كيف نُحوِّل الإعاقة طاقة إيجابية؟
كيف نُحوِّل الإعاقة طاقة إيجابية؟
تانيا عازار
جريدة الجمهورية
Monday, 04-Jan-2016 00:00
لا تخلو نظرة بعض الناس للمعوّق من الشفقة والعطف عليه، على رغم كونه إنساناً له كيان وقادراً على العطاء والعمل وبإمكانه تحقيق ما لا يستطيع تحقيقه كثير من الأسوياء. وينظرالبعض الآخر إليه كشيء يجب التخلّص منه وقلّما يتمّ التركيز على قيمته كإنسان. أمّا الفئة الثالثة فتنظر إليه نظرة احترام وتقدير وتحاول توفير فرص العلاج له والتدريب والتأهيل، لأنها تؤمن بحقّه في العيش في مجتمع حضاري يعامله بأسلوب إنساني راقٍ. كيف تساهم كلّ من المدرسة والأسرة في تنشئة الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة؟ لماذا تُستخدم أساليب وطرق غير صحيحة في التعامل مع هذه الفئة؟ ما هو واقع المعوقين اليوم؟ وما هي السياسات الداعمة للإعاقة؟
تشرح الأخصائية في علم النفس ميريام عماد لـ«الجمهورية» أنّ «ولادة طفل معوّق تؤثّر على كامل أفراد الأسرة، ويكون الوالدان الطرف الأكثر تأثّراً كونهما يمرّان بصعوبات وعوائق متعدّدة يفرضها وجود المعوّق على الأسرة، بسبب العناية الخاصة التي يحتاج إليها. كذلك، يظهر تخوّف الأسرة من عدم مقدرتها على التعايش مع حالة الإعاقة».

وتشدّد عماد على ضرورة تعامل الأهل مع المعوّق بطريقة معاملة طفلها السوي نفسها، وضرورة التفاعل معه والتصرّف بإيجابية تجاهه. كذلك، تشير إلى أنّه لا يجب أن يتوتّر الأهل عندما يتعاملون مع ابنهم المعوّق أو التحدّث إليه بنبرة الصوت العالية لأنه يشعر بتوتّرهم، ما يؤدّي إلى إيذائه.

الخجل من وجود طفل معوّق في الأسرة

تخجل بعض الأسر وتخفي أنّ لديها طفلاً معوّقاً، وتنظر إليه على أنه إنسان ضعيف إذ تضعه بمفرده في المنزل ولا تسمح له بالمغادرة وتحاول إخفاءه عن أعين الناس، علماً أنّ المعوّقين لديهم قدرات ومواهب خاصة يستطيعون توظيفها في أعمال لائقة، وقادرون أيضاً، بمساعدة أهلهم، على تحويل إعاقتهم إلى جوانب قوّة من خلال استغلال وتنمية قدراتهم وتهيئة الظروف الملائمة لهم. ومن شأن ذلك أن يحفّز المعوّق ويساعده على التعلّم والنموّ الإيجابي ضمن مساحة من الحرية تمكّنه من تحقيق ذاته.

نموّه... يختلف من أسرة إلى أخرى

تضيف عماد: «يختلف نموّ الطفل المعوّق وتطوّره بين أسرة وأخرى. فإذا نظرنا إلى أسَر المعوّقين من نوع ودرجة الإعاقة نفسها ندرك أنّ وضع المعوّق يرتبط بكيفية تعامل الأهل مع إعاقته.

وعلى قدر ما يتقبّل الأهل حالة الطفل ويساعدونه على النموّ الصحيح وعلى إبراز شخصيّته ويفعّلون عملية دمجه في المجتمع، يتقبّل طفلهم حالته وينمو بشكل سليم وصحيح. أمّا الجوّ الأسري المضطرب فيعيق نموّه ويحدّ من إمكاناته في تحقيق ذاته ويؤثّر في طريقة سلوكه وتصرفاته وينمّي مشاعر العدائية عنده».

وتشرح أنّ «في لبنان، لا تُقدَّم الخدمات والرعاية للمعوّقين»، وتشدّد على صعوبة دمجهم في المدارس. وتقول: «إنّ غالبية الأهل لا تتقبّل فكرة وجود الطفل المعوّق وسط مجموعة كبيرة من الأصحاء».

وعن دَور المدرسة في تأهيل الطفل المعوّق، تشير إلى أنّ المدرسة تلعب دوراً أساسيّاً في تأهيله نفسيّاً وتربويّاً ومهنيّاً وتنمّي استقلاليّته واعتماده على ذاته قدر المستطاع.

الإستعانة بمدرّبين وأخصائيين

ومن جانبها، تؤكّد المدرّبة التربوية والأخصائية النفسية السيدة زينا ستيفان لـ«الجمهورية» أنّ المجتمع اللبناني يعاني من قلّة الوعي والإدراك في أنواع وأشكال الإعاقات، الأمر الذي يؤدّي إلى استخدام أساليب وطرق غير صحيحة في التعامل مع فئة المعوّقين.

وتنصح في هذا السياق بضرورة استعانة الأهل بمدرّبين وأخصائيين لمساعدة ابنهم المعوّق في الحصول على درجة عالية من الاستفادة من النواحي الجسدية والاجتماعية والنفسية والمهنية التي يمكنه الحصول عليها.

وتضيف: «وجود ولد معوّق في المنزل كثيراً ما يتسبّب في نشوء علاقة مضطربة وغير طبيعية بين الزوجين. وينعكس ذلك بشكل سلبي على نموّه، كونه بحاجة إلى رعاية متواصلة». والإعاقة تتطلب تمتّع الأهل بوعي كامل كفيل بإبعاد كلّ الصعوبات التي تعتري طفلهم.

واقع صعبٌ جداً

ومن جهتها، تؤكّد رئيسة اتّحاد المقعدين سيلفانا اللقيس لـ»الجمهورية» أنّ «المعوّقين يواجهون واقعاً صعباً جداً، فيعيشون في غالبيتهم معزولين عن المجتمع، ويعانون التهميش والتمييز والإهمال. كذلك، إنّ اتحاد المقعدين يحاول جاهداً إحداث التغيير مع هذه الفئة الضعيفة التي تشكّل نسبة 15 في المئة من المجتمع اللبناني.

وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أنّ نسبة 50.4 في المئة منهم لا يتعلّمون، و83 في المئة منهم يعانون من البطالة، ولا تُقدَّم لهم خدمات التأهيل والصحّة والإستشفاء كاملة».

وعن السياسات الداعمة للإعاقة، فتقول: «يعمل الإتحاد لتحقيق الدمج التربوي في المدارس ويقوم بتجارب عدّة يركّز فيها على كلّ جوانب التعليم الرسمي والمهني. وكذلك، يدعم الجهاز التعليمي من خلال إمداد الإدارات والدولة بالدراسات وببناء القدرات وبطرح السياسات المناسبة».

وتضيف أنّ «الإتحاد يتعاون منذ حوالى 8 سنوات مع القطاع الخاص والمؤسّسة الوطنية للإستخدام ووزارات عدّة لتحقيق الدمج الإقتصادي والإجتماعي.

ولدى الإتحاد اليوم بروتوكول تعاون مع 53 شركة وهيئات إقتصادية، حيث يتولّى مهمّة تدريب الموظفين والأعضاء والإدارة فيها، ويعدّل الشروط المعيقة لتصبح هذه النماذج دامجة». إنّ مراعاة مشاعر المعوّق وعدم إظهار الشفقة عليه تشعره بالجانب المشرق من حياته.

ومعاملته كغيره من الناس وتشجيعه بشكل دائم يساعده في التذكّر دائماً بأنّ حياته مليئة بالنِعَم. فلا يجب أن نُظهر الشفقة عليه بعد الآن، ولنغدق عليه نظرة الأمل كلّما التقينا به!
theme::common.loader_icon