذي يستضيف فنانين محليين وعالميين بإقامات فنّية، ويشكّل في الوقت عينه «المطبخ» الفنّي لفرقة زقاق، بالإضافة إلى برامج المسرح العلاجي، المسرح الاجتماعي والتدخّلات النفس اجتماعية.

والجدير بالذكر، أنّ فرقة زقاق حائزة على العديد من الجوائز العالمية البارزة، منها جائزة «الثقافة من أجل السلام» من مؤسسة جاك شيراك لنشر وتطوير السلام، على سبيل المثل لا الحصر. وتضمّ الفرقة إلى سريّ الدين كلّاً من مايا زبيب، لميا أبي عازار، عمر أبي عازار، محمد حمدان وسمية بري.

theme::common.loader_icon