ما نفع إنسان لا يستطيع السيطرة على غضبه
ما نفع إنسان لا يستطيع السيطرة على غضبه
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 29-Feb-2016 00:00
دراسات كثيرة حلّلت وفسّرت تصرفات الإنسان. هذه التصرفات هي وليدة ما يشعر به جراء تجاربه الإيجابية أو السلبية. فمَن منا لم يشعر يوماً بالحاجة لشتم أحد ما، أو غَضِبَ فصرخ بأعلى صوته على شخص ثمّ ندم على تصرفاته. ومَن منا لم يشعر «بتعب» في قلبه وبأنه سيفقد وعيه بسبب شجار مع أحد الزملاء؟ ومَن لم يغضب من أحد ويصبّ غضبه عليه دون السيطرة على الذات؟ ما هو الغضب؟ وما هي الأسباب النفسية التي تدفعنا إليه؟ وكيف يمكننا السيطرة على غضبنا؟
يعرّف الإنسان الغضب منذ صغره حتّى مماته. يظهر الغضب عند الرضيع في تصرفاته «العدوانية» تجاه الأم خلال عملية الرضاعة، خصوصاً عندما لا تسدّ بسرعة حاجته إلى الأكل. ويرافق الغضب الطفل في المدرسة عندما يتشاجر مع أصدقائه، ثمّ في عمر نضوج، عندما لا يتّفق مع أصدقائه أو زملائه في العمل...

ما هو الغضب؟

الغضب، هو السخط أو الإنزعاج من موقف أو كلمة أو فعل ما. على سبيل المثال يمكن أن يؤدي الشعور بالظلم إلى الغضب وصولاً إلى الصراخ وحتّى العدوانية.

يفسّر علم النفس الغضب بأنه تصرف لا شعوري، لا إرادي يظهر بعد حادث خارجي، يحرّك العواطف الداخلية للإنسان الذي يبدأ عادةً بالصراخ والشتم والإهانة بسبب «غضبه». والغضب إنفعال سريع وغير مدروس يمكن أن يؤدي إلى ظهور بعض ردات الفعل الفيزيولوجية منها سرعة نبضات القلب، التعرق، الشعور بالإغماء، وإرتفاع ضغط الدم مع إختلاف في لون الوجه وإرتجاف اليدين.

على الصعيد المعرفي، يُفشل الغضب عملية التفكير الإيجابي والمنطقي. أما على صعيد الأعصاب، فتؤكّد الدراسات العلمية أنه يساعد في إفراز الأدرينالين الذي يجعل حركات الإنسان الغاضب سريعة وغير مُسيطر عليها.

لماذا نغضب وما سبب الغضب؟

الغيظ والحقد والكراهية وعدم المساواة وغيرها من المشاعر يمكن أن تنتج الشعور بالغضب. ولكن ما هي الأسباب الفعلية التي تجعلنا فريسة للغضب؟

أولاً، في الحياة الإجتماعية، كلّ إنسان معرّض للنقد الإيجابي أو السلبي. ولكن هناك ثمة أشخاص لا يتقبّلون النقد، أو لم يعتادوا على قبول آراء الآخرين، فتستفزّهم مخالفة آرائهم وتجعلهم غاضبين دون قدرة السيطرة على الذات.

ثانياً، قد يفجّر بعض الموضوعات أو الأحداث الغضب في النفوس، مثلاً عندما تشعر بأنّ أحداً ما سيضيع مساعيك التي بذلتها لعمل ما.

ثالثاً، يمكن أن يكون سبب غضب الإنسان هو خوفه من أمور أو أفكار... تسير عكس ما يريده. فالغضب يكون أسلوباً لتحاشي هذه الأمور.

التحكم بالغضب

الكثيرون من الأشخاص لا «يعدّون للعشرة» بل من عاداتهم الفوران والعصبية عند أيّة إساءة أو إبداء رأي أو حتّى أمام نقد بنّاء. طبعاً هؤلاء الأشخاص بحاجة لمساعدة لكي يتخطوا مشكلاتهم وردات فعلهم العصبية.

وليس من السهل ضبط نوبات الغضب ولكن يمكن إتباع النقاط التالية:

• مراقبة الذات خصوصاً عند التعرّض لمواقف يمكن أن تفجر نوبات الغضب. فعندما يلاحظ المرء إشارات كزيادة التعرّق، والشعور بسرعة نبضات القلب وبالإختناق مع إرتفاع في نبرة الصوت... يجب أن يغادر المكان الذي يتواجد فيه إذا أمكن، أو يتوقّف عن الإصغاء لما يُقال ويتنبّه إلى عدم التهجم على الآخرين.

• عندما يشعر الإنسان بغضب عارم، ولا يستطيع مغادرة المكان الموجود فيه، يمكنه إستعمال هذه الحيلة وهي: العد من واحد إلى عشرة. ثمّ يسأل نفسه هذا السؤال: «لماذا أنا غاضب؟ وكيف يمكن أن أتصرّف بشكل إيجابي؟» علماً أنّ هذا التمرين صعب جداً في البداية ولكنّه يتحوّل مع الوقت إلى عادة إيجابية يلجأ إليها الشخص كلّما شعر بالغضب.

• يجب الإنتباه بأنّ لكلّ إنسانّ رأيه الخاص. وهناك إحتمالات كثيرة منها ما يرضينا ومنها ما لا يرضينا. الأشخاص سريعو الغضب يشعرون بأنهم محور الكون ويجب على الجميع تقبّل أفكارهم، وهذا ليس منطقيّاً لأنّ لكلّ إنسان تفكيره وطريقة تعبيره وتحليله للأشياء.

• لا ذنبَ للآخرين ليتحمّلوا غضب شخص ما. فكلّ إنسان يمكن أن يغضب طوال الوقت، أو أن يسيطر على تصرفاته بعقلانية ورشد.

• يخفّف الإستماع إلى الآخرين وفهم آرائهم من حدّة الغضب. فلا يجب أن يفكّر الغاضب بأنّ بعض الأشخاص يحاولون إستفزازه، بل هم فقط يبدون رأيهم وهذا حقّهم.

• عندما يشعر الإنسان بغضب من صديق، وقبل مواجهته، يمكنه أن يكتب على ورقة وبشكل منطقي وموضوعي، ما الذي يزعجه. ثمّ يلتقي هذا الصديق ويواجهه بشكلٍ هادئ.

• لا يجب ملامة الأشخاص الآخرين دائماً، بل ملامة الذات، أي التعرف الى سبب أو حتّى أسباب الغضب.

• لا تفكّر بالموضوع الذي أغضبك ولا «تفلسف» الأمور بل فسّر الأشياء كما هي.

• النزهات القصيرة في الغابة أو الهرولة في حديقة عامة تساعد على استرجاع الهدوء النفسي كما تجعل الإنسان يفكر جدّياً بالحادثة التي أغضبته.

• أخيراً، الإتصال بصديق إيجابي يتمتع بأفكار بنّاءة وآراء موضوعية، يساعد في التخفيف من حدّة الغضب.
theme::common.loader_icon